من تونس إلى الفلبين وماليزيا.. «الموساد» يستهدف «خبرات حماس النوعية»

السبت 21 أبريل 2018 03:04 ص

تونسي وعراقي وفلسطيني.. 3 كوادر تمت ملاحقتهم بشكل مجهول والتخلص من اثنين منهم والقبض على الثالث وترحيله، ما سبق ملخص سريع لاستراتيجية (قديمة جديدة) بات من الواضح أنها إسرائيلية، القديم هنا هو أنه تم استخدامها أكثر من مرة بحق علماء عرب حاولوا التعاون مع خصوم (إسرائيل) والذين كانوا حينها دولا وأنظمة عربية.

أما الجديد هذه الأيام، فهو أن (الأهداف) التي تلاحقها العيون الإسرائيلية متهمة بالتعاون مع المقاومة الفلسطينية، وهو تطور له دلالته، فالمعادلة بين المقاومة و(إسرائيل) يبدو أنها تطورت، فالأولى باتت تستخدم أساليب متطورة للإيلام، اضطرت الأخيرة معها إلى محاولة مجابهتها استخباراتيا (على طريقة الكبار).

«فادي البطش»

فجر السبت 21 أبريل/نيسان، أقدم مسلحان مجهولان يستقلان دراجة نارية على اغتيال الأكاديمي الفلسطيني «فادي البطش» بنحو 10 رصاصات، أثناء توجهه لصلاة الفجر، في منطقة سكنه بالعاصمة الماليزية كوالالمبور، والتي يقيم بها منذ سنوات بعد حصوله على الدكتوراه من جامعة «مالايا» الماليزية، ومنحة حكومية هناك.

بعد اغتياله بساعات، نشرت القناة العبرية العاشرة خبرا على موقعها الإلكتروني بعنوان «اغتيال مهندس حماس في ماليزيا»، وهو الأمر الذي تزامن مع اتهام عائلة «البطش» في غزة، للموساد الإسرائيلي بتنفيذ العملية.

نعي حركة «حماس» لـ«البطش» كانت له دلالة، حيث وصفته بـ«ابن من أبنائها البررة وفارس من فرسانها وعالم من علماء فلسطين الشباب».

من جهته، تفاعل الإعلام الإسرائيلي بوضوح مع الحادث، حيث وصفت القناة العبرية الثانية «البطش» بأنه «مهندس كهربائي وخبير في الطائرات من دون طيار في ماليزيا».

ولفتت إلى أنه «تردد لدى الأوساط الإسرائيلية في الآونة الأخيرة، أن ماليزيا تسمح بتجنيد وتدريب ناشطي حماس على أراضيها».

وذهبت القناة إلى أبعد من ذلك، حينما زعمت أن «ناشطين من قوة خاصة لحماس تدربوا في ماليزيا على الطيران بالمظلات، استعدادا لتنفيذ هجوم في إسرائيل».

تعاطي الإعلام الإسرائيلي مع اغتيال «البطش» بدا وكأنه إعلان غير مباشر من الموساد الإسرائيلي بمسؤوليته عن العملية، وهو ما قد يشير إلى توجه في (تل أبيب) بتصعيد التحدي وإبراز القوة، استثمارا لحالة التقارب العربي مع (إسرائيل) والتباعد مع المقاومة الفلسطينية، بل واتهام حركة «حماس» بالإرهاب.

«طه الجبوري»

واقعة اغتيال «البطش» سبقتها بنحو 3 أشهر، عملية اعتقال في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، حيث ألقت الفلبين القبض على عالم عراقي يدعى «طه محمد الجبوري»، قالت مانيلا إنه «عالم ينتمي إلى حركة حماس، وساعدها في إطلاق الصواريخ على إسرائيل».

وقال، حينها، المتحدث باسم شرطة مانيلا «دونالد ديلا روزا»، في مؤتمر صحفي، إن «الجبوري» أقر بانتمائه لحركة «حماس»، مبينا أنه «عالم كيميائي ومهمته تطوير التكنولوجيا الصاروخية التي تعتمدها الحركة في إطلاق الصواريخ من مناطقها باتجاه الجانب الإسرائيلي».

لكن، وبحسب ما ذكرت وكالة «قدس برس»، كشف مصدر مقرب من حركة «حماس»، أن الموساد الإسرائيلي شارك في عملية الاستدراج والتحقيق مع عالم كيمياء عراقي اعتقل في الفلبين؛ بتهمة تقديم الدعم لـ«حماس» والمقاومة الفلسطينية.

وأكد المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن العالم العراقي الذي أعلنت السلطات الفلبينية عن توقيفه تمهيدا لترحيله من أراضيها قد اختفت آثاره بشكل مفاجئ منذ بضعة أشهر، ودون أسباب واضحة.

وأضاف أن الحركة اكتشفت لاحقا أن الموساد استدرج العالم العراقي من خلال أشخاص يتخذون من شركات أوروبية وآسيوية واجهات لعملهم الاستخباري.

وأوضح المصدر أن الموساد، الذي يكثف أعمال مراقبته لجميع العلماء العرب والمسلمين في مجالات العلوم والتكنولوجيا، رصد أنشطة العالم العراقي «الجبوري»؛ على خلفية تعامله مع شركات عربية وأجنبية في مجال تطوير أنظمتها التكنولوجية؛ ذلك أن بعض هذه الشركات تقيم علاقات مع أشخاص محسوبين على حركة «حماس»، وفق تصريحاته.

