«و. بوست»: إيران تغذي تمرد الشيعة في البحرين.. والعنف الحكومي يجعله أسوأ

الأحد 20 مايو 2018 09:05 ص

تعهدت إدارة «ترامب» باتخاذ إجراءات صارمة ضد دعم إيران للميليشيات القوية عبر الشرق الأوسط، لكن صمود تمرد منخفض المستوى في مملكة البحرين يمثل تحديا مختلفا للولايات المتحدة.

وتقول السلطات الأمريكية إن نشاط التمرد في البحرين -وهي مركز رئيسي لعمليات البحرية الأمريكية- قد ازداد خلال العام الماضي على يد مجموعة من الجماعات المدعومة من إيران التي تحمل أسلحة مهرّبة وتضع الخطط ضد قوات الأمن.

الأمر هنا يختلف عن لبنان والعراق وسوريا، حيث توجد قوات كبيرة مدعومة من إيران مجهزة بأسلحة ثقيلة وتمارس نفوذا سياسيا متزايدا، فالمتمردون في البحرين -التي تعد غالبيتها شيعية- مجهزون على نحو طفيف ويعملون في خلايا منعزلة ويشنون الهجمات على مستوى صغير.

التمرد يعكس مرونة إيران

يصف المسؤولون الأمريكيون البحرين الصغيرة التي يحكمها السنة، والمكدسة بالحاميات الأمنية، كبيئة غير مواتية لمنفذي العمليات الذين تدعمهم إيران، والذين يتمتعون بحرية أكبر في البلدان الأخرى.

لكن المسؤولين يقولون إن تقديم دعم انتهازي طويل الأمد للمقاتلين البحرينيين يتيح لإيران فرصة منخفضة التكلفة لتحقيق أهدافها في الوقت الذي توجه فيه جهدها العسكري الرئيسي في مكان آخر.

وتظهر تجربة البحرين أن إيران تستخدم صيغا مختلفة لدعم وكلائها في كل بيئة، وفق ما قاله «مايكل نايتس»؛ الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وأضاف: «الأساليب الإيرانية المتكيفة مع كل منطقة تعني أن الولايات المتحدة تحتاج إلى الاستجابة بمرونة لتحدي طهران».

وقد وضع البيت الأبيض مسألة مراقبة إيران، التي أصبح وجودها العسكري الخارجي في أقصى مستوياته حتى الآن في المنطقة،، في قلب استراتيجيته في الشرق الأوسط.
وبعد انسحاب الرئيس من الصفقة النووية، من المرجح أن يوجه اهتمامه إلى التعامل مع شبكة وكلاء طهران في المنطقة.

في لبنان، تمكن «حزب الله» الذي يعد أكبر وكلاء إيران، من تجاوز القوات المسلحة اللبنانية في امتلاكه لأكثر قوات القتال فعالية في البلاد، حيث يمتلك «حزب الله» ترسانة ضخمة من الصواريخ وجيش متفرغ يتألف من 6000 جندي على الأقل.

وفي سوريا المجاورة، ساهم نشر إيران لأفراد الحرس الثوري الإيراني وشحنات أسلحتها في جعل الحرب الأهلية تميل لصالح الرئيس «بشار الأسد»، وفي العراق، حصلت الميليشيات المدعومة من إيران على نفوذ سياسي أكبر منذ أن لعبت دورا رئيسيا في صد «الدولة الإسلامية».

في اليمن، نتج الهجوم الذي شنته السعودية وغيرها من الدول العربية السنية عن مشاركة إيرانية أكبر في دعم المتمردين «الحوثيين» الشيعة، ويقول مسؤولون أمريكيون إن عددا صغيرا من المستشارين الإيرانيين و«حزب الله» يساعدون أيضا قوات الحوثي في ​​استخدام أسلحة متطورة إيرانية الصنع، مثل صواريخ كيام، ضد السعودية، وتنفي إيران تلك المزاعم.

جذور التمرد

يمكن العثور على جذور تمرد البحرين الذي يتعرض للإخماد إلى حد كبير في الانتفاضة الشعبية التي اندلعت في عام 2011 كجزء من الربيع العربي.

وكانت استجابة الحكومة القاسية على المحتجين، والكثير منهم من أبناء الأغلبية الشيعية الذين يطالبون بحقوق سياسية وفرص اقتصادية أكبر، بداية لحملة مطولة ضد المعارضة. وقال الزعماء البحرينيون إنهم قلقون من أن إيران سوف تستغل روابطها الثقافية والدينية مع الشيعة في البحرين من أجل إزاحة النظام الملكي السني، وساقوا أنشطة المعارضة، التي شملت منشورات «تويتر» وحرق الإطارات أثناء الاحتجاجات، كدليل على وجود تواطؤ محلي مع إيران.

