«جيوبوليتيكال فيوتشرز»: كيف تؤثر احتجاجات الأردن على استقرار الشرق الأوسط؟

الأربعاء 6 يونيو 2018 12:06 م

لأعوام، كانت الأردن دولة مستقرة إلى حد ما في منطقة غير مستقرة، لكن عطلة نهاية هذا الأسبوع كانت متوترة بشكل غير معهود في الأردن؛ حيث خرج الآلاف من المتظاهرين إلى الشوارع للاحتجاج على إجراءات التقشف الحكومية.

وفي غضون أيام من اندلاع الاحتجاجات، استقال رئيس الوزراء «هاني الملقي»، وأمر الملك «عبدالله الثاني» وزير التعليم «عمر الرزاز» بتشكيل حكومة جديدة.

لكن كم يهم حقا أن تعيش دولة صغيرة مثل الأردن نوعا من الاضطراب الاجتماعي الذي هو طبيعي في منطقة فوضوية؟ لنرى ذلك.

شهدت الأردن ظروفا اقتصادية أسوأ بكثير من قبل، لكن الاحتجاجات الأخيرة تنبع من المشاكل الاقتصادية التي تصل إلى مساحة أعمق بكثير، وصولا إلى حياة ومستوى معيشة الأردنيين العاديين.

وتعد الأردن دولة صغيرة مع موارد طبيعية محدودة، ولا يمكنها فعل الكثير للتحكم في أسعار السلع المستوردة، وتعتمد بدرجة كبيرة على التمويل الخارجي للتنمية الاقتصادية والاستقرار.

وكما فعلت في الماضي، لجأت الحكومة الأردنية إلى صندوق النقد الدولي عام 2016 للحصول على الائتمان للتعامل مع تزايد العجز في الميزانية والديون.

وكجزء من خطة إعادة الهيكلة من صندوق النقد الدولي، نفذت الحكومة تدابير تقشف شملت خفض الدعم على أكثر من 150 سلعة وخدمة شملت بعض المواد الغذائية الأساسية، وإدخال ضريبة بنسبة 10% على السلع الزراعية، التي كانت معفاة في السابق من الضرائب.

وبدأت الاحتجاجات العامة ضد ارتفاع أسعار الخبز منذ 6 أشهر من قبل مجموعة من العاطلين عن العمل في أماكن معزولة، وتطورت إلى مظاهرات منظمة تضم مجموعات متعددة وآلاف المتظاهرين.

وحاولت الحكومة تخفيف بعض الآلام المرتبطة بارتفاع الأسعار من خلال التحويلات النقدية المباشرة إلى الأفراد ذوي الدخل المنخفض، لكن القضايا كانت هيكلية، ولا تختفي تلك الأنواع من القضايا بين عشية وضحاها.

وتحتل الأردن موقعا استراتيجيا في الشرق الأوسط، بين (إسرائيل) والسعودية، وهما من أقوى القوى في المنطقة، وإلى الشمال والشمال الشرقي تقع سوريا والعراق، المناطق الساخنة الرئيسية في المنطقة التي اجتذبت قوى إقليمية وعالمية، مثل إيران وتركيا وروسيا والولايات المتحدة.

وكانت الأردن في البداية قلقة بشأن الأزمات في سوريا والعراق، بسبب الخوف من وصول تنظيم «الدولة الإسلامية» أو موجات اللاجئين الفارين من هذه الدول إلى حدودها.

وفي الواقع، تعد الأردن الآن موطنا لـ660 ألف لاجئ سوري، أي نحو 7% من مجموع سكانها، لكن تهديد توسع «تنظيم الدولة» في الشرق الأوسط قد تراجع إلى حد كبير، حيث تحولت المجموعة الآن إلى خلايا نائمة وجيوب معزولة في بعض الأراضي.

ومع ذلك، لا تزال سوريا والعراق تستضيفان مجموعة من التحديات لبلدان المنطقة، وإذا ما أخذت تلك البلدان منعطفا نحو الأسوأ، فمن المرجح أن تكون الأردن من بين أول من يعاني، ولهذا السبب، فإن الاستقرار النسبي في الأردن له أهمية كبيرة في الشرق الأوسط وما وراءه.

مهم للشرق الأوسط

وسوف تراقب (إسرائيل)، على سبيل المثال، التطورات في الأردن عن كثب؛ حيث تشترك في أطول حدودها مع الأردن، وغالبية الأردنيين يمتلكون أصولا فلسطينية.

وتعتمد الأردن بشدة على (إسرائيل) من أجل أمنها القومي، وتساعد الأردن (إسرائيل) على احتواء التهديدات المحتملة، لكن (إسرائيل) معرضة للخطر في الوقت الراهن، وقوات الدفاع الإسرائيلية في حالة تأهب بسبب تصاعد عدم الاستقرار في الضفة الغربية وغزة ومرتفعات الجولان وشبه جزيرة سيناء ولبنان.

