عيد العمال بالخليج.. الغلاء والرسوم والتوطين يكدر حياة الوافدين

الثلاثاء 1 مايو 2018 04:05 ص

في الأول من مايو/أيار من كل عام، يحتفل العمال حول العالم بعيدهم السنوي، إلا أن العمال في غالبية الخليج، خاصة من الوافدين، الذين يمثلون السواد الأعظم، يستقبلون عيد العمال، بكل هم، في ظل غلاء استشرى، ورسوم وضرائب فرضت، وخطط توطين بدأ تنفيذها، ما يهدد مستقبلهم.

وتعد الإجراءات التقشفية -التي نفذتها بصفة خاصة السعودية والإمارات والكويت- خلال العامين الماضيين، لمواجهة أزمة تراجع الإيرادات النفطية، حجر عثرة أمام العمال الوافدين، الذين حمّلتهم الحكومات نصيبا كبيرا من الرسوم والضرائب؛ ما فاقم ضغوطهم المعيشية، في ظل تقليص الدعم ورفع أسعار السلع والخدمات.

كل ذلك، أدى إلى هجرة عكسية للعمالة الوافدة إلى بلادها مرة أخرى، أو إلى بلدان أخرى، وكذلك مشكلات عدة لهؤلاء الوافدين مع الحكومات الخليجية، أو بين دولهم ودول الخليج.

أعداد كبيرة

آخر إحصاء رسمي، صدر عن المركز الإحصائي لدول «مجلس التعاون الخليجي»، أظهر أن أكثر من ثلثي العمالة في دول «مجلس التعاون الخليجي» (69.3%) حتى نهاية 2016 هي عمالة أجنبية وافدة.

وحسب البيانات الرسمية، بلغ إجمالي عدد الأيدي العاملة في دول المجلس (عدا الإمارات)، 20 مليون عامل، منها 13.86 مليون عامل من الوافدين.

وتتألف دول الخليج التي يشملها الإحصاء كلا من السعودية والبحرين والكويت وقطر وسلطنة عمان.

ويتصدر الخليج العربي، دول العالم، من حيث نسبة وجود العمالة الأجنبية على أرضه، وفق تقرير سابق للبنك الدولي.

هذه الأعداد الكبيرة من العمالة الوافدة، غيرت في تركيبة السكان بأربع دول على الأقل (الإمارات والبحرين والكويت وقطر)، حتى باتوا يشكلون أعدادا أكثر من مواطني هذه الدول.

وتعتبر العمالة الهندية، الأكبر بين تجمعات العمالة المهاجرة في جميع دول «مجلس التعاون الخليجي» بلا استثناء، وتشكل العمالة الهندية نحو 36% و35% و34% من السكان في البحرين وقطر والإمارات على التوالي.

وفضلا عن الهند، تستقطب دول مجلس التعاون عمالة بأعداد ضخمة من دول أخرى في جنوب آسيا مثل باكستان وبنغلاديش.

ويستشف من إحصاءات مؤتمر مانيلا (الفلبين)، حول العمالة المهاجرة،  الذي انعقد في مايو/أيار 2015، أن نحو مليون مواطن باكستاني يعملون في السعودية.

كما يستقطب كل من الإمارات وعمان وقطر والكويت مئات الآلاف من رعايا باكستان يعملون في بعض القطاعات الحيوية مثل الأمن والحراسات.

إضافة إلى ذلك، تستقطب اقتصادات دول مجلس التعاون أعدادا ضخمة من العمالة من بنغلاديش؛ حيث تقدر أعدادهم بنحو 447 ألفا في السعودية على سبيل المثال.

أيضا، هناك عمالة بعشرات الآلاف من النيبال، خصوصا في قطر، كما تستقطب دول مجلس التعاون أعدادا كبيرة من رعايا إندونيسيا من الإناث للعمل في العمالة المنزلية.

وتعتبر السعودية، أكبر مستقطب للعمالة الفلبينية على مستوى العالم؛ إذ كشفت إحصائيات رسمية في عام 2014، أن السعودية تستحوذ على نحو ربع العمالة الفلبينية المغادرة، وتليها مباشرة الإمارات بنسبة 15%.

استفادة متبادلة

ويستفيد من هذا الكم الكبير من العمالة، الدول المرسلة والمستقبلة للعمالة الوافدة، على حد سواء؛ فتوافد العمالة الأجنبية يخدم العمال أنفسهم وأفراد أسرهم واقتصادات بلدانهم عبر التحويلات المالية.

وحسب تقديرات لـ«صندوق النقد الدولي»، عن عام 2016، يبلغ حجم التحويلات السنوية للأجانب من الدول الخليجية بنحو 84.4 مليارات دولار، في الوقت الذي تقول فيه دراسات أخرى إنها تتجاوز الـ110 مليارات دولار سنويا؛ أي ما يقرب من 8.2% من الناتج المحلي الإجمالي الخليجي، وبالتالي الأعلى دوليا من حيث الأهمية النسبية.