خطة للاستدراج

وبين أن شكوك الموساد بعمل العالم العراقي لصالح المقاومة الفلسطينية، دفع الجهاز الإسرائيلي إلى إعداد خطة محكمة لاستدراج «الجبوري» إلى مانيلا، تحت ستار إحدى الشركات الوهمية، بالتنسيق والتعاون مع الأجهزة الأمنية الفلبينية، التي تقيم علاقات وثيقة مع الاستخبارات الإسرائيلية، على حد قوله.

وأشار إلى أن «الجبوري» خضع في الفلبين لعملية تحقيق من قبل ضباط إسرائيليين، دامت أشهرا عديدة، وانتهت بإعلان سلطات البلاد توقيفه وترحيله عن أراضيها إلى العراق، على خلفية «انتهاء مدة تأشيرته وإقامته في البلاد بصورة غير شرعية»، بحسب ما أعلنت عنه الشرطة الفلبينية.

«محمد الزواري»

وفي 15 ديسمبر/كانون الأول 2016، استقرت 8 رصاصات في جسد ورأس أكاديمي وعالم تونسي يدعى «محمد الزواري»، تم إطلاقها بواسطة مجهولين عليه من مسدس كاتم للصوت، وهو في سيارته أمام منزله بمنطقة العين في محافظة صفاقس بتونس.

و«محمد الزواري» هو طيار سابق في الخطوط الجوية التونسية، كان مقيما في سوريا، وعاش في منزل والده برفقة زوجته السورية، وكان من المعارضين، وعاد إلى تونس بعد الثورة.

وفي حين طالب حزب حركة النهضة السلطات الأمنية بكشف المنفذين، قائلا إن «عملية الاغتيال تهدد أمن التونسيين واستقرار تونس»؛ وجهت «حماس» ومقربون من «الزواري» فورا أصابع الاتهام باغتياله إلى (إسرائيل) وجهاز مخابراتها (الموساد)؛ نظرا لدور القتيل في تحسين القدرات التكنولوجية للمقاومة الفلسطينية.

وقال «رونين بريغمان» -وهو محلل أمني إسرائيلي معروف بعلاقاته الوثيقة بالاستخبارات الإسرائيلية- إن الاتهامات الموجهة إلى جهاز الموساد بالمسؤولية عن اغتيال «الزواري»، «لا تخلو من الصحة».

أما «أورن هيلر» -وهو معلق الشؤون العسكرية في القناة العاشرة الإسرائيلية- فلفت الانتباه إلى أن (إسرائيل) كانت تخشى من «الأفعال التي يمكن أن يفعلها الزواري في المستقبل»، مشيرا إلى سعي «حماس» للاستعانة به في «إنتاج طائرات بدون طيار انتحارية وقادرة على ضرب أهداف في عمق إسرائيل بأقل قدر من المخاطرة على مقاتليها».

ويعد تصعيد الموساد لملاحقة وتصفية كوادر عربية وفلسطينية علمية دليلا على فصل جديد في المعركة بين (إسرائيل) والمقاومة الفلسطينية قائم على سعي الحركات الفلسطينية، لا سيما «حماس» إلى تطوير قدراتها العسكرية بشكل غير مسبوق، استعدادا للحرب المقبلة مع (تل أبيب)، ويشير أيضا إلى وجود عقول علمية عربية لا تزال تؤمن بقدرات المقاومة الفلسطينية ووجوب دعمها.

ما حدث من المفترض أن يدفع المقاومة الفلسطينية، وفي القلب منها «حماس»، إلى إيلاء الحرب الاستخباراتية مع (إسرائيل) أهمية أكبر، وعدم قصرها داخل فلسطين فقط، وتحديدا نتحدث عن أهمية تعيين عناصر حماية لتلك العقول العربية تكون ملازمة لها، دون لفت الأنظار، للحيلولة دون عمليات الاغتيال والملاحقة التي يبدو أن الموساد سيصعدها في المستقبل.

فزع الطائرات بدون طيار

ثمة لقطة أخرى تفيد بأن (إسرائيل) باتت منزعجة بشدة من إمكانية امتلاك خصومها، من غير الدول، تكنولوجيا متقدمة في الطائرات بدون طيار، وهو الأمر الذي إن اكتمل فسيصبح بمقدور المقاومة الفلسطينية تنفيذ هجمات موجعة في قلب الأراضي المحتلة بهذه الطريقة.

وقد أنجزت «حماس» بالفعل مسيرة مهمة في تصنيع وتطوير هذا السلاح، لكنه كان للرصد والتصوير أكثر من الهجوم، ومعروف أن الطائرات بدون طيار الهجومية تتطلب تكنولوجيا أكثر تعقيدا، حيث يجب تزويدها بأنظمة توجيه دقيقة، علاوة على الأسلحة المؤثرة، وهو ما يبدو أن الحركة شرعت في تطويره، مستعينة بعقول عربية خارج الأراضي المحتلة، لتكون متحررة نسبيا من الملاحقة الإسرائيلية.

لكن الموساد بتحركاته، خلال الأشهر الماضية والحالية، جعل من ذلك الأمر مهمة صعبة، وهو ما يستدعي من «حماس» البحث عن طرق أخرى للتخفي من العيون الإسرائيلية، وحماية تلك الكوادر، ومن المؤكد أن هناك عقولا أخرى قد تتراجع عن التعاون مع «حماس» في حال استمرت تلك الملاحقات الإسرائيلية بنجاح.

  كلمات مفتاحية

فادي البطش طه الجبوري محمد الزواري حماس (اسرائيل) طائرات بدون طيار الموساد اغتيال ماليزيا الفلبين تونس

ذكرى تأسيس حماس الـ31.. إنجازات وتحديات

الأمن الماليزي يحرر فلسطينيا اختطفه عملاء للموساد