استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

«أبوالفتوح» و«الإخوان الجدد».. العودة من بوابة المعتقل

الخميس 15 مارس 2018 05:03 ص

من أهم العناصر التي أدركها المشهد المصري الوطني مؤخراً؛ أن القيادي السابق بمصطلح التنظيم والحالي بمصطلح الفكر الإسلامي لمدرسة «الإخوان» «د.عبدالمنعم أبوالفتوح» عاد إلى مصر وهو يؤمن تماماً بأنه سيواجه الاعتقال.

وقد أعاد ذلك طرح شخصيته من جديد كنموذج للروح النضالية التي التحمت بالمشروع الوطني المصري، واختلف صاحبها مع التنظيم لا الأصل الفكري لـ«الإخوان» كتجربة تسعى للانتقال إلى فكر النهضة الحديث، والجمع بين الروح الإسلامية والمشروع المدني الوطني لمصر الجديدة.

عاد «أبوالفتوح«» لينضم إلى رفاقه في الحركة الإسلامية، وليجمعه السجن من جديد معهم، وبالذات مع «د.عصام العريان» و«د.محمد البلتاجي» من رفاق الفكر الذين بقيت عندهم تساؤلات ونزعة للتجديد والعبور بالمشروع الوطني، والإفادة من تجارب تركيا وماليزيا الحديثة.

لكن كان من الصعب أن يُبادر أي قيادي من مناضلي الفكر الجديد في «الإخوان» للإقدام على قرار يماثل ما اتخذه «عبدالله غل» و«رجب طيب أردوغان»، حين أعلنا الخروج والاستقلال عن القائد التاريخي للحركة الإسلامية في تركيا البروفيسور «نجم الدين أربكان».

هذه الروح القلقة المشبعة بوعظ الولاء للجماعة ومكتب الإرشاد فيها الذي يهيمن على رؤيتها الإستراتيجية، تسببت في أن تكون الانشقاقات في عدة دورات لا كتلة واحدة، ويجب ألا ننسى أن الإمام المجدد «محمد الغزالي» وبعض تلاميذه هم من قائمة المنشقين الذين صدر فيهم - من قيادة الحركة التنظيمية - قرار فصل وتحذير، ظلت مفاعيله قائمة فتراتٍ طويلة منذ بداية عهد المرشد «حسن الهضيبي».

هذا التردد والشعور النفسي الحاد أضعف قدرة الحركة الإسلامية على صناعة فكر العهد الجديد للدعوة والقُطر المصري، حيث كانت هذه الحالات التجديدية في حالة ضعف، يشن عليها مركز التنظيم التقليدي حملات شرسة، يستفيد منها النظام السياسي الحاكم بالاستبداد في أي بلد كان.

وذلك لكون الاستبداد يخشى أن يتحول هذا التجديد إلى قوة سياسية مدنية، حين فصل المشروع المدني الإسلامي -خاصة بالوطن المصري- عن هيمنة الإرشاديين، وتم فرزه عن إشكاليات الأبوية الدعوية والتنظيم العالمي، والتداخل الكبير بين الدعوة الحزبية والمنصة الوعظية، وبين متطلبات الفكر السياسي والعمراني، وهو التداخل الذي أضر بفكر الحركة وجسمها.

كان ينبغي أن تتجمع تلك الطاقات المميزة من الفكر والتخصص التي تحتويها الجماعة، وتتحول إلى مشروع وطني يعلن مبادرته الذاتية، ويفرض فصل الدعوي عن السياسي على الأرض، ويوحد فيه قوى التجديد منذ حركة شخصيات حزب الوسط المصري وحتى «د.عبدالمنعم أبوالفتوح»، وصولا للدفعة الجديدة التي فصلها «د.محمود حسين»، وكل معارضيه أو أنصار فكرة المشروع الوطني الجديد.

