«فورين أفيرز»: لماذا تسلح أوروبا البحرية المصرية؟

السبت 25 مارس 2017 08:03 ص

لقد مضى 6 عقود على تأميم «جمال عبد الناصر»، الرئيس المصري السابق، لقناة السويس. لكن لا تزال رسالته يتردّد صداها، مصر لا غنى عنها جيوسياسيًا، وهي تعرف ذلك.

ومن خلال القناة، تشرف البلاد على نقطة ربط أفريقيا وآسيا وأوروبا. ومنذ عام 1859، عندما بدأ المصريّون بحفر قناة السويس تحت الاحتلال الفرنسي، عقّدت القناة العلاقة بين القاهرة وباقي العالم. وعندما أمّم «عبد الناصر» القناة عام 1956، انضمّت فرنسا إلى المملكة المتّحدة لاحتلالها. وردًا على ذلك، أغرق ناصر 40 سفينة في القناة ليغلقها أمام كلّ السفن.

وفي العقدين التاليين، أصبحت فرنسا الحليف الأول لـ (إسرائيل). وكان من أشكال الدعم بيعها لطائرات فوغا ماجستير الفرنسية المقاتلة لـ (إسرائيل)، والمساعدة في البرنامج النووي في مفاعل ديمونة. ومع تثبيت أركان تحالف فرنسا مع (إسرائيل)، أيّدت مصر الحركة المناهضة للاستعمار الفرنسي في الجزائر. وفي الوقت نفسه، بين عامي 1967 و1975، كانت القناة مغلقة أمام كلّ السفن. ومع ذلك، مع انتهاء الحقبة الناصرية، ابتعدت فرنسا عن (إسرائيل) وبدأت إعادة ضبط العلاقات التجارية التقليدية مع القاهرة.

وبعد أن وقعت مصر و(إسرائيل) معاهدة كامب ديفيد عام 1978، أصبحت قناة السويس واحدة من أكثر الطرق البحرية المؤمنّة في العالم، وتمرّ بها 7.5% من إجمالي التجارة عبر المحيطات في العالم.

حقبة جديدة

والآن، تعمّقت العلاقات بين فرنسا ومصر للغاية. تنظر فرنسا إلى مصر كشريك عسكري تتعامل معه في تهديدات التجارة من الجماعات الإرهابية بجانب أزمة الهجرة غير الشرعية عبر البحر المتوسّط. وفي حديث الرئيس الفرنسي «فرانسوا هولاند» في فبراير/شباط عام 2015 حول تحرك حكومته لبيع الأسلحة والطائرات العسكرية إلى القاهرة والتدريبات العسكرية المشتركة، قال: «أعتقد أنّه، وفق السياق الحالي، من الهام جدًا أن تكون مصر قادرة على تأمين استقرار المنطقة».

وكانت تلك هي أحدث الصفقات. ومنذ عام 2015، باعت باريس لمصر 4 فرقاطات من طراز جاويند بوزن 2500 طن ومرافقة بطول 335 قدم ومراكب دوريات. وتهدف هذه الإجراءات إلى منع الجهات الفاعلة غير الحكومية ومنها الجماعات الجهادية والمهربين من تحميل المهاجرين غير الشرعيين عبر البحر. وحصلت مصر أيضًا على سفينتي ميسترال ضدّ الاعتداءات البحرية. وسيتم تجهيزها بـ 50 من مروحيات كا-52 الروسية المقاتلة، والتي يمكنها إطلاق صواريخ موجّهة مضادّة للدبابات. وفي الوقت نفسه، ستحصل الترسانة البحرية المصرية على دعم نظام ساتل وهو نظام استطلاع فرنسي للمراقبة. وقد فتح الناتو ومصر قنوات اتّصال دبلوماسية للتنسيق بشأن الأزمة الليبية. ويبدو هذا طريقًا جديدًا لتبادل المعلومات حول ليبيا وأزمة الهجرة.

