استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

يسألونك عن الفلسطينيين… قل حتما سيعودون

الثلاثاء 15 مايو 2018 11:05 ص

يقتل جنود الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 55 فلسطينيا ويصيبون قرابة ثلاثة آلاف من المشاركين في مسيرة العودة بنيرانهم، ولا تشهد الساعات الأولى التي تلت المجزرة الإسرائيلية غير بيان للإدانة أصدرته وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي وبيانات أردنية ومصرية رسمية تدين استهداف المدنيين العزل وبيانات لمنظمات حقوق الإنسان الدولية ترفض القتل والانتهاكات والعنف بحق الفلسطينيين. دون ذلك، يسود صمت إقليمي وعالمي مطبق وكأن دماء لم تسل وضحايا لم يسقطوا.

بجلاء شديد، تدلل أحداث الاثنين 14 أيار/ مايو 2018 على الحقائق الراهنة في الشرق الأوسط والتي يتعين على الشعب الفلسطيني إدراكها وهو يواجه بمفرده آلة القتل والانتهاكات الإسرائيلية.

الحقيقة الأولى هي اختفاء كل رادع إقليمي ودولي من شأنه أن يحد من جرائم إسرائيل. فالحكومات العربية تشيح بوجهها بعيدا عن شهداء ومصابي فلسطين، وأغلبيتها تمارس الصمت الممنهج فيما خص القضية الفلسطينية.

وبعضها يمتنع عن إدانة القتل والانتهاكات لالتقاء سياساته الإقليمية مع السياسات الإسرائيلية ولتعاونه (المعلن أو غير المعلن) مع حكومة بنيامين نتنياهو لتحجيم نفوذ إيران في الشرق الأوسط. يذبح الفلسطينيون العزل على مرأى ومسمع من الحكومات العربية، وبعض تلك الحكومات يقدم دماء الشهداء وآلام الجرحى قرابين على مذبح «الصراع مع إيران» الذي تقوده آلة القتل الإسرائيلية.

أما دوليا، فالقتل المتكرر للمشاركين في مسيرات العودة الذي يرتكبه جنود الاحتلال طوال الأسابيع الماضية لم يثر اهتماما حقيقيا في العواصم الكبرى ولم تتردد سوى أصداء خافتة لدعوات لضبط نفس جاءت من بكين وموسكو وبعض العواصم الأوروبية.

وتولت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إسكات أصوات نقد إسرائيل في الأمم المتحدة، وتفاخرت المندوبة الأمريكية كعادتها بدورها في الحيلولة دون تمرير بيانات إدانة لجرائم الاحتلال.

ليس نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل إلى القدس المحتلة هو الجريمة الوحيدة لإدارة ترامب، بل مجمل سياسة الانحياز للاحتلال وتصوير قتل المدنيين العزل من الفلسطينيين زيفا وبهتانا «كدفاع شرعي عن النفس» تقوم به «الحكومة الديمقراطية» في تل أبيب.

ولا عجب، فعبارات كحق إسرائيل الشرعي في الدفاع عن النفس باتت ترد في بيانات وأحاديث الرسميين العرب، وإدارة ترامب لا تربطها بمبادئ وقيم الحكم الديمقراطي غير الرغبة في التملص منها دوما والتحايل عليها كلما أمكن.

الحقيقة الثانية هي أن الشارع العربي، والإشارة هنا إلى توجهات الرأي العام والمواطنين في البلدان العربية فيما خص قضية فلسطين والصراع مع المحتل والمستوطن الإسرائيلي، تغير جذريا خلال السنوات القليلة الماضية.

طغت مآسي الحروب الأهلية وكوارث انهيار الدولة الوطنية والهجرة غير الشرعية في سوريا وليبيا واليمن في أعقاب انتفاضات ديمقراطية نشدت التغيير السلمي، ومعها إخفاقات التحول الديمقراطي في مصر وتعثره في تونس وتراجعه في المغرب وتدهور الأحوال المعيشية لقطاعات واسعة من المواطنين، طغت على الاهتمام بفلسطين والتضامن العربي الشعبي مع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

وأسفر اتساع مساحات المواجهات الإقليمية بين بعض حكومات العربية في الخليج وفيما وراء الخليج وبين الجمهورية الإسلامية في إيران عن ذيوع القراءة المذهبية (الصراع السني ـ الشيعي) لأحداث السياسة في الشرق الأوسط، وتحولت إيران على إثر تقلبات الأمور في سوريا واليمن (وبدرجة أقل في العراق) إلى «العدو الجديد» في نظر قطاعات مؤثرة من مواطني دول الخليج ومواطني دول عربية أخرى وحلت في هذا الصدد محل المحتل الإسرائيلي.

وليس لاستبدال إيران كعدو بإسرائيل كعدو في مخيلة ووعي قطاعات مؤثرة من المواطنين العرب، وتلك المخيلة وذلك الوعي تشكلهما آلات إعلامية تديرها حكومات وأموال عربية لا تعنيها حقوق الفلسطينيين، ليس للاستبدال سوى أن يسفر عن صمت على جرائم الاولى وتضخيم لجرائم الثانية.