ولكن بدلاً من ذلك؛ تحولت إلى مجموعات إما يفتك بها النظام أو يحتوي بعضها، خاصة التي ضعفت أمام الضغوط الشرسة ومصالحها، أو التي واجهت حربا حزبية بعد الانشقاق، ففقدت الجماعة والمشروع المدني الإسلامي لمصر الوطنية الحديثة عنصر هذا التخصيص المهم، لحركة كفاح فكري وسياسي تبدأ بمباشرة التأسيس للعمل الإسلامي بقواعد التخصص السياسي لا المواعظ الحزبية.

ويؤكد ذلك الانقسام الأخير، الذي فصّله «د.عصام تليمة» ونشره في مقال جديد، كوارث الأزمة الحزبية لمجموعة القيادة التقليدية في مكتب الإرشاد، وهو ما يرتبط بواقع قضية رهائن الحركة الإسلامية من المرشد العام «د.محمد بديع» إلى شبابها الصغار، الذين بات النظام يتلذذ بتصفيتهم وقتلهم في السجون، وهو يُعد اليوم لتصفية جسدية للرئيس «د.محمد مرسي»، بعد رحلة إرهاق كبيرة استنزفت رموز الجماعة ومناضليها.

ولقد سطّر «الإخوان» من كِلا الطرفين المنسوبين للجماعة التقليدية أو لفكر الإخوان التجديدي تاريخاً نضالياً، وصبراً أمام آلة الحرب الإرهابية التابعة للنظام المصري في الأمن والإعلام والقضاء، لكن دون أن يكون هذا الكفاح والصبر والشهداء ضمن صناعة العهد الجديد للوطن المصري ككل، وللتجربة المدنية للحركة الإسلامية في مصر، فهي تضحيات ألمها مضاعف، فلا الشعب ولا المناضلون حققوا اختراقاً بها.

وساهم الدور الانفرادي الجديد لمن أخذ القرار في المقعد القيادي بمكتب الإرشاد، واستمرار غياب الديمقراطية الداخلية والشفافية النقدية؛ في تأزيم وضع هذه القيادات والمناضلين، حيث لا يوجد مشروع فكري مركزي جادّ يؤسس للمرحلة الجديدة، ولا توجد رؤية قوية واضحة لديها قدرة أو ضغط، ينتهي إلى أن يخضع النظام لتسويات حقوقية تؤمّن إطلاق هؤلاء الرهائن المحتجزين في سجون الاستبداد البشع الذي جُدد دعمه خليجيا.

ولذلك طَرحت عودة «د.عبدالمنعم أبوالفتوح» إلى واجهة المسرح الوطني والإسلامي معاً، أسئلةَ المستقبل السياسي الإستراتيجي للمشروع المصري المدني.

وقضية الشعور بتصفية الحسابات مع «أبوالفتوح»، وحالة التشفي أو الشماتة به التي يعيشها بعض أوساط «الإخوان» داخل تيار المؤسسة التقليدية، أو أنصارهم في منطقة الخليج والمشرق العربي؛ يصعب تحليلها سياسيا.

وذلك لكون دورات العداء للأنظمة يُفترض أنها محفزات للتحالف والتعاون حتى بين المختلفين فكريا، وليس فقط في المواقف السياسية التي أنتجت خطأ «د.أبوالفتوح» في 30 يونيو/حزيران 2013، بسبب أخطاء «الإخوان» في إدارة ملف ثورة 25 يناير/كانون الثاني، وفشلهم في العمل للسلامة من فخ الدولة العميقة، الذي لا يزال أبناء «الإخوان» وكل مصر تنزف بسببه.

فهذا النوع من التشفي هو خلل سلوكي ونقص أخلاقي وليس أزمة فهم سياسي فقط، وإجمالاً فإن سيطرة لغة مواقع التواصل والعواطف المحمومة -على حساب قراءات الفكر ونبض العقول- بات سمة غالبة في جمهور الحزبيات الإخوانية، رغم أنهم تحت مطاردة ظالمة وبشعة، لكن إدمان هذه اللغة لن يحل قضيتهم ولن يُنقذ مناضليهم.