ومصر بالفعل هي أكبر مشتر للأسلحة الفرنسية، بما يقارب 8 مليار دولار سنويًا. وقد حصلت فرنسا على 5.9 مليار دولار أيضًا في صفقة بيع 25 طائرة رافال إلى مصر عام 2015. وفي أبريل/نيسان عام 2016، وقّعت مصر وفرنسا اتّفاقًا لبرنامج بقيمة 1.1 مليار دولار يشمل نظام اتّصالات عسكري بالقمر الصناعي.

وتتخطّى مساعدة فرنسا المعدّات. وقد أجرت البحرية المصرية مؤخّرًا تدريبين مع فرنسا، مناورات رمسيس 2016 في مارس/آذار، وتدريبات كليوباترا في يونيو/حزيران 2016. ووفقًا للدفاع الإسرائيلي، «شملت المناورات إطلاق الذخيرة الحية لصد وتدمير الأهداف السطحية والجوية المعادية وإجراءات التزود بالوقود ومهام الإمدادات. كما تمّ الإشراف على خروج الطلعات الجوية ليلًا لاستهداف الغواصات». وترى هذه المناورات كتكتيكات لمكافحة الإرهاب.

وبسبب هذه الاستثمارات، أصبحت مصر لاعبًا رئيسيًا في منطقة البحر المتوسّط. ووفقًا لمسؤول إسرائيلي سابق بارز في الأمن القومي، «البحرية المصرية هي الآن أقوى من أيّ وقتٍ مضى». وأصبحت مصر تمتلك واحدة من قوّات البحرية الأعلى تجهيزًا في المنطقة والعالم، مع أسطول مكون من 319 سفينة. ولوقتٍ طويل، كانت البحرية المصرية تعتمد على سفن قديمة من العهد السوفييتي؛ وتهدف صفقات الرئيس «عبد الفتاح السيسي» لتغيير كل ذلك.

لماذا تهتم فرنسا كثيرًا بجعل مصر أقوى؟ بوجود فرنسا على البحر المتوسّط كذلك، فهي لديها مخاوف من تزايد الإرهاب وأعداد المهاجرين إلى أوروبا عبر البحر. ونظرًا للاضطرابات التي تضرب غالبية الدول الأخرى في المنطقة، فإنّ القاهرة هي الدولة الوحيدة جنوب البحر المتوسّط القادرة على حراسة المنطقة وتأمين حدود أوروبا الجنوبية.

ويوجّه نفس المنطقة القوى الأوروبية الأخرى. وقد أجرت المملكة المتّحدة مع مصر مناورات مشتركة لمكافحة الإرهاب. وقال السفير البريطاني، «جون كاسون»، في زيارته لاحتفال التدريبات البحرية: «فتحت بريطانيا ومصر صفحةً جديدة في التاريخ المجيد والطويل لاثنين من أعظم القوّات البحرية». وشهدت المناسبة أوّل زيارة لسفينة بريطانية للإسكندرية خلال 8 أعوام نظرًا للاضطرابات التي ضربت مصر بعد ثورة 2011. أضاف السفير: «رغم الأحداث التي تتدفّق، تحتّم علينا مصالحنا المشتركة الشراكة الدائمة والمستمرة».

ألمانيا أيضا

وفي الوقت نفسه، كان هناك تركيز العام الماضي على الشراكة العسكرية مع برلين مع انضمام 4 غوّاصات ألمانية للأسطول المصري بالإسكندرية. وفي مارس/آذار، قامت المستشارة الألمانية «أنجيلا ميركل» بزيارتها الأولى لمصر منذ عام 2013. وفي مؤتمر صحفي مشترك مع «السيسي»، أقرّت بأنّه وصيّ أوروبا الرئيسي على حراسة جنوب البحر المتوسّط.

وبالنّسبة لألمانيا، فإنّ أزمة اللاجئين جوهرية. وتأمل برلين أن تتمكّن القاهرة من تعزيز الاتّفاق الأوروبي التركي الذي أغلق طريق البلقان أمام اللاجئين السوريين. ووفقًا لأحد المصادر المقرّبة من القاهرة، ترغب ألمانيا من مصر إعادة اللاجئين إلى الساحل الشرقي لليبيا تحت الحماية المصرية. وتشعر الأجهزة الأمنية المصرية بالقلق من ضرورة حماية اللاجئين في مصر وليبيا، وهو الأمر الذي منع «السيسي» من إنهاء الاتفاق مع ألمانيا.

