تحليل من الصحافة العبرية: الصداع الذي تركه غانتس لآيزنكوت

الاثنين 16 فبراير 2015 04:02 ص

كانت الحرب مع حماس في قطاع غزة، التي تصرّ الدولة لأسباب اقتصادية، على تسميتها «عملية الجرف الصامد»، الحدث المبلور لولاية رئيس الأركان المنصرف بني غانتس. بعد نصف عام من نهايتها، يسلم غانتس المنصب لخليفته، غادي آيزنكوت.

بنظرة إلى الوراء، فإن أساس فخر الطرفين في نهاية الحرب التي انزلقا إليها صدفة هو ما منعا الخصم من تحقيقه. حماس تتفاخر بنجاحها في الصمود 50 يوماً لم تستسلم فيها لأقوى جيش في الشرق الأوسط. وإسرائيل تقول: حماس زحفت لوقف نار تحقق في القاهرة، من دون تسجيل أي نجاح عدا إظهار الصمود. من كل مطالبها، المطار والميناء وتحرير الأسرى في الضفة وسواها، لم تنل شيئاً. بل إن الحصار الاقتصادي على غزة استمر في ظل الإصرار المصري.

وقد تمسك غانتس بالخط الذي تبناه الجيش الإسرائيلي فور انتهاء القتال كدرس مباشر من الحرب السابقة، ضد حزب الله العام 2006. في ذلك الصيف البائس عذّب الجيش الإسرائيلي نفسه على أدائه الفاشل في لبنان – وبذلك رسخ الرأي السلبي للجمهور (الذي تغذّى على إحباطات رجال الاحتياط) كما ساعد الساسة في إلقاء قسم كبير عليه من ذنب النتائج المحبطة. هذه المرة خرج الجيش مصراً على حماية خطابه: إذا أصررنا على تكرار أننا انتصرنا، فسوف يتقبّلون ذلك.

ورغم ذلك فإن هذا الدرس يثير تساؤلات.

ألا تكتفي إسرائيل بوضع سقف متدنٍّ جداً للجيش الإسرائيلي الذي جابه في غزة خصماً أضعف من حزب الله 2006؟

هل القدرات التي أظهرها في غزة تكفي أيضاً لمواجهة أخرى مع حزب الله، يمكن أن تنشب في السنوات القريبة من دون أن يريدها الطرفان؟

هل يكفي ما تحقق في غزة من أجل إبعاد بدء جولة القتال المقبلة أطول فترة؟ وهل تسمح إسرائيل لنفسها بحرب 50 يوماً في عهد تنشب فيه جولة قتال في إحدى الجبهات مرة كل عامين أو ثلاثة؟

لقد كان غانتس شريكاً كاملاً ومركزياً في إدارة مسؤولة ومتزنة للحرب، سوياً مع رئيس الحكومة ووزير الدفاع. وتجنبت القيادة طوال المعركة التورط ولم تخطئ في التوهم باحتلال طويل وباهظ التكلفة للقطاع أو إسقاط حكم حماس (حيث البديل هو الفوضى وصعود أمثال داعش).

والجيش محقّ في ادعائه بالنجاح أخيراً في المهمة التي وضعها المستوى السياسي، تدمير 32 نفقاً هجومياً، والانتشار الفعال لبطاريات القبة الحديدية قلّص الخسائر بين المدنيين إلى الحد الأدنى. ونشأ هنا مثلث إشكالي، لجيش قليل الرضا عن نفسه، وإعلام يفرط في المديح وجمهور لا مبالٍ. وهنا قد تكمن بذرة الشر في المرة المقبلة.

شرق أوسط جديد
عندما ودّع غانتس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، قال شاؤول موفاز إن المرحلة كانت صعبة عليه كرئيس للأركان. فقد عمل في أربع سنوات ولايته مع ثلاثة رؤساء حكومات وأربعة وزراء دفاع في حين عمل غانتس مع رئيس حكومة واحد ووزيري دفاع. رد غانتس: «صحيح، ولكن كم مرة تغير الحكم في عهدك في مصر؟». في عهد غانتس جرى ذلك أربع مرات، من دون ذكر الحرب الأهلية في سوريا أو انعدام الاستقرار في معظم الدول المجاورة. 

