«لا تلتصق بالجسد»، «ألوانها تناسب مناخ المملكة»، «تظهر ولاء مرتديتها لأحد الفرق الرياضية».. إنها العباءات الملونة التي تزايد ظهورها مؤخرا في السعودية، ودفع الإقبال عليها مصممات أزياء سعوديات لزيادة الاهتمام بها للاستفادة من الشعبية المتزايدة للعباءات النسائية الرياضية في المملكة، عبر تقديم تصاميم بألوان زاهية، تحل محل العباءات السوداء التقليدية.

وظهرت تلك العباءات مؤخرا بشكل لافت في صور لرياضيات سعوديات يركضن بعباءات ملونة الشهر الماضي في مدينة جدة المطلة على البحر الأحمر، وهو ما أثار تفاعلا معها على مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيد ومعارض.

وما بين تشجيع الفرق الكروية، إلى ممارسة الرياضة بحرية، وانتهاء بالتخلي عن اللون الأسود التقليدي أو لبس ألوان على الموضة تتناسب مع درجة حرارة المملكة، تتنوع أغراض ومآرب السعوديات من وراء ارتداء العباءات الملونة.

وبينما وصف البعض هذه العباءات بأنها خروج عن التقاليد التي تنص على ارتداء المرأة عباءات سوداء اللون، رأى آخرون أنها تشكل دليلا على مزيد من الانفتاح الذي تشهده المملكة المحافظة.

تناسب الحرارة الحارقة

وفي مشغل في جدة، تقدم مصممة الأزياء «إيمان أسعد جوهرجي» مجموعة من العباءات بألوان مثل الأبيض والأخضر والبيج، معتبرة أن هذه الألوان تتناسب أكثر مع الحرارة الحارقة في المملكة.

وتقول المصممة إنها تصنع هذه العباءات باستخدام «أقمشة طبيعية لا تلتصق بالجسد المتعرق»، مثل «البوبلين الفرنسي».

وتضيف «إيمان» (43 عاما) «ثمة طلبا كبيرا» على هذه العباءات، مشيرة إلى أن توافرها بألوان مختلفة «يمنح (النساء) شعورا بالقوة»، وفقا لما نقلته وكالة «فرانس برس».

وتغطي العباءات الرياضية جسم السيدات بالكامل، لكنها توفر لهن حرية تحرك كافية خلال ممارسة الرياضة، خلافا للعباءة التقليدية الفضفاضة.

وتؤكد المصممة التي بدأت بتصميم هذه العباءات وارتدائها علنا منذ العام 2007، «صممتها لنفسي لأنها عملية» لكني «تعرضت للسخرية في البداية، ووصفت أيضا بأنها تشبه «باتمان» (الرجل الوطواط).

إباحة شرعية

وكان المدير العام لفرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مدينة مكة سابقا، الشيخ «أحمد بن قاسم الغامدي»، قد أكد لقناة «العربية» أن الأسود ليس اللون الوحيد المقبول للعباءات في الإسلام.

وأضاف: «المقصود بالعباءة أن تكون المرأة محتشمة ولا يشترط أن تكون سوداء»، مستدركا: «ولكن هذا لا يعني تقبل الجميع لهذه العباءات الجديدة».

وتطور شكل العباءات مع تصاميم جديدة وأقمشة مختلفة ومزينة، وتعد أحدث الصيحات حاليا في عالم العباءات في السعودية، هي «عباءات كرة القدم» التي تأتي في ألوان نوادي كرة القدم المحلية، وهي طريقة جديدة لمشجعات النوادي المحلية، لإظهار ولائهن للفريق.

وفي إطار الإصلاحات، التي يقودها ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان»، نظم سباق ماراثون للنساء للمرة الأولى الشهر الماضي، وتزامنت هذه الفعاليات مع خطوات أخرى تعبر عن انفتاح اجتماعي متسارع في المملكة.

فقد شاركت أربع سيدات سعوديات في أولمبياد ريو العام 2016، بعد مشاركة سابقة لسيدتين في أولمبياد لندن في 2012 للمرة الأولى في تاريخ المملكة.

وفي العام 2016، عُيّنت الأميرة «ريمة بنت بندر» رئيسة للإدارة النسائية للهيئة العامة للرياضة في المملكة.

وتسعى السعودية أيضا إلى فرض حصص التربية البدنية على الفتيات بعد إلغاء الحظر عليها العام 2014.

الأسود ليس ملزما

وفي مقابلة مع شبكة «سي بي إس» التلفزيونية الأمريكية، قال ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان» إن ارتداء عباءة سوداء ليس ملزما للمرأة السعودية، بقدر التزامها الحشمة، مؤكدا ان الخيار هو للمرأة في نوع اللباس المحتشم الذي ترغب بارتدائه.

في المقابل، هاجمت إحدى التغريدات صور السعوديات وهن يرتدين عباءات رياضية «احسبهم عمال نظافة»، بينما ورد في أخرى: «الهدف ليس الرياضة، الهدف التخلي عن العباءة!!. كلنا نمشي ونجري في جدة بكامل حشمتنا وعباءتنا».

ولكن هذا لا يردع نساء مثل «مروى الهادي»، وهي إحدى زبائن المصممة جوهرجي في جدة، من ارتداء هذه العباءات، قائلة إن «العباءة مثل الساري الهندي، جزء من هويتنا».

وارتدت «مروى» عباءة من تصميم «إيمان» مع حذاء رياضي أرجواني اللون، وعلقت على ذلك بقولها: «لا يمكن لأحد أن يعلق على ما أرتديه».

ويقود ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان»، حملة «إصلاحات قانونية» وتغيّرات ثقافية هي الأكبر في تاريخ السعودية، وتشمل هذه الإصلاحات التي باشرها قرار السماح للمرأة بقيادة السيارة اعتبارا من يونيو/حزيران، وحضور مباريات كرة القدم وتولي وظائف كانت في السابق حكرا على الرجال.

وتندرج هذه التغيّرات في خطة «رؤية 2030» التي تهدف إلى جذب الاستثمارات الخارجية وتنويع الاقتصاد لوقف الاعتماد على النفط، لكنها تقابل بمعارضة محافظين يرون فيها تخليا عن عادات وتقاليد المملكة، كما يلفت آخرون النظر إلى أن تسارع التغييرات أكبر من أن يحتمله المجتمع.