ولكن حتّى الآن، مع عدم استطاعة (أو رغبة) ليبيا منع تدفّق اللاجئين الأفارقة إلى أوروبا، فإنّ الاتّحاد الأوروبي في حاجة إلى لاعبين آخرين بالمنطقة للقيام بواجب الحراسة في الجوار. ويسعى إلى دخول مصر، التي على الرغم من مشاكلها الاقتصادية والأمنية الداخلية، تملك جيشًا قويًا يقف على استعداد لمراقبة البحر مقابل أجرٍ مجزي. وبعد كارثة أودت بحياة 200 من مواطنيها، أصدرت القاهرة تشريعات صارمة ضدّ الهجرة غير الشرعية وشدّدت العقوبات ضدّ مشغلّي القوارب ومهربي المهاجرين.

وقال «السيسي» في المؤتمر الصحفي المشترك مع «ميركل»: «إذا استطعنا العثور على حل في ليبيا، يمكننا إرساء الاستقرار بشكلٍ أكبر في البحر المتوسّط والمنطقة، وسينعكس هذا على أمن أوروبا». وقال الرئيس أنّ مصر كانت تتطلّع للخيارات المتاحة للمساعدة في اتفاق اللاجئين قبل أن ينتهي بهم المطاف كضحايا في البحر المتوسّط.

وتعهّدت البلاد بالمزيد من تشديد الرقابة على التدفّق إلى الشمال عبر البحر. وسيساعد مصر ما حصلت عليه من سفن ونظام مراقبة بالقمر الاصطناعي. وسيساعدها ذلك أيضًا في التعامل مع الإرهاب الناشئ لـتنظيم الدولة جنوب المتوسّط. وفي عام 2014، استطاعت المجموعة إغراق فرقاطة بحرية مصرية في القاعدة البحرية بدمياط في البحر المتوسّط.

ومن المؤكّد أنّ لمثل هذه الصفقات سلبياتها. ومصر هي بالفعل أكبر مستورد للأسلحة عالميًا بين الدول النامية، ويقول منتقدو «السيسي» أنّ هذه الأسلحة هي لتخويف المعارضين في الداخل وليس من أجل اللاجئين أو الإرهاب. وكتب «ماجد مندور» من مؤسسة كارنيجي أنّ سفينتي الميسترال يمكنها بسهولة السيطرة على المدن الحيوية مثل الإسكندرية وبورسعيد والسويس، والأخيرة هي المدينة الأولى التي خرجت عن سيطرة النّظام عام 2011، بجانب الساحل الشمالي وقناة السويس.

لكنّ الأوروبيين أقلّ قلقًا. وقالت «ميركل» في المؤتمر الصحفي المشترك مع «السيسي»: «نحن سعداء لأنّ نظراءنا في مصر قد وافقوا على تخفيف القيود السياسية». كما أشادت باقتراب التوقيع على اتّفاقية شراكة بين الاتحاد الأوروبي ومصر والذي يهدف إلى تأطير وتكريس علاقة القاهرة بالمؤسسات الأوروبية. ووفقًا لتأكيدات الاتّحاد الأوروبي، يساهم الاتّحاد الأوروبي بما يقارب 75% من الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر. ويبقى الاتّحاد الأوروبي هو أهم وجهة للصادرات المصرية، حيث يستحوذ على 29.4% من الصادرات المصرية.

ويتطلّب تحويل مصر إلى قوّة رئيسية بدعم أهداف الاتّحاد الأوروبي في البحر المتوسّط المزيد من الاستثمارات الأوروبية في الاقتصاد المصري الضعيف، والمزيد من الصّفقات لتحديث وتنويع مصادر الأسلحة المصرية. لكنّ الإقدام على ذلك سيدفع بروكسل أيضًا لغضّ الطرف عن سجّل القاهرة في انتهاكات حقوق الإنسان وقمع المعارضة الليبرالية والإسلامية.

المصدر | فورين أفيرز

  كلمات مفتاحية

مصر السيسي أوروبا البحرية المصرية