«ستيفن كوك»: لماذا يخشى قادة الشرق الأوسط منظمات المجتمع المدني؟

الخميس 7 يونيو 2018 10:06 ص

في صيف عام 2011، قامت مجموعة من الضباط العسكريين المصريين بأول رحلة إلى واشنطن بعد الإطاحة بالرئيس المخلوع «حسني مبارك»، وخلال اجتماعاتهم الخاصة والعامة لاحقا، أكد أعضاء الوفد أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي تولى السلطة التنفيذية، كان «يعد البلاد من أجل الديمقراطية».

لم يكن ذلك صحيحًا فيما يبدو كما تبين لاحقا، وعندما تم مواجهة الوفد المصري بأسئلة حول القيود الشاقة التي تفرضها الحكومة على المنظمات غير الحكومية، خاصة تلك التي تسعى للحصول على تمويل أجنبي لمتابعة أعمالها، تلاشت على الفور الأجواء الودية والبناءة للحديث عن مصر الجديدة وحلت محلها الأحاديث التقليدية حول مصر القديمة غير القابلة للتغيير.

وعند الضغط عليه، أصبح رئيس وفد الضباط غاضبا بشدة، وكان من الواضح أن الوعود بسياسة أكثر انفتاحا لم تكن تشمل منظمات حقوق الإنسان، ومجموعات الحكم الرشيد والجمعيات الخاصة التي تقدم المساعدات إلى المحتاجين، أو المنظمات غير الحكومية الأخرى.

وتعد تلك القصة معبرة ليس لأنها فريدة من نوعها، ولكنها جزء من نمط سائد في جميع أنحاء المنطقة.

في الشهر الماضي، ألقت الحكومة السعودية القبض على 11 ناشطًا كان واحدا منهم على الأقل جزءا من منظمة غير حكومية تأسست عام 2009 ثم تم حلها في عام 2013، وورد أن آخرين كانوا ينوون إنشاء منظمة غير حكومية تهدف إلى دعم ضحايا العنف المنزلي وقد وصمتهم الصحف السعودية بالخيانة.

وفي مصر، أصبح موظفو المنظمات غير الحكومية هدفا دائما للقمع الحكومي، أما في تونس، وتماشيا مع سمعتها كـ«قصة نجاح» للربيع العربي، تم خلق بيئة أكثر ترحيبا بهذه الجماعات، ولكن حتى هناك، يمكن تقييد قدرة المنظمات غير الحكومية على القيام بعملها نظرا لحالة الطوارئ وغيرها من القوانين التي تضع قيودا على الحق في التجمع.

معضلة المجتمع المدني

ويثير كل هذا سؤالا مهما: لماذا يكره قادة الشرق الأوسط المنظمات غير الحكومية؟ وغالبا ما يبدو الجواب أكثر تعقيدا مما يميل الغربيون للتفكير فيه.

تعتبر المنظمات غير الحكومية جزءًا مما يسميه علماء الاجتماع «المجتمع المدني»، وبينما لا يوجد تعريف متفق عليه للمجتمع المدني، فإن المنظر المتأخر للتحولات الديمقراطية «ألفريد ستيبان» وزميله «خوان لينز» يقدمان أحد أفضل الأوصاف حيث يعرفان المجتمع المدني على أنه تلك المساحة في النظام السياسي التي تحاول من خلالها المجموعات والحركات والأفراد المتمتعين بالتنظيم الذاتي والمستقلين عن الدولة صياغة قيم خاصة بهم وإنشاء الهياكل لتعزيز هذه القيم.

ويعد هذا التعريف وحده سببا كافيا للضغط الذي لا يلين الي تمارسه الحكومات الشرقية على المنظمات غير الحكومية حيث لا يشعر القادة في هذه الدول بالارتياح تجاه مفاهيم مثل «التنظيم الذاتي»، و«الاستقلال عن الدولة» و«إنشاء الهياكل» التي تمنح مجموعات المجتمع المدني القدرة على مساعدة الأشخاص ذوي المصالح المشتركة في التغلب على العقبات الكبيرة أمام العمل الجماعي الذي وضعتها العديد من حكومات الشرق الأوسط، بما يعني إعطاء صوت أكبر لمظالم الناس.

بالطبع، لا تعارض كل المنظمات غير الحكومية الدولة بشكل دائم، وحتى حين تكون معارضة فإن بإمكانها أن تخدم مصالح القادة، في أوائل التسعينات، انحازت المنظمات المكرسة لقضايا المرأة مع الجيش الجزائري بعد إعلان فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالانتخابات.

وفي الآونة الأخيرة، كانت منظمات المجتمع المدني جزءًا من التدفق الجماعي ضد الرئيس المصري «محمد مرسي» حيث قدمت لوزير الدفاع آنذاك «عبدالفتاح السيسي» الغطاء اللازم للإطاحة به في انقلاب عسكري عام 2013.

ثم هناك الطريقة العامة التي يتباهى بها المسؤولون في المنطقة في كثير من الأحيان بالعدد الكبير من المنظمات غير الحكومية - حتى أثناء قيامهم بقمعها-  كوسيلة لإبعاد الانتقادات من الخارج وإقناع مواطنيهم بأن هناك إصلاحات جارية.

في مقالهما الأخير في مجلة «فورين بوليسي»، قام «رونالد كريبس» و«جيمس رون» بفك رموز التفسيرات التي تقدمها الحكومات غير الديمقراطية لمعارضتها لمنظمات المجتمع المدني، لكنهما تجاهلا مجموعة قوية من الأفكار التي تعد جزءا من الجدل حول المنظمات غير الحكومية على الأقل في العالم العربي.

ونتيجة لذلك، فإن رؤيتهما لا تقدم تفسيرا للفجوة التي لا يمكن سدها بين الغربيين وزعماء الشرق الأوسط بخصوص المجتمع المدني.

أزمة الهوية والسيادة

من الخطأ أن نخلص إلى أن الاستبداد الذاتي الضيق فقط هو الذي يفسر هذا النهج الغاشم تجاه المنظمات غير الحكومية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، فبعد كل شيء، يبدو أن مجابهة هذه الجماعات (بما في ذلك في إسرائيل) لا يتناسب مع قدرتها المحدودة على إحداث أي تأثير سياسي ملموس في المنطقة.

لا شك أن العديد من المنظمات غير الحكومية قد ساعدت المحتاجين في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ولكن تلك الجماعات المخصصة لإدارة الحكم وحقوق الإنسان على وجه التحديد، لم يكن لها تأثير يذكر.

فلماذا إذن يعامل القادة الذين يملكون الدبابات والطائرات والصواريخ في الشرق الأوسط أولئك الذين ينتمون لتلك الجمعيات كمشكلة؟ ويبدو أن التهديد هنا لا يتعلق بتخفيف قبضة الاستبداد على السلطة، بل بأمر أكثر تجريدًا: الشعور الهش بالسيادة والهوية في الشرق الأوسط.

ينظر الزعماء العرب بشكل أساسي إلى المنظمات غير الحكومية، خاصة تلك التي تمول أجنبيا، كعناصر لمشروع استعماري جديد.

إن نفاق هذا الموقف بالنسبة للحكومات التي تتلقى مبالغ غفيرة من المساعدات الأجنبية أو التي تعتمد على الغرب لأمنها هو أمر بديهي، لكن ذلك لا يقلل بالضرورة من هيمنة هذا الشعور.

والحقيقة هي أن تاريخ المنطقة والروايات القومية التي تطورت على مدى القرن العشرين تجعل مجموعات المجتمع المدني هدفاً طبيعيا للمستبدين الشرق أوسطيين، الذين يميلون إلى تأطير ناشطي حقوق الإنسان الممولين من الغرب وناشطي الحكم الرشيد كآخر موجات التحديث الحضاري التي جلبها الأوروبيون إلى بلدان شمال أفريقيا والشام.

وعلى الرغم من أن الناشطين لا ينظرون إلى الأمر بهذه الطريقة فإن التركيز المبالغ فيه لقادة الشرق الأوسط على المنظمات غير الحكومية ينبع من خوفهم من أن الغرب لا يقوم فقط بدعم الأشخاص الذين يريدون العيش في مجتمعات أكثر عدلاً، بل إنه يسعى من خلال هذه المجموعات إلى تقويض الهوية الوطنية والدينية في المنطقة عبر جعل مجتمعاتها أكثر تغربا، ومن هنا تنبع اعتراضات هؤلاء القادة أن تلك المنظمات لا تتوافق مع تقاليد المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة.

وتسهم مشكلة السيادة في تفسير الظاهرة بشكل أكبر، وقد استحث الاختراق الأوروبي للشرق الأوسط في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر عملية بحث طويلة الأمد بين الشرق أوسطيين حول أفضل السبل لمواجهة هذا التحدي.

وكانت أفكار الإصلاح الإسلامي والقومية العربية والإسلام السياسي، التي شددت على الهوية، هي الاستجابات الإقليمية الأكثر فعالية واستدامة من الناحية السياسة.

واستحوذت أحداث مثل تأميم قناة السويس والثورة الجزائرية التي طردت الفرنسيين بعد 130 سنة على مخيال العرب في جميع أنحاء المنطقة وولدت شعارات جريئة وقوية مثل «مصر للمصريين» و«الإسلام ديني»، و«اللغة العربية لغتي والجزائر هي بلدي».

ومع ذلك ظلت الأسئلة حول الهوية والسيادة دون حل في كل  تلك الدول وفي دول أخرى في شمال أفريقيا والشرق الأوسط.

على سبيل المثال، تواجه مصر تذكيرًا ثابتًا بسيادتها المنتهكة، لا يشمل هذا فