ماليزيا بين «حماس» و(إسرائيل).. لمن ستنحاز كوالالمبور بعد دماء «البطش»؟

الأحد 22 أبريل 2018 01:04 ص

كان بيان حركة «حماس»، الذي نعى الأكاديمي الفلسطيني «فادي البطش»، بعد ساعات قليلة من إعلان اغتياله في ماليزيا، فجر السبت 21 أبريل/نيسان الجاري، غير مكتمل بالنسبة للكثيرين، الذين كانوا ينتظرون الجزء الأكثر أهمية، والمتعلق بتحميل جهاز الاستخبارات الإسرائيلي الخارجي (الموساد) المسؤولية.

وبمقارنة واقعة اغتيال «البطش»، مع واقعة أخرى، وهي اغتيال المهندس التونسي «محمد الزواري» في 15 ديسمبر/كانون الأول 2016 بتونس، وتفاعل «حماس» مع الواقعتين، نجد ثمة ملاحظتين مهمتين:

أولا: بيان نعي «فادي البطش» خرج باسم حركة «حماس»، لكن بيان نعي «الزواري» خرج في الأساس من كتائب «عز الدين القسام»، الجناح العسكري للحركة.

ثانيا: بيان نعي «البطش» رفض تحميل أية جهة مسؤولية اغتياله، بينما كان بيان «القسام» سريعا وواضحا في تحميل (إسرائيل) مسؤولية اغتيال «الزواري».

غياب اتهام (إسرائيل)

ورغم اعتراف «حماس» في بياني نعي «البطش» و«الزواري» بانتمائهما إليها صراحة، إلا أن غياب اتهام (إسرائيل) بالمسؤولية عن اغتيال الأول استدعت التساؤل عن السبب.

ثمة ملاحظة هنا يجب إبرازها، وهي أن «حماس» لم تتهم (إسرائيل) رسميا بالمسؤولية عن اغتيال «البطش»، لكنها أعطت الضوء الأخضر لأذرعها الإعلامية بالحديث عن الأمر، وكذلك لم تمنع عائلة «البطش» من اتهام الموساد الإسرائيلي صراحة باغتيال نجلهم، وهو الاتهام الذي تناقلته وكالات الأنباء العالمية، علاوة على اتهام حركات فلسطينية أخرى (إسرائيل) صراحة بالوقوف خلف الأمر.

يرى مراقبون أن «حماس» اختارت عدم اتهام (إسرائيل) بالمسؤولية عن اغتيال «فادي البطش»، لعدم إحراج ماليزيا بالحديث صراحة عن اختراق إسرائيلي فادح لسيادتها وتنفيذ عملية اغتيال سياسي على أراضيها، وأنها فضلت انتظار تحقيقات الأجهزة الأمنية هناك.

بين «الزواري» و«البطش»

لكن هذه الفرضية تفرز تساؤلا آخر، لماذا لم تفعل «حماس» نفس الشئ مع تونس، عندما اغتيل المهندس «محمد الزواري» في مدينة صفاقس؟

هناك عدة احتمالات للإجابة، وهي:

أولا: تونس دولة عربية، وبالتالي كان خيار «حماس» بالمسارعة في إعلان مسؤولية (إسرائيل) له هدف قد يكون استراتيجيا، بمحاولة دق جرس إنذار في الفضاء العربي الرسمي، بأن (تل أبيب) انتهكت سيادة دولة عربية، ونفذت عملية اغتيال سياسي على أراضيها، وذلك في الوقت الذي بدأت فيه أنظمة عربية رحلة تقارب غير مسبوقة معها.

ثانيا: محاولة خلق حالة غضب لدى المواطنين التونسيين، كون «الزواري» مهندسا تونسيا، قتلته (إسرائيل) على الأراضي التونسية، وهو ما يعد مكسبا إضافيا لاستمرار إذكاء حالة العداء الشعبي التونسي مع (إسرائيل) في الوقت الذي نشطت فيه مساعي قوى سياسية مقربة من النظام التونسي الجديد لتقليل نبرة العداء لـ(تل أبيب) كمقدمة للحاق بركب عربي يريد الانفتاح على (إسرائيل).

