الهند: حرية العبادة في خطر

الأحد 15 فبراير 2015 06:02 ص

تعتبر الهند من البلدان الغنية بتعددها الإثني والديني، حيث يضم المجتمع الهندي مختلف الديانات والملل، كما تتنوع فيه اللغات والألسن. وقد ظل الجميع منصهراً داخل المجتمع في حالة من التسامح والوئام لقرون طويلة. وللحفاظ على هذا الموروث الديني والثقافي المتنوع الذي تزخر به الهند ويشكل أحد مصادر غناها الحضاري. ولإبقاء مستويات عالية من التعايش والتسامح، أقر الآباء المؤسسون للهند مباشرة بعد نيل الاستقلال دستوراً يضمن حرية العبادة لجميع الأشخاص، بصرف النظر على الدين، وسمحوا للهنود كافة بممارسة طقوسهم بعيداً عن التضييق والتعصب.

لكن مخاوف بشأن الحرية الدينية طفت على السطح مؤخراً منذ أن تولى رئيس الحكومة، ناريندرا مودي، ومعه حزب «باهاراتيا جاناتا» السلطة في شهر مايو الماضي. فالتركيبة الدينية للهند موزعة بين 80 في المئة من الهندوس و15 في المئة تقريباً من المسلمين، فيما يشكل المسيحيون 2.3 في المئة من مجموع السكان البالغ عددهم مليار وربع المليار نسمة.

غير أن ما يثير القلق هي تلك الاضطرابات الأخيرة التي شهدتها بعض المناطق الهندية بين المسلمين والهندوس، بل انتقلت الاضطرابات لتستهدف المسيحيين بعد الهجمات الخمس التي طالت عدداً من الكنائس في الأسابيع القليلة الأخيرة. وفيما تقول الشرطة إن هذه الهجمات المتزامنة حدثت بالصدفة، تصر الجماعات المسيحية على أنها صنيعة التنظيمات الهندوسية المتطرفة التي تقف وراء تنفيذها. فقد اقتحم مجهولون، الأسبوع الماضي، كنيسة في قلب العاصمة نيودلهي وأقدموا على تدنيس أيقونات مقدسة داخلها. وفي ديسمبر من السنة المنصرمة تعرضت كنيسة أخرى لحريق ألحق بها ضرراً كبيراً، أدى إلى خروج الآلاف من المسيحيين في احتجاجات حاشدة.

والمشكلة أن تلك الأحداث غذّت الشعور بعدم الأمان لدى جميع الأقليات الدينية في الهند، لاسيما بعد الهجمات المتزايدة على المسيحيين والمسلمين على حد سواء والمحاولات التي يبذلها البعض «لإعادة إدخالهم» في الهندوسية، الأمر الذي يثير مخاوف محقة حول مستقبل حرية العبادة في البلاد، بل تزداد المخاوف خصوصاً في ظل العلاقة الموجودة بين حزب «باهاراتيا جاناتا» والمجموعات الهندوسية المتطرفة التي ساندت الحزب في الانتخابات الأخيرة وكانت جزءاً من الحملة التي أوصلته للسلطة. ويبدو أن هذه التنظيمات المتطرفة التي لم تكن ظاهرة على نحو صارخ في السابق باتت اليوم أكثر نشاطاً منذ صعود «باهاراتيا جاناتا» للسلطة.

ومن بين الانشغالات الأخرى التي طفت على السطح مؤخراً على خلفية التوتر الديني، تدخل بعض رموز تلك التنظيمات الهندوسية في المؤسسات التعليمية الخاصة بالأقليات في الهند، فمن بين الجامعات الثلاث المهمة في نيودلهي، خصصت إحداها للأقليات الدينية قبل أكثر من مائة عام، وهي تحظى باعتراف قانوني بوضعها الخاص.

لكن هذا الوضع الخاص للجامعة بدأ يتعرض للتضييق بعد الزيارات المتكررة التي قامت بها وزيرة التعليم، «سميرتي إيراني»، إلى مقر الجامعة، وهي المرة الثالثة التي تقوم بذلك خلال سبعة أشهر، مطالبةً بتغيير عدد من البرامج الأكاديمية، الأمر الذي أثار استياء الموظفين، فيما لم تقم بزيارة واحدة للجامعتين الأخريين.

ولعله من المآخذ الأساسية على حكومة مودي، أنها لا تتعامل بالجدية المطلوبة مع الهجمات التي تستهدف الأقليات، أو التدخلات غير الموفقة في شؤونهم، فالعديد منهم ما زال ينتظر من مودي عبارات الإدانة للحوادث المؤلمة التي سممت العلاقة بين الهندوس والمسلمين في السابق، أو المحاولات الجارية للضغط على الأقليات للتخلي عن دينها واعتناق الهندوسية، لدرجة أن العديد من المنتسبين للأقليات الدينية باتوا يخشون على أنفسهم. فإذا كانت الهجمات تحدث تحت أنظار السلطة وسط العاصمة، فما بالك بمصير الأقليات في الولايات البعيدة.

وطبعاً تمثل هذه التوترات الطائفية والدينية داخل المجتمع الهندي تطوراً مقلقاً بالنسبة للبلد، فالهند لا تستطيع التسامح مع حوادث تضرب في الصميم نسيج المجتمع وتنال من تقليد العلمانية الراسخ، هذا ناهيك عن تضرر سمعة مودي نفسه بالصراعات الدينية. فقد جاء وحزبه إلى السلطة رافعين شعار تطوير الاقتصاد وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين، لكن في حال تصاعد التوتر الاجتماعي فلربما يؤدي ذلك إلى تراجع شعبيته وأفول نجمه السياسي. ما لم يسارع للجم تجاوزات التنظيمات الهندوسية المتطرفة، فالهند في المحصلة النهائية بلد متنوع دينياً وثقافياً ومتعدد لغوياً وسياسياً. كما أن الدافع الأساسي لمن صوت على مودي وحكومته وأوصله إلى السلطة كان إصلاح الوضع الاقتصادي وتحقيق الازدهار وليس الدفع بأجندات دينية خاصة وضيقة وزرع الشقاق والفتنة في المجتمع.

المصدر | د. ذكر الرحمن | الاتحاد الظبيانية

  كلمات مفتاحية

الهند انتهاك حرية العبادة التعصب الهندوسي حكومة مودي التوترات الطائفية المساجد الكنائيس