ووفق بيانات رسمية لعام 2017، تأتي تحويلات الأجانب في السعودية سنوياً بالمرتبة الأولى بين دول الخليج بقيمة 38.9 مليار دولار، تليها الإمارات بـ32.7 مليار دولار، والكويت بـ15.3 مليار دولار ثم قطر بـ12 مليار دولار، بينما بلغت تحويلات الوافدين في عمان 10.27 مليارات دولار، والبحرين 2.4 مليار دولار.

وتستفيد الاقتصادات الوطنية المستقبلة للتحويلات المالية مما يعرف بـ«مضاعف الدخل»؛ حيث يتحول الدولار إلى أكثر من دولار في نهاية المطاف من خلال عمليات التبادل التجاري.

يحدث ذلك نتيجة استفادة قطاعات مختلفة من الأموال المصروفة داخل الاقتصادات المحلية؛ فقيام الوافد بإرسال 1000 دولار أمريكي مثلا يعني صرف هذا المبلغ من قبل المستفيدين في البلد الأم على أمور مختلفة، مثل: شراء المواد التموينية، والمواصلات، والاتصالات، أو الشروع في بناء منزل، أو غير ذلك.

وتتم ترجمة هذه الأموال بحصول نمو في أكثر من قطاع؛ الأمر الذي يفسح المجال لزيادة أو مضاعفة الدخل.

كما يسهم العمال في المقابل بتنفيذ الخطط التنموية في دول «مجلس التعاون الخليجي» عبر العمل في مختلف الأنشطة، بما في ذلك القطاعات غير المقصودة عند العمالة المحلية الخليجية كالبناء والتشييد، وبعض القطاعات الخدمية مثل العناية الشخصية.

وتتميز العمالة الوافدة باستعدادها للعمل لساعات مطولة الأمر الذي يخدم تطلعات القطاع التجاري.

كما يسهم العمال الوافدون -الذين يديرون المحلات التجارية الصغيرة للبيع بالتجزئة- في تعزيز نوعية المعيشة في المناطق المختلفة، عبر فتح محلاتهم لساعات متأخرة وفي بعض الحالات على مدار الساعة.

اللافت كذلك إسهام التجار من الهند على وجه الخصوص بإقامة منشآت تجارية وصناعية وبالتالي المساهمة في تطوير القطاع الصناعي؛ فللتجار الهنود كمثال، دور ملموس في تجارة الذهب بدبي على وجه التحديد.

وتستفيد شركات الطيران التابعة لدول «مجلس التعاون الخليجي»، من حركة المسافرين مع دول المصدر، مثل: الهند، وباكستان، والفلبين على مدار السنة.

انتهاكات

وأمام ذلك، تواجه العمالة في دول الخليج، العديد من التجاوزات والانتهاكات، تبدأ بنظام الكفالة المعمم على الأجانب المقيمين في غالبية الخليج. 

ومن أبرز هذه الانتهاكات، أيضا، التي ظهرت مؤخرا مع تدهور أسعار النفط في الأسواق العالمية، عدم صرف رواتب مستحقات هذه العمالة الشهرية المتراكمة أو تسريحهم من العمل، وخاصة في السعودية والكويت,

يضاف الى ذلك الانتهاكات والتجاوزات المستمرة التي أكدتها الكثير المنظمات الحقوقية والإنسانية، للدرجة التي دفعت رئيس المفوضية السامية لمجلس حقوق الإنسان الأممي، الأمير «رعد بن زيد بن الحسين»، للقول إن «انعدام حقوق العمال الأجانب في بعض دول مجلس التعاون الخليجي أدى إلى وفاة العديد منهم خاصة من الجنسية النيبالية».

وأضاف، خلال إحدى جلسات المجلس، أن «العمال الأجانب في تلك الدول يتعرضون باستمرار لعدة أنواع من الانتهاكات على رأسها الانتهاكات الجسدية التي تؤدي إلى الموت».

وتابع منتقدا: «لا وجود لآلية فعالة تتيح للمهاجرين الذين يتعرضون لسوء المعاملة رفع قضيتهم إلى القضاء»، داعيا دول «مجلس التعاون الخليجي» إلى احترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان والعمال، ومراقبة الوكالات غير المرخصة التي تستقدم عددا كبيرا من العمال إلى دول المجلس.

وفي كل الأحوال، لم تشهد الأعوام الماضية، سوى تحسن خجول في قوانينها المتعلقة بالعمالة الأجنبية؛ ما يجعلها بعيدة كل البعد عن ما تصبو إليه الاتفاقية.

إجراءات مضادة

ورغم ذلك، وفي ظل تراجع أسعار النفط، باتت العمالة الوافدة تمثل صداع في رؤوس حكومات خليجية، التي بدأت بفرض رسوم وضرائب عالية تجاهها، في ظل بدء خطوات نحو توطين الوظائف؛ ما هدد بقاء هذه العمالة في الدول الخليجية. 