ويزداد تعرض (إسرائيل) للخطر مع تدهور الاستقرار في المنطقة، ومع تحول المجموعات الإيرانية بالوكالة لممارسات أكثر نشاطا، ولا تحتاج (إسرائيل) إلى اندلاع صراع آخر على طول حدودها، وستفعل ما في وسعها للحفاظ على استقرار الأردن ومنع فراغ السلطة من التطور هناك.

ولدى الولايات المتحدة أيضا مصلحة قوية في الأردن، التي طالما كانت شريكة عسكرية موثوقة لواشنطن، وفي الحرب ضد «تنظيم الدولة»، خدمت البلاد كمركز لوجستي مهم.

وكانت قاعدة «موفق السلطي» الجوية، الواقعة بالقرب من الحدود السورية والعراقية، أساسية في مهمات قاذفات القنابل التي تستهدف أراضي تنظيم «الدولة الإسلامية»، ولدى الولايات المتحدة نحو 2800 جندي في الأردن، للمساعدة في تدريب القوات المحلية، وبحسب ما ورد فإن لديها صواريخ باتريوت تتمركز هناك أيضا.

وقد استثمرت الولايات المتحدة مليارات الدولارات لتأمين هذه العلاقة، بما في ذلك 3.75 مليار دولار كضمانات قروض منذ عام 2013.

وفيما يتعلق بالدفاع، قامت الولايات المتحدة بتطوير خطة المشتريات العسكرية لـ5 أعوام للجيش الأردني، ويسمح القانون الأمريكي بإجراء مراجعة سريعة وزيادة عتبة القيمة لمبيعات الأسلحة إلى الأردن.

وفي فبراير/شباط، وقع البلدان مذكرة تفاهم ثالثة، وهي صفقة ستزود الأردن بأكثر من 1.27 مليار دولار من المساعدات الأجنبية سنويا على مدى 5 أعوام، بزيادة قدرها 27% عن الاتفاقية السابقة.

وعلى الرغم من تباطؤ وتيرة العمليات ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، ومحاولة الولايات المتحدة الحد من وجودها العسكري في الشرق الأوسط، تبقى الأردن شريكا قيما للولايات المتحدة، وأي شيء قد يعرض هذه العلاقة للخطر يشكل تهديدا للمصالح الأمريكية.

ولا ترتقي الاحتجاجات لهذا المستوى، لكن واشنطن ستبقى حذرة رغم ذلك.

ثم هناك إيران، التي لديها مصلحة راسخة في إضعاف (إسرائيل)، ولدى طهران قوات في كل من سوريا والعراق، وتحاول توسيع نفوذها في المنطقة، ولا سيما من خلال مجموعاتها بالوكالة.

ووفقا لقناة «الجزيرة»، فإن الاحتجاجات التي جرت في الأردن في عطلة نهاية الأسبوع كانت مدفوعة جزئيا بحركة شبابية تدعى «الحراك الشبابي»، والتي اتهمتها الاستخبارات الإسرائيلية عام 2016 بالحصول على التوجيه والتمويل من قبل «حزب الله»، وكيل إيران القديم في لبنان.

وقامت وزارة الدفاع الإسرائيلية على الفور بحظر المجموعة، واعتبرتها منظمة ظل فلسطينية، وعلى الرغم من أن إيران لم ترتبط بشكل مباشر بعمليات المجموعة في الأردن، لكنه يجب أن تثار تلك الإمكانية، بالنظر إلى الكيفية التي يساعد بها ذلك المصالح الإيرانية في المنطقة.

وحتى الآن، تمكن النظام الملكي الأردني من السيطرة على الاضطرابات الاجتماعية، ولقد وجد وسائل لإحداث تغييرات متواضعة في الحكومة لإظهار استجابة لردود الفعل العامة.

وجدير بالذكر أنه من مايو/أيار 2016 إلى مارس/آذار 2018، تم إعادة تشكيل مجلس الوزراء ست مرات، ويبدو أن محاولات تهيئة الجمهور لتخفيض الدعم من خلال الحملات الإعلامية قد فشلت.

وفي الوقت الراهن، لم يهدد الاضطراب الاجتماعي في الأردن علاقاتها الأمنية الأساسية، ولكن ليس هناك ما يضمن أن يظل هذا هو الحال، ولا تزال البلاد بحاجة إلى طريقة لمعالجة مشكلاتها الاقتصادية الأساسية على المدى الطويل، كما أن دور إيران المحتمل في تأجيج الاضطرابات يعقد الوضع أكثر.

لكن هناك أمرا واحدا مؤكدا، وهو أن عدم الاستقرار بصورة كبيرة في الأردن سيكون له عواقب على الشرق الأوسط بأكمله.

المصدر | جاكوب شابييرو- جيوبوليتيكال فيوتشرز

  كلمات مفتاحية

احتجاجات الأردن تنظيم الدولة الإسلامية الملك عبد الله الثاني هاني الملقي عمر الرزاز