استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

العبث بالقانون في بر مصر

الثلاثاء 17 أبريل 2018 03:04 ص

لا تتوقف السلطوية الحاكمة في مصر عن توظيف الأداة التشريعية لاستتباع مؤسسات الدولة وإحكام السيطرة عليها. والأمثلة على ذلك كثيرة.

يرتبط المثال الأول بالقانون رقم 136 لسنة 2014 بشأن «تأمين وحماية المنشآت العامة والحيوية»، وبمقتضاه حدث توسع غير مسبوق في دور القضاء العسكري على حساب القضاء المدني وكذلك في إحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية.

ينص القانون في مادته الأولى على أن «تتولى القوات المسلحة معاونة أجهزة الشرطة والتنسيق الكامل معها في تأمين وحماية المنشآت العامة والحيوية بما في ذلك محطات وشبكات أبراج الكهرباء وخطوط الغاز وحقول البترول وخطوط السكك الحديدية وشبكات الطرق والكباري وغيرها من المنشآت والمرافق والممتلكات العامة وما يدخل في حكمها».

ثم يؤسس على تكليف القوات المسلحة بمهمة «معاونة» الشرطة اعتبار «هذه المنشآت في حكم المنشآت العسكرية طوال فترة التأمين والحماية» (المادة الأولى) وإدماج «الجرائم» التي تقع عليها في اختصاص القضاء العسكري وإلزام النيابة العامة بإحالة «القضايا المتعلقة بهذه الجرائم إلى النيابة العسكرية المختصة» (المادة الثانية).

جوهر القانون رقم 136 لسنة 2014 هو التوسع دون ضوابط موضوعية في وضع المنشآت والمرافق والممتلكات العامة التي تكلف القوات المسلحة «بتأمينها وحمايتها» تحت ولاية القضاء العسكري، ومن ثم اصطناع «حالة طوارئ دائمة» تعصف عملا بحق المواطن في التجمع السلمي وحرية التعبير العلني عن الرأي من خلال التهديد المستمر باعتبار ممارسات سلمية كالتجمهر والتظاهر والاعتصام والاحتجاج جرائم تستدعي الإحالة إلى المحاكم العسكرية والخلط بينها وبين جرائم العنف واستخدام القوة المسلحة.

جوهر القانون رقم 136 لسنة 2014 هو تهميش القضاء المدني في مقابل تمكين القضاء العسكري من نظر ممارسات وقضايا المدنيين (وبالتبعية ممارسات وقضايا الكيانات التي تدافع عن حقوقهم وحرياتهم مثل النقابات والجمعيات الأهلية والمنظمات الحقوقية والأحزاب السياسية) على نحو يقلب بنية مرفق القضاء رأسا على عقب.

في 11 حزيران/يونيو 2015 أصدر رئيس الجمهورية القانون رقم 89 لسنة 2015، قانون الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية «بشأن حالات إعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من مناصبهم» كقرار رئاسي بقانون ثم صدق عليه مجلس النواب في دور انعقاده الأول في كانون الثاني/يناير 2016.

انتزع رئيس الجمهورية بمقتضى هذا القانون صلاحية عزل رؤساء الهيئات الرقابية والأجهزة المستقلة وقتما يشاء. القانون الذي يسري على الجهاز المركزي للمحاسبات والبنك المركزي وهيئة الرقابة الإدارية والهيئة العامة للرقابة المالية، استُخدم للمرة الأولى في 28 آذار/مارس 2016 لعزل الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات المستشار هشام جنينة بعد صراع علني بينه وبين رئاسة الجمهورية.

القانون رقم 89 لسنة 2015 هو وسيلة طيعة للغاية في يد رئيس الجمهورية للتدخل في أعمال الهيئات الرقابية والأجهزة المستقلة وإخضاعها لإرادته، على الرغم من النص الدستوري الصريح بشأن وجوب خضوع السلطة التنفيذية لرقابة تلك الهيئات والأجهزة وليس العكس.

المراقب لتوظيف السلطوية المصرية للأداة التشريعية سرعان ما سيكتشف أيضا أن أمر العبث بالهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية شأنه شأن العصف باستقلال القضاء من خلال إصدار قوانين معيبة يأتي من جهة في سياق التنصل الممنهج من مبدأ الفصل بين السلطات الذي ينص عليه الدستور في مادته الخامسة:

(«يقوم النظام السياسي في مصر على أساس التعددية السياسية والحزبية، والتداول السلمي للسلطة، والفصل بين السلطات والتوازن بينها، وتلازم المسؤولية مع السلطة، واحترام حقوق الإنسان وحرياته»).

ومن جهة أخرى في سياق توظيف القوانين لإعادة صياغة علاقات القوة داخل بنى الدولة المصرية بحيث تميل بالكامل باتجاه رئاسة الجمهورية والسلطة التنفيذية والمؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية والاستخباراتية النافذة وتضعف المكون المدني في مرافق حيوية كالقضاء.

مثال أخير على ذلك يقدمه قانون الهيئات القضائية، القانون رقم 13 لسنة 2017 الذي صدر وصدق عليه في ربيع 2017. وبمقتضاه، عدلت قوانين هيئة النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة والسلطة القضائية ومجلس الدولة على نحو يرتب تغول رئيس الجمهورية على مرفق القضاء الذي يصير تعيين القائمين على هيئاته المختلفة صلاحية من بين الصلاحيات الرئاسية العديدة.

ينص القانون على أن تقوم المجالس العليا للهيئات القضائية بترشيح 3 من بين أقدم 7 نواب لرؤساء الهيئات الذين شارفوا على مغادرة مواقعهم، على أن ترسل هذه الترشيحات لرئيس الجمهورية لينتقي من بينهم من يعينهم كرؤساء جدد.

هنا تصير السلطة التنفيذية ممثلة في رأسها الفاعل الأهم في تحديد هوية رؤساء الهيئات القضائية، ويصبح بالتبعية أمر تعيينهم مجالا لبسط نفوذ رئيس الجمهورية ومعه المؤسسات العسكرية والأمنية والاستخباراتية التي تؤثر في قراراته.

٭ د. عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية وباحث بجامعة ستانفورد الأميركية.

  كلمات مفتاحية

مصر السلطوية الهيئات القضائية القضاء العسكري الأداة التشريعية