ثالثا: لا تمتلك «حماس» علاقات حيوية مع تونس، كتلك التي تمتلكها مع ماليزيا، وبالتالي فإنها كانت في الحالة التونسية غير ملزمة بأية حسابات أخرى.

الاحتمالية الثالثة تحديدا تستدعي إلقاء نظرة سريعة على العلاقات بين «حماس» وماليزيا.

ماليزيا و«حماس»

تعد ماليزيا إحدى أكثر الدول التي تتهمها المخابرات الإسرائيلية بدعم حركة «حماس»، واحتضان نشاطات مدنية وعسكرية لشبيبة الحركة، والسماح لهم بتجنيد الشباب الفلسطيني الذي يدرس في الجامعات الماليزية، لينضم للجناح العسكري للتنظيم عند عودته للضفة الغربية.

وبناء على هذه المزاعم والادعاءات، تعتقل قوات الاحتلال الإسرائيلي الشباب الفلسطيني العائد من ماليزيا للتحقيق معهم، وقد قدمت ضد جزء منهم لوائح اتهام تتهمهم بـ«الاتصال مع عدو» في ماليزيا و«الانضمام لجماعات محظورة» و«قبول أموال من عدو". وكان آخر هؤلاء الشباب «وسيم قواسمي» (24 عاما) الذي اعتقل في فبراير/شباط 2015 وقدمت ضده لائحة اتهام خلال مارس/آذار من ذات العام.

وفي يونيو/حزيران 2017، قالت مصادر فلسطينية إن قيادة «حماس» وضعت ماليزيا كخيار أول لاستقرار قياداتها المتواجدين في قطر، والذين قررت إخراجهم من الدوحة، عقب اندلاع الأزمة الخليجية معها، لتخفيف الضغط عن الحكومة القطرية، وهو ما يعكس الترابط الكبير بين الحركة وكوالالمبور.

الرغبة الحمساوية قوبلت بترحيب ماليزي على لسان قائد الشرطة «خالد أبوبكر»، والذي أكد أنه «لا توجد مشكلة في زيارة قادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لماليزيا ولقاء الماليزيين ما دام ذلك يتم في إطار سلمي».

وفي ديسمبر/كانون الأول 2015، وصل وفد رسمي من «حماس» برئاسة رئيس المكتب السياسي لها، آنذاك، «خالد مشعل»، ونائبه «موسى أبو مرزوق» وعضوي المكتب السياسي للحركة «محمد نزال» و «ماهر عبيد» إلى ماليزيا، تلبية لدعوة رسمية من الحزب الحاكم الماليزي (أمنو).

وحضر الوفد الحمساوي المؤتمر السنوي للحزب الحاكم، والتقى وزراء وقادة أحزاب ماليزيين.

المثير هنا أن «حماس» اختارت عدم إحراج ماليزيا باتهام (إسرائيل) بالوقوف وراء اغتيال «فادي البطش» لكن (تل أبيب) يبدو أنها أوعزت إلى وسائل إعلامها بتناول الأمر بكثافة، والحديث عن الصلات القوية بين «فادي البطش» والأنشطة العسكرية لـ«حماس» بصورة بدت أنها اعتراف ضمني من (تل أبيب) بمسؤوليتها عن الأمر.

هنا يمكن أن نشير إلى وجود رغبة إسرائيلية بإحراج ماليزيا وإظهارها بمظهر الحاضنة لقيادات «حماس» العسكرية، وهو إجراء يمكن أن يشكل ضغطا على كوالالمبور، قياسا إلى التوجه العالمي، بقيادة واشنطن، لحصار الحركة واعتبارها إرهابية، وكذلك حالة العداء التي تكنها دول عربية وخليجية لـ«حماس» حاليا.