كانت الهزة في العالم العربي الظاهرة الأبرز الثانية المؤثرة على ولاية رئيس الأركان المنصرف. فالشرق الأوسط، كما عرفناه، عندما تولى غانتس المنصب، في شباط 2011، لم يعد قائماً. وآثار ذلك على وضع إسرائيل الاستراتيجي بعيدة المدى. والخطر العسكري التقليدي عليها شبه انتهى، مع تآكل الجيش السوري في أربع سنوات حربه هناك.

في كل الحدود تحدث تغييرات بوتيرة استثنائية. وعدد «اللاعبين» الإقليميين، منظمات الإرهاب الواجب تحليل نياتها تضاعف. وحذرت شعبة الاستخبارات أنه في ولاية خليفته هناك خطر صدام في إحدى الجبهات، يمكن أن ينزلق لجبهات أخرى.

ويمكن للحدود اللبنانية أن تشتعل وتجرّ معها الجبهة السورية، كما تتراكم في غزة والضفة توترات ويمكن أن يتم التوقيع على اتفاق إشكالي مع الدول الغربية في الشأن النووي الإيراني يغيّر الواقع الإقليمي. من ناحية آيزنكوت، هذه الأخطار تنذر بصداع رأس وصداع.

في ضوء الواقع الجديد، بادر غانتس لانتشار عملياتي مناسب في الشمال، أنشئت في نطاقه في الجولان قيادة فرقة متخصصة في حماية الحدود وبُني جدار حدودي جديد. وأدير بحذر الأمن الجاري هناك بنية تجنب التورط. وبشكل سري لم تتوقف الأعمال خلف الحدود، حيث تم إحباط تسليح منظمات الإرهاب بأسلحة نوعية. البند الأخير، خصوصاً، منح غانتس تقديراً عالياً لدى المستوى السياسي، على الأداء المتّزن، الاستعداد للمجازفة والنتائج المذهلة.

لكن التركيز على النشاط الناجح لسلاح الجو أبرز المصاعب في عمل الوحدات البرية، الذي تجلى في حرب غزة وقسم من الحوادث الحدودية. في هذه الأحداث ظهر الجيش الإسرائيلي كجيش غير متطوّر. وكان صعباً فهم كيفية الربط بين قادة جيدين وجنود شجعان ونتائج متوسطة أحياناً. وليس أن الجيش يعرف بالضرورة أنه كذلك، في مقابلة مع موقع «والا» تفاخر قائد وحدة خاصة بأن أنفاق الإرهاب ستغدو في الجولة المقبلة «مقابر للمخربين». استبدلوا كلمة «مخربين» بـ «صهاينة» تحصلون على نص اعتيادي من ناطقين ملثمين بلسان حماس.

الأخت المظلومة

وغانتس أول رئيس أركان في العقد الأخير يترك منصبه من دون مرارات بارزة. أسلافه الثلاثة تركوا في عاصفة: يعلون بسبب مواجهة مع موفاز وأرييل شارون اللذين قلّصا ولايته سنة، دان حلوتس بسبب حرب لبنان الثانية وغادي أشكنازي بسبب وثيقة هرباز والصدام مع باراك. في حديث مع طلاب دورة ضباط قال غانتس إنه رأى «مجالس وزارية مغلقة بشكل أو آخر»، لكنه كان يقصد انتقادات أفيغدور ليبرمان ونفتالي بينت لأداء الجيش في غزة، وهو أقصى ما سمح لنفسه به.

عدا ذلك حافظ غانتس على صورة جنتلمان وعلاقات جيدة مع المستوى السياسي. هذا ليس إنجازاً لا بأس به، خصوصاً بالنظر للدور الحيوي لرئيس الأركان المنصرف في كبح أفكار مثل مهاجمة إيران قبل أكثر من عامين. فلطافته تركت أثراً على الجيش. لم يكن مغروراً كبعض أسلافه، وأعاد للجيش ثقافة النقاش المفتوح والجوهري. 

والمشكلة الأصعب التي تركها غانتس لخليفته تتعلق بوضع الذراع البري. الإخفاق في حرب 2006 كان يفترض أن يشكل نقطة تحوّل. أشكنازي تولى المنصب مع إجماع نادر بشأن قدراته ورصيد غير محدود لتنفيذ التغييرات. في العامين الأوّلين لولايته فعل الكثير من الأمور المطلوبة، خصوصاً إعادة الجيش للتدريبات. لكن في النصف الثاني انشغل بالمواجهة مع باراك ومشاكل أخرى والثورة التي تطلع الجيش إليها توقفت.غانتس لم يفلح في وقف التراجع.