وبين الصمت هنا والتضخيم هناك تشوه تدريجيا المقاربة العربية العامة للحق الفلسطيني وتصير أشبه بالتعامل البائس مع حقوق اللقطاء الذين عليهم قبول الفتات الذي قد يلقى باتجاههم والامتناع عن الشكوى ورفع الصوت.

قد يستفيق البعض من العرب بين الخليج والمحيط على وقع سقوط الشهداء والجرحى أمس، وقد تدفعهم أجواء رمضان الدينية والمشاهد المتوقعة للمواجهات القادمة في جمع رمضان بين الصائمين العزل وبين جنود الاحتلال المدججين إلى التعاطف مع الفلسطينيين.

غير أن الاستفاقات ومشاعر التعاطف ليست مرشحة للاستمرار، وسرعان ما ستخمدها الآلات الإعلامية التي تواصل يوميا نشر القراءة المذهبية لأحداث الشرق الأوسط وتؤجج زيفا لمسألة الصراع السني ـ الشيعي كصراع العرب الوجودي.

الحقيقة الثانية هي أن الداخل الإسرائيلي يواصل الابتعاد عن تفضيل مسارات التسوية السلمية للصراع مع الشعب الفلسطيني بما تشتمل عليه تلك التسوية من انسحاب من الضفة الغربية والقدس الشرقية وإيقاف لجريمة الاستيطان فيهما وتعامل رشيد مع حق عودة الفلسطينيين من الشتات والمنافي ومخيمات اللاجئين، (وليكن بمزيج من التعويضات لمن هجروا واغتصبت ممتلكاتهم والعودة إلى أراضي دولة فلسطين) وقبول بنشوء دولة فلسطينية مسالمة (ولتكن منزوعة السلاح بضمانات إقليمية ودولية).

اليوم، تنظر أغلبية مستقرة من الإسرائيليين إلى السلام مع الفلسطينيين ليس كأمل مراوغ، بل كتنازل مرفوض وباهظ الكلفة ولا طائل من وراء السعي إليه.

اليوم، وبعد مرور 70 عاما على النكبة وما يقرب من 50 عاما على ما أسميناه عربيا النكسة، يتناسى الإسرائيليون حقائق التاريخ ويتجاهلون الاغتصابات المتكررة للأرض التي ارتكبتها قواتهم ويمرون على جرائمهم قبل 1948 وبعد 1967 مرور المبررين والمزورين للتفاصيل.

يتناسون أن نتائج جرائم الاغتصاب والاحتلال والاستيطان تظل غير قابلة للحياة على المدى الطويل ما لم تحدث تراجعات وتسويات سلمية مع من سلبت أراضيهم وفرض عليهم القهر والظلم وانتهاكات الحقوق والحريات.

يتناسون أن مقاومة الشعب الفلسطيني داخل إسرائيل وفي الأراضي المحتلة لم تخمد رغم جرائم الاحتلال في العقود الماضية والسنوات الماضية والأيام الماضية.

لم تعد أغلبية الإسرائيليين راغبة في السلام، والتفاخر بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة بما يحمله من إهانة للحقوق الفلسطينية دليل على ذلك شأنه شأن غرور الرسميين الإسرائيليين حين يقررون أن «أوضاع الفلسطينيين» (والمقصود هو حقائق الاحتلال والاستيطان والجرائم) لم تعد تمثل عوائق لعلاقات التعاون والتنسيق بين تل أبيب وعواصم عربية كبرى.

في مسيرات العودة التي تبهر بسلميتها الأقلية من أصحاب الضمائر الحية والوعي غير المزيف في بلدان العرب والشرق الأوسط والعالم أجمع، يقف الشعب الفلسطيني العظيم وحيدا في مواجهة آلة القتل والاحتلال والاستيطان الإسرائيلية، وحيدا دون تأييد من حكومات عربية أو دولية، وحيدا دون تعاطف مستمر من قبل الشارع العربي، وحيدا دون رأي عام إسرائيلي يريد السلام ويفضل تسوية الصراع الممتد من عقود طويلة.

اليوم، يقف الفلسطينيون بمفردهم وفي ظل ظروف داخلية واقليمية ودولية قاسية في مواجهة تصفية قضيتهم العادلة.

غير أن شعب الجبارين الذي حافظ على هويته وذاكرته الجمعية رغم مرور 70 عاما على النكبة و50 عاما على النكسة، شعب الجبارين الذي لم تجبره جرائم الاغتصاب والاحتلال والاستيطان على التخلي عن الحق المشروع في الأرض والدولة المستقلة والحرية.

شعب الجبارين الذي ما لبث يقدم الشهداء من الأطفال والشباب والنساء والعجائز قبل الرجال لن تهزم رغبته في البقاء ولن تخمد بين صفوفه جذوة الإرادة الوطنية العصية على الكسر. وحتما سيعودون رغما عن من يمارسون جرائم الاحتلال والصمت والتجاهل وتزييف الحقائق.

٭ د. عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية وباحث بجامعة ستانفورد الأميركية.

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

فلسطين النكبة الفلسطينية اختفاء الرادع الإقليمي والدولي المشروع الاستيطاني الاحتلال الإسرائيلي الذاكرة الجماعية نقل السفارة الأميركية