ماليزيا و(إسرائيل)

العلاقات الإسرائيلية الماليزية تتراوح بين الفتور والتوتر، وإلى الآن لا تزال ماليزيا ضمن 11 عضوا بمنظمة دول التعاون الإسلامي لا تعترف بـ(إسرائيل) ولا تقيم معها علاقات، سوى علاقات تجارية بنسبة بسيطة للغاية.

وفي فبراير/شباط 2003 صرح الرئيس الماليزي السابق «مهاتير محمد» بأنه «لم يكن هناك إرهاب منظم خارج أوروبا حتى قرر الأوروبيون واليهود إقامة دولة يهودية على أرض فلسطين»، وهو ما أغضب الحكومة الإسرائيلية بشدة، ودفعها للاحتجاج عليه.

من هنا قد نخلص إلى أن (إسرائيل) -إن صحت مسؤوليتها عن الحادث- اختارت تنفيذ عملية الاغتيال في ماليزيا لإحراج «حماس» وكوالالمبور معا.

لكن إقدام (إسرائيل) على هذا الأمر، في ماليزيا، وفي هذا التوقيت، هو أيضا أمر غريب، قياسا إلى حالة التقارب الذي بدأ الحديث عنه بين (تل أبيب) وكوالالمبور، خلال الأسابيع الماضية.

ففي 12 فبراير/شباط الماضي، كشفت وسائل إعلام عن زيارة وفد دبلوماسي إسرائيلي ماليزيا، لحضور مؤتمر تابع للأمم المتحدة، لكنه دخل إلى البلاد بجوازات سفر دبلوماسية إسرائيلية، وهو ما يعد سابقة في عرف العلاقات بين ماليزيا و (إسرائيل)، وتناول الإعلام الإسرائيلي الأمر بحفاوة.

وبحسب تصريحات إعلامية لرئيس حزب أمانة الماليزي، «محمد سابو»، فإن «علاقة رئيس الوزراء الماليزي نجيب تون عبد الرزاق الوثيقة مع النظام السعودي الجديد وحاكم السعودية الملك سلمان بن عبدالعزيز قد غيرت موقف ماليزيا تجاه إسرائيل».

وعبر عن اعتقاده بأن العلاقة الوثيقة بين نجيب والسعودية يمكن أن تتسبب بإقامة ماليزيا علاقات دبلوماسية مع (إسرائيل) مباشرة، بحسب التصريحات التي نقلها موقع «عربي 21».

التطور السابق قد يشير إلى صعوبة مخاطرة (تل أبيب) بهذا المكسب المهم مع دولة بحجم وقوة ماليزيا اقتصاديا وسياسيا، وإقدامها على تنفيذ عملية اغتيال «البطش» على الأراضي الماليزية، على الأقل بشكل مباشر.

انحيازات كوالالمبور

هناك الآن سؤال ثالث، بعد كل هذه التطورات: لمن ستنحاز ماليزيا حاليا؟ هل لعلاقاتها الجديدة مع (إسرائيل) برعاية سعودية، والتي ستكسبها فوائد دولية وخليجية، أم رؤيتها الأيدلوجية بمناصرة القضية الفلسطينية وحركات المقاومة؟

منطقيا، وبعد واقعة اغتيال «البطش» من المفترض أن يربح الجانب الأيدلوجي، مدفوعا بالغضب الماليزي من الانتهاك الإسرائيلي لسيادتها، هذا إن صح تورط (تل أبيب) في عملية الاغتيال وأثبتتها التحقيقات الماليزية.

في كافة الأحوال، ستجيب نتائج التحقيقات التي ستعلنها الشرطة الماليزية عن كثير من تلك الأسئلة.

  كلمات مفتاحية

فادي البطش محمد الزواري (اسرائيل) ماليزيا تونس حماس اغتيال تطبيع

رفض ماليزي لتأشيرات رياضيين إسرائيليين مشاركين ببطولة سباحة