حينما بحث الجيش التوزيع الداخلي للموارد، بقيت القوات البرية الأخت المظلومة لسلاح الجو، الاستخبارات ومنظومة السايبر المتطورة. وكشف تقرير فتاك لمراقب الدولة قبل شهر المستوى المتدني لتدريبات وحدات الاحتياط. الوضع في الوحدات النظامية ليس أفضل.

الجنود الذين يقضون ثمانية أشهر في العام في نشاطات داخل المناطق أو على الحدود لا يتدربون كفاية وينضمّون للقوات الاحتياطية وأهليتهم متدنية. وثمة فجوة كبيرة بين القدرات الحالية للقوات البرية والمتطلبات المتنوعة جداً التي يفرضها الواقع الإقليمي. قسم منها تحقق في غزة في الصعوبة التي واجهها الجيش مع تدمير الأنفاق.

وفجوة مقلقة أخرى تتعلق بوسائل القتال، من كل الأنواع. ليس سراً أن إسرائيل استخدمت كمية هائلة من الذخائر، خصوصاً الدقيقة، أثناء الحرب على غزة، أكثر من الحسابات الأصلية للجيش. وإذا وقعت في حرب مع حزب الله، فسيحتاج الجيش لذخائر دقيقة أكثر.

والنقص سيعوّض بقذائف أقل دقة، يقود استخدامها إلى ضحايا مدنيين أكثر لدى العدو. وقد أظهرت غزة تعلّق إسرائيل بالمساعدات الأميركية وقت الحرب. وعندما ماطلت إدارة أوباما قصداً، افتقر الجيش لصواريخ «هيلفاير». إصرار رئيس الحكومة على المواجهة السياسية مع الرئيس قد تدهور العلاقات أيضاً في هذا المجال. 

وعدو إسرائيل يتغير لكن الجيش لا يزال يبحث عن ردّ مناسب. فهل سيكون آيزنكوت رئيس أركان استمرار أم تغيير؟ لا ريب في أنه يفهم المصاعب، والواقع الاجتماعي والسياسي الذي فيه الجمهور أقل تحملاً لأعباء ميزانية عسكرية هائلة. والكثير سيتعلق بمنظومة العلاقات بينه وبين وزير الدفاع بعد الانتخابات.

ولآيزنكوت عمود فقري، فهو ليس من نوع رؤساء الأركان الذين سيسمحون لوزير أو للحكومة بإدارته. نقطة ضعفه المحتملة خلاف ذلك. منطقة ارتياح آيزنكوت هي في العمل داخل الجيش. يبدو أنه سيضطر لإجبار نفسه للتواصل مع الجمهور، رغم عدم توقه لذلك. في هذا المجال ستواجهه تحديات لا بأس بها، من تغيير نمط الخدمة الدائمة، مروراً بصيانة الحافز في الوحدات النظامية والاحتياطية وصولاً لتجنيد الحريديم.

لكن أشد من ذلك ستتميز بداية ولاية رئيس الأركان الجديد بخطر نشوب حرب وحاجته إلى إنهائها بنتائج إيجابية، من دون الانجرار إلى مواجهة في كل الجبهات. في نهاية الشهر الفائت وبسبب عدم توليه المنصب يمكن التقدير أنه لم يكن جزءاً من سلسلة صنّاع القرار، كان أن يكتشف أنهم أخذوه إلى جولة قتال في الشمال.

مثل غانتس يدرك آيزنكوت حدود القوة العسكرية. أحد الكتب المفضلة لديه هو: قرارات مصيرية» ليهوشفاط هركابي رئيس شعبة الاستخبارات الأسبق الذي تعلم آيزنكوت منه أن قانون الآثار غير المتوقعة قد يكون أشد فتكاً على الدول الصغيرة الواقعة في محيط معادٍ. هامش الخطأ لدى إسرائيل، وفق هركابي، أضيق بكثير مما لدى الدول الأخرى. 

 

المصدر | هآرتس العبرية | ترجمة المصدر السياسي

  كلمات مفتاحية

إسرائيل رئاسة الأركان بيني غانتس أيزنكوت