ومنذ منتصف العام الماضي، بدأت بعض الدول كالسعودية والكويت، فرض ضرائب ورسوم على العمالة الوافدة، ما دفع عدد منهم إلى العودة إلى أوطانهم أو البحث عن دول أخرى وفرص العمل فيها.

فمنذ يوليو/تموز الماضي، بدأت الحكومة السعودية تحصل 100 ريال (26.6 دولارات) شهريا عن كل مرافق للعمالة الوافدة، ارتفع إلى 200 ريال (53 دولارا) مع بداية 2018 ويرتفع إلى 300 ريال (80 دولارامع بداية 2019 ثم 400 ريال (106 دولارات) مع بداية 2020.

ومطلع 2018، أصدرت السعودية قرار فرض رسوم شهرية تتراوح بين 300 – 400 ريال شهريا (80 – 106 دولارات) على كل عامل وافد، ويرتفع الرقم إلى 800 ريال (213 دولارا) شهريا، بحلول 2020.

وفي الكويت، فرضت الحكومة رسوم على الخدمات للوافدين، تصل بعضها إلى حوالي 500%.

ومع مطلع 2018، بدأت السعودية والإمارات تطبيق ضريبة القيمة المضافة بشكل موحد، فيما أجلت البحرين فرض الضريبة للعام المقبل، وأرجأت باقي الدول الخطوة لأعوام مقبلة.

لم يقف الأمر عند ذلك، بل بدأت دولة خليجية في تسريع استبدال الوافدين بالمواطنين، وخاصة في السعودية والكويت، وهي الإجراءات التي وصفها البعض بـ«العنصرية».

ومن المرتقب أن تزيد كل هذه الأعباء الجديدة، مصاريف العمالة؛ ما يدفع إلى خفض مدخراتهم وتحويلاتهم إلى بلدانهم الأم.

كان صندوق «النقد الدولي» حذر، في تقرير له، من أن فرض دول الخليج لضرائب على التحويلات الخارجية للأجانب الذين يشكلون أكثر من 90% من إجمالي العاملين في القطاع الخاص، ينطوي على الكثير من السلبيات.

ويقول خبراء الصندوق إن فرض ضريبة بنسبة 5% على التحويلات ستنتج عنه إيرادات تصل إلى 0.3% من الناتج المحلي الإجمالي الخليجي، أي 4.2 مليار دولار.

وبرأي مراقبين، فإن هذه الخطوات بفرض رسوم وضرائب على العمال الوافدين، تمثل نهاية لحلم العمل في منطقة الخليج عامة، وفي السعودية والكويت على وجه التحديد، وهو الخيار الذي كان يمثل مخرجا للعديد من الشباب في مناطق مختلفة من العالم العربي وفي دول آسيوية أيضا.

عدم أمان

وفي هذا السياق، تقول أستاذة الاقتصاد بجامعة الكويت، «هدى حسن»، إن القرارات الصادرة أخيراً بشأن الوافدين في بعض دول الخليج تسبب لهم شعوراً بعدم الأمان الوظيفي والاجتماعي.

وتضيف: «حيث لا تكفيهم مواردهم في ظل زيادة الرسوم والتكاليف والضرائب، إضافة إلى الضغوطات النفسية التي قد تأتي من لجوء الوافد إلى العمل في مهنتين، حتى يلبي احتياجاته المعيشية».

وتذكر «هدى» أن كثيراً من الوافدين يتغاضون عن المشاكل الاجتماعية التي تواجههم، لكن تكون لها آثار سلبية عليهم وعلى أسرهم.

ويتفق معها، مدير عام المركز الدولي للبحوث الاقتصادية بالكويت، «موسى الرشيد»، حين يقول إن القرارات الصادرة أخيراً بشأن الوافدين تؤثر سلباً على استقرارهم.

ويوضح أن زيادة الرسوم والتكاليف تضطر كثيرا من الأسر الوافدة إلى العودة لبلدانهم، فيما يبقى رب الأسرة بمفرده بعد انقسام الأسرة.

ويضيف «الرشيدي» أن الوافدين يعانون من الخوف من المستقبل بسبب القرارات الأخيرة.

وتشير التقديرات، إلى مغادرة مئات الآلاف من الوافدين دول الخليج، خلال الأشهر الأخيرة؛ بسبب التضييقات التي عايشوها، منهم أكثر من نصف مليون وافد بالسعودية وحدها في 2017، وسط توقعات باستمرار عملية الهجرة العكسية.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

عيد العمال العمالة الوافدون الخليج رسوم ضرائب عمالة منزلية أسعار النفط

وافدو الخليج.. الإمارات تتصدر استقطابهم والسعوددية الأقل نسبة

عيد العمال عند العرب.. احتفاء واسع وشكاوى من بيئة غير منتجة ومطالب بالتصحيح

الكويت الأسوأ.. البحرين والإمارات وعُمان ضمن أفضل الوجهات لحياة المغتربين