إن الوضع الذي يتعرض له الرئيس «مرسي» وتحوله إلى قضية إنسانية بات يفرض أمراً واقعاً، والتمسك بعودته رئيساً أمر خاطئ في ظل الفشل الواسع في المعارضة المصرية، وفي أزمة غياب البديل الذي يشارك به «الإخوان» في مشروع وطني، وهو ما يطرح بقوة شخصية «د.أبوالفتوح» كشخصية كفاح مركزي وليس للعودة إلى سباق انتخابي.

فبلدوزر الإرهاب «عبدالفتاح السيسي» حصد بجنون كل بذرة لعمل سياسي أو مدني يمكن أن يتشكل عبره فكر وطني، وتحالف واسع يتحرك لمعارضة فاعلة تغير المشهد.

إن هناك ما يمكن أن يتحد عليه التحالف الإسلامي الوطني الجديد، ليكون «أبوالفتوح» و«عصام سلطان» و«محمد البلتاجي» رموزا لمستقبله الإستراتيجي، وهم اليوم رهن السجون وتتحد معهم نخبة خارجه من صفوف حركة التغيير الإخوانية المختلفين مع قيادة الحرس القديم، والتجديديون كالمهندس «أبوالعلا ماضي» وغيره، ومجموعات الشباب الثوري في حركة يناير، الذين تنحَّوا أو نحّتهم الآلة الحزبية.

ويعلَن تجمع مدني جديد يقرره الإخوان المستقلون ويحوي عدة تيارات، ممن خرجوا أو ابتعدوا عن الواجهة منذ أزمات وخلافات ما بعد الثورة، لتتكون لهذا المشروع قاعدة وأمانة عامة تُهيئ صناعته الفكرية، قبل أن تنضج ثمرته في مشروع سياسي واضح، يؤسس لمرحلة انكسار عهد «السيسي» أو الاستعداد لقرار الجيش القاضي بتغييره.

وهنا نقول إن للدكتور «أبوالفتوح» كاريزما خاصة، كشخصية تجتمع عليها قناعات عديدة من داخل الفكر الإسلامي وخارجه، في ظل أزمة الخوف والقلق من أي مرجعية إخوانية، وهو خوف استغله الانقلابيون وداعموهم.

وإن الدفع لرمزية «أبوالفتوح» اليوم واعتبار أن معركة النضال واحدة ستشكل قاعدة مهمة لإعادة التوازن للفكر الإسلامي، في سياق التنافس المشروع لتحقيق مشروع وطني مدني مقبول لكل شرائح الشعب المصري.

إن هذه المهمة ليست سهلة، وتحتاج أن يسبقها جهد وبنية فكرية تراجع إرث الأخطاء السياسية والحزبية، وتؤمن بأن قواعد اللعبة اليوم هي أن يؤمّن مشروع إنقاذ لمصر الدولة ومستقبل حريتها، وسيحتاج إلى زمن ليس قصيرا، ولا يتعارض مع هدنة مع النظام تكفل إخراج المضطهدين والرهائن، ومنح فرصة للشعب المصري كي يتنفس.

وهي رحلة ليست عابرة، لكنها مهمة وتحتاج إلى قناعة وخطة، وإيمان بأن السكوت عن الأخطاء -التي أضرت بالحركة في مصر- ليس احتسابا إيجابيا، بل يمثل الصبر السلبي الذي نهى الله عنه، للحاجة الكبرى لإدراك سنن التغيير في ظل هذه العوامل المعادية الضخمة، فتكون ضريبة الكفاح ودم وعرق الأحرار ممهدات لانتصار سياسي للحريات، وليس لتكرار مسيرة الجنائز وصوت النائحات.

* مهنا الحبيل مدير مكتب دراسات الشرق الإسلامي

المصدر | الجزيرة نت

  كلمات مفتاحية

مصر الإخوان الجدد عبد المنعم أبوالفتوح محمد البلتاجي محمود حسين ثورة يناير جماعة الإخوان السيسي محمد مرسي