وقال السفير الأمريكي السابق في البحرين «توماس كراجيسكي»، الذي كان في المنصب من عام 2011 إلى عام 2014، إن المسؤولين الأمريكيين اكتشفوا في البداية الدور الإيراني في الانتفاضة عندما بدأت قوات الأمن في التعرض للاستهداف بهجمات منعزلة في البداية شملت قنابل محلية الصنع، وفيما بعد، اعتقدت السلطات أن الأسلحة تم تهريبها إلى البحرين عن طريق البحر.

في السنوات التي تلت ذلك، تحركت السلطات البحرينية لعرقلة الخلايا المقاتلة المشتبه فيها واعتراض منفذي العمليات والأسلحة، ويقول المسؤولون الأمريكيون والبحرينيون إن المضبوطات الأخيرة شملت كميات كبيرة من المتفجرات من طراز «سي-4» وأسلحة متطورة شبيهة بالنوع الذي استخدمته الميليشيات المدعومة من إيران ضد العسكريين الأمريكيين في العراق بعد عام 2003.

وقال اللواء «طارق الحسن»، قائد الأمن العام في البحرين، إن مجموعات مثل كتائب الأشتر وكتائب المختار كانت مسؤولة عن 22 حالة وفاة وأكثر من 3500 إصابة لرجال الشرطة منذ عام 2011، وهو عدد منخفض نسبيا من القتلى بالنسبة لتمرد، لكنه يمثل مشكلة كبيرة في بلد يبلغ عدد سكانه 1.4 ملايين نسمة فقط.

نفت الحكومة الإيرانية تورطها في الشؤون الداخلية للبحرين واتهمت الحكومة البحرينية بلعب «لعبة إلقاء اللوم».

ويقول المسؤولون الأمريكيون والبحرينيون إن أفراد الجيش الإيراني لم يُشاهدوا علانية في البحرين كما كانوا في سوريا والعراق، وهو انعكاس لكيفية تكييف إيران لطريقتها في العمل في المملكة البوليسية حيث يتم تدريب منفذي العمليات العسكريين خارج البلاد، غالبيتهم على مدى عدة أيام في كل مرة في إيران والعراق، وفقا لمسؤولين أمريكيين وبريطانيين بالإضافة إلى متهمين عسكريين تحتجزهم حكومة البحرين.

في انتظار التعليمات

وفي رد على طلب قُدّم إلى السلطات البحرينية، سُمح لمراسل صحيفة «واشنطن بوست» بمقابلة عشرات السجناء المشتبه في قيامهم بنشاط عسكري، وتم مقابلة السجناء الذين تم اختيارهم من قبل الحكومة، في اثنين من أماكن الاحتجاز في الدولة هذا الربيع.

أجريت المقابلات دون وجود موظفين حكوميين أو محامين، وقد أدين بعض المعتقلين والبعض الآخر لا.

وروى أحد المعتقلين، الذي طلب أن يُعرف اسمه بإسمه الأوسط «إبراهيم»، قصة تشهد على انتهاج انتهازي تجاه البحرين من قبل إيران.

استشهد «إبراهيم» بطريقة المعاملة التي يتعرض لها الشيعة البحرينيين كسبب لحمل السلاح ضد النظام الملكي السني، وقال إنه تم تجنيده من قبل صديق في عام 2011 وسافر إلى إيران لمدة أربعة أيام للتدريب. وعندما عاد إلى البحرين، تلقى أمرا بالانتظار، حتى مرت ست سنوات.

عندما استأنفت حكومة البحرين عقوبة الإعدام في عام 2017 بعد توقف دام سبع سنوات، قال «إبراهيم»، إن اتصالا من إيران حثه على القتال، وقد خطط لقضاء عطلة عائلية في إيران، حيث أمضى جزءا من أيامه في مرفق تدريب صغير يتعلم كيفية تجميع المتفجرات واستخدام البنادق من طراز «AK-47» والقنابل الصاروخية وأسلحة أخرى.

بعد عودته إلى البحرين، أقام عملية صنع قنابل صغيرة في شقة فارغة بمواد مثل «سي -4» ، وزناد بعيد، وبطاريات، وأسلاك ومال، والتي جمعها اعتمادا على الرسائل السرية بينه وبين الشخص الذي يتصل به في إيران.

وبعد عدة أسابيع من استئجار الشقة، قام «إبراهيم» بأول هجوم في سلسلة من الهجمات على دوريات الشرطة وقد توفي أحد ضباط الشرطة البحرينية على الأقل نتيجة لتلك الهجمة.

وأبلغ معتقلون آخرون عن قصص مشابهة: التجنيد عن طريق أشخاص يتصلون بهم خارج البحرين، ثم التدريب في إيران أو العراق، غالبا أثناء الرحلات التي تتزامن مع رحلات الحج السنوية التي تجتذب الشيعة من جميع أنحاء المنطقة، وقال أحد المحتجزين إنه تلقى تدريبا من قبل ميليشيا عراقية، وهي كتائب «حزب الله»، في مدينة كربلاء المقدسة في عام 2016.

وقال معظم المعتقلين إن الرجال الذين دربوهم لم يعرّفوا أنفسهم بالكامل، ولم يكن من الواضح ما إذا كانوا مرتبطين بالحكومة الإيرانية أو الحرس الثوري الإيراني.

وقال محتجز آخر إن الرجال الذين دربوه في إيران عرضوا تصورا للبحرين باعتبارها جزءا من انتفاضة شيعية أكبر: «تحدثوا عن البحرين وأخبرونا يجب أن تحاربوا هؤلاء الظالمين، وأن عليكم محاربة الظلم في كل مكان، تحدثوا عن اليمن والعراق وسوريا والسعودية وفلسطين».

لم تتمكن «واشنطن بوست» من التحقق من شهادات المعتقلين أو الوصول إلى سجناء آخرين قد يكون لديهم تجارب مختلفة.

وقال معظم المعتقلين إنهم قاموا بمهام غير قاتلة، مثل توصيل المعدات أو الأسلحة أو النقود أو الرسائل، أما أولئك الذين اعترفوا بالتخطيط لهجمات فقد وصفوها بأنها تنطوي على قنابل صغيرة أو مرتجلة أو أسلحة صغيرة، وهو ما يتفق مع التهم التي وجهتها السلطات البحرينية.

كل ذلك يشير إلى لعبة إيران الطويلة في البحرين، وهي محاولة لوضع حلفاء موثوقين يمكن تفعيلهم في حالة حدوث انتفاضة أخرى، وقال نايتس: «إنهم يكوّنون رابطا مع الشخص فحسب، في انتظار اللحظة المناسبة».

ويصف المسؤولون الأمريكيون علاقة السيطرة والتحكم بين المسلحين البحرينيين وإيران بأنها «علاقة فضفاضة».

تفادي المواجهة

لكن مسؤولين أمريكيين يقولون إن التوجيه الإيراني ربما ساعد في ضمان عدم استهداف أي هجمات مباشرة للمصالح الأمريكية في البحرين، التي تعد موطنا لأسطول البحرية الأمريكية الخامس وآلاف من أعضاء الخدمة الأمريكية، وهو مؤشر محتمل على رغبة إيران في تجنب المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة.

وقال «كراجيسكي»: «كان هناك شعور بأن الإيرانيين كانوا كبح جماح لهذه المجموعات، قائلين: لن نعبر هذا الخط».

وفي حين أن المسؤولين الأمريكيين لا يزالون قلقين من تهديد التمرد في البحرين، فإنهم يقولون إن محاولات الحكومة الشديدة لقمع المعارضة السياسية قد أثارت الاستياء.

وأفادت مجموعات الدفاع بأن حالة حقوق الإنسان قد تدهورت بشكل حاد في العام الماضي حيث اتخذت البحرين خطوات، بما في ذلك استئناف محاكمات المدنيين في المحاكم العسكرية، والتي تتناقض مع توصيات لجنة مستقلة تم تشكيلها بعد عام 2011.

ووفقا لما قالته «حنان صلاح»، من منظمة «هيومن رايتس ووتش»، فقد بدأت الحكومة البحرينية حملة قمع غير مسبوقة على المعارضين، والقيام بعمليات اعتقال جماعية، وترحيل بعض الناشطين، وتجريد آخرين من جنسيتهم، وغالبا ما يستخدمون تهديد الإرهاب كذريعة لإسكات المعارضين والنقاد، من بينهم العديد من الشيعة.

وقالت «صلاح»: «إن الحكومة الحالية تنفذ القانون بعنف واضح للغاية، وليس هناك مجال للمعارضة في هذا البلد»، كما أن السلطات متهمة بإساءة معاملة السجناء وفشلها في تقديم الإجراءات القانونية الواجبة، وقال عدد من المحتجزين الذين قابلتهم صحيفة «واشنطن بوست» إنهم تعرضوا للتعذيب والاعتداء الجنسي في حجز الحكومة، وقد أبلغت الصحيفة هذه الحوادث إلى جهة تراقب الحكومة لتقوم بالتحقيق.

  كلمات مفتاحية

البحرين شيعة البحرين إيران الأسطول الخامس

باحثة أمريكية: القمع يدفع المعارضة البحرينية إلى العنف