استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الانهزامية الاستعلائية في واشنطن والخليج وبر مصر

السبت 28 أبريل 2018 03:04 ص

في مقالةٍ نشرتها صحيفة واشنطن بوست في مارس/آذار عام 2003، تحدث الكاتب يوسف إبراهيم عن لقاء له مع الرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك، انتقد خلاله الأخير إصرار واشنطن على وعظ نظامه بضرورة احترام حقوق الإنسان، والتحرك نحو الديمقراطية.

يروي الرجل كيف أن مبارك الذي استقبله، في أحد قصوره الفخمة، حذره قائلا إنه لو جاءت الديمقراطية إلى مصر فإن الإخوان المسلمين سيتسلمون الحكم، وليس فقط في مصر، بل في المنطقة كلها. وللتأكيد، استشهد مبارك بجنازة زعيم الإخوان الأسبق، مصطفى مشهور، وكانت قد جرت قبل أشهر من ذلك اللقاء (في أكتوبر/تشرين الأول 2002).

وبحسب الكاتب، فإن مبارك أخبره بأنه أمر رجال الأمن باتخاذ أقصى درجات الاحتياط، بما في ذلك إغلاق مداخل القاهرة، لتقليل عدد المشيعين. ومع ذلك، فاق شهود الجنازة الثمانين ألفا. وختم بالقول إن على واشنطن التخلي عن الضغط من أجل الديمقراطية، حتى لا يأتي "الإخوان" وتتضرر مصالحها.

الشاهد في القصة أن مخابرات النظام المصري كانت تعرف حجم شعبية الإخوان المسلمين، وأهم من ذلك، كان تعرف حجم شعبية النظام، وتجزم بعجزه عن مقارعة "الإخوان" حتى في ساحة انتخابية غير عادلة.

هذا رغم أن حركة الإخوان كانت محظورة رسميا ومطاردة، بينما الحزب الوطني الديمقراطي (الحاكم) وحلفاؤه يهيمنون على الدولة، ويحتكرون المال والسلطة والجاه والإعلام.

وقد كان هذا الاعتقاد سائدا كذلك في تونس أيام زين العابدين بن علي الذي اتهم "الإخوانجية" بأنهم كانوا وراء ثورة الياسمين، وكذلك في سورية الأسدين. وقد أضيفت إليهم أخيرا السعودية التي أعلن ملكها الفعلي في زيارته أخيرا واشنطن أن الإخوان المسلمين أشد خطرا على بلاده من إيران.

هذا على الرغم من أن الحركة لم يسمح لها قط بوجود شرعي في المملكة، ولم تستثن من الحظر على أي حركة سياسية أو مدنية. ولكن ولي العهد السعودي زاد فحذر الأوروبيين من أن حركة الإخوان ستحول القارة الأوروبية إلى جمهورية إخوانية!

ولعل المفارقة أن هذه التهمة، تبدو أكثر اعتدالا عند غلاة اليمين الصهيوني المتطرف، مصدرها الأول، فالصهاينة حذروا من تعريب أوروبا وأسلمتها، بمعنى تحول غالبية سكانها إلى "مسلمين"، حتى وإن كان هؤلاء من أحباب ولي العهد السعودي ونتنياهو.

وقد تولى كبر هذه الفرية في أول أمرها الكاتبة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة بات يور (اسم مستعار) التي أصدرت في عام 2005 كتابا بعنوان "يورابيا"، تتحدث فيه عن مؤامرةٍ مزعومةٍ لتعريب أوروبا، اكتملت فصولها. ولكن أبطال هذه الدراما عندها لم يكونوا الإخوان المسلمين، وإنما دول الخليج في تآمر مع فرنسا الديغولية التي أغراها ذهبهم ونفطهم.

في هذا الأسبوع، كشفت تقارير إعلامية أن مستشار الرئيس ترامب الحالي للأمن القومي، جون بولتون، ووزير خارجيته المعين، مايك بومبيو، ضالعان في نشر مزاعم مماثلة بأن أوروبا، بل وأميركا، مهددتان بالمد الإسلامي.

لكن بولتون وصاحبه، في سعيهما الحثيث لتشويه الإسلام والمسلمين عبر مؤسسات يمينية متطرفة، مثل معهد غيتستون، لم يكتفيا باتهام "الإخوان" بـ"فرض الشريعة" على أميركا تحت قيادة الرئيس السابق، باراك أوباما، وإنما أيضا وصفا الإسلام في الأصل دين عنف وشر. وبالطبع، فإن خطاب هذه الجهات يكثر من اتهام السعودية بأنها وراء كل هذا "الشر" الإسلامي.

المفارقة في هذا الأمر أن هذا الخطاب الفج واجه ويواجه رفضا واستهجانا من غالبية العقلاء في الغرب، بمن فيهم الحكومات وأجهزة المخابرات. ولهذا يكثر هؤلاء من اتهام السلطات في بلدانهم بممالأة التطرف الإسلامي، والسكوت عن الخطر الماثل، جهلا وغباء، أو تواطؤا وتورطا وخيانة.

وعليه، ما يدهش هو انضمام أصوات "عربية" و"إسلامية" لهبة الإسلاموفوبيا التي مضى زمانها وبار سوقها، على الرغم من حلول عهد ترامب الذي أصبح وأشياعه مزحة الإعلام والنخبة، فهم كعهدهم، لا ينضمون إلا لقضيةٍ خاسرة، وإذا انضموا إليها تصبح خاسرة بسبب أفعالهم وسمعتهم.

ما يجمع بين هذه الأصوات، وأضرابها من طوائف اليمين الفاشي الجديد، ما يمكن تسميتها "الانهزامية الاستعلائية" التي يلاحظ مثلها عند ترامب والزعماء الشعبويين الآخرين، ممن دأب على وصف العرب والمسلمين (والأفارقة، والمكسيكيين والآسيويين، إلخ) هم حثالة البشر، ومخلوقات من فئة أدنى.

وفي الوقت نفسه، هم بصدد الهيمنة على الكون، وتملك ما فوق الأرض وما تحتها، إن لم تجتهد أطياف اليمين المتطرف في التصدي لهم ولمؤامراتهم. فالآخرون عند هؤلاء أوغادٌ منحطون لا يحسنون شيئا، ولكنهم، في الوقت نفسه، أذكياء وأقوياء بحيث يهددون وجودنا!

وبالمنطق نفسه، فإن "الإخوان" وطوائف الإسلاميين هم المشكلة، والمعوق للتقدم والعلاقات مع الغرب. ولكنهم، في الوقت نفسه، لن يهزموا أبدا، على الرغم من أنهم محظورون ومحرومون من كل شيء. بل هم قريبا سيهيمنون على أوروبا التي تهيمن علينا، وبالتالي يهزموننا من الباب الخلفي!

فضلا عن ذلك، هؤلاء "الاخوانجية"، على الرغم من أنهم متخلفون وفقراء فكريا، إلا أنهم سيربحون أي انتخابات، مهما اجتهد خصومهم في القمع والتزوير. وعليه، لا بد في عرف القوم من حربٍ أبديةٍ ضد خصمٍ يؤكدون بسلوكهم أنه لن يهزم أبدا.

يحكم المنطق المتناقض نفسه دول المحاولة الفاشلة لحصار قطر. فمن جهةٍ، قطر دولة "صغيرة"، والمشكلة معها "مشكلة صغيرة جدا" لا تستحق حتى النقاش. ومن جهة أخرى، قطر هي الخطر الأكبر الذي يهدد وجود هذه الدول وأنظمتها، وإعلام هذه الدول لا يتحدث عن شيء آخر، ودبلوماسيتها لا تهتم بأمر آخر، وخطاب زعمائها العلني والسري كله عن قطر.

وفي الحالين، نجد أنفسنا أمام حالة تجمع بين الغطرسة والذعر. فمن جهة، تصور الجهة نفسها بأنها عظيمة وكبرى، ومن جهة، هي ترتعد وتسهر الليالي فزعا من مشكلة "صغيرة". فهنا اعتراف أبديٌ بالهزيمة، والتصرف دوما كمهزوم يتشدق بنصرٍ يؤكد، بخطابه وفعله، أنه لن يتحقق أبدا.

بل بالعكس، يمثل خطاب هذه الجهات المتهافت أكبر مدح ودعاية للخصم. فكل شخص أو جهة تتصرف بشهامة ورجولة، وكل من يربأ بنفسه عن الدنيا والانخراط في هذا الهراء والتهافت، وكل من يناصر العدل والحرية والكرامة، وكل من ينبه إلى ملابس السلطان المتخيلة، يتهم بأنه "إخواني" عميل لقطر. وينطبق هذا حتى لو كان المتهم بالخير هو أوباما أو كلينتون أو ميركل. وكفى بهذا مدحا لقطر، تفهمه جماهير هذه البلدان، وتتصرف على أساسه حين يجد الجد.

وفي هذا كله، تأكيد لأن مشكلة الجهات التي تعيش هذا التعذيب المزدوج للذات هو نفسها، وليست "المشكلة الصغيرة - الكبيرة" التي تتخيلها، وتفتعلها لتهرب من نفسها وصورتها في المرآة. فهي تولد من الخيال جهة تحملها المسؤولية عن عجزها وتقصيرها وضعفها، وتنفخ في هذه الصورة، وتكبر من خطرها، حتى تبرر لنفسها الهزيمة الذاتية والفشل الدائم، إذ لا بد أن يكون العدو خارقا وقادرا على كل أمر عظيم، وإلا فكيف نفسر هزيمتنا وفشلنا أمامه؟

لكن هذا التصرف الأخرق يكشف عجز هذه الجهات بصورة أكثر وضوحا، لأن هذا الهراء لا ينطلي على أحد، حتى قبل عصر المعلومة المبذولة والمشاعة.

بل هو يرسل إلى الخارج والداخل رسالة عكس الذي يريدون. وهكذا تساهم هذه الانهزامية في تعزيز الهزيمة، وتسرع بانتهاء المهزلة. فنعم العدو وبئس الصديق.

  • د. عبدالوهاب الأفندي - أكاديمي سوداني، أستاذ العلوم السياسية بمعهد الدوحة للدراسات العليا

المصدر | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية

إسلاموفوبيا مصر الخليج الولايات المتحدة الانهزامية الاستعلائية حسني مبارك الإخوان المسلمين الصهيونية التطرف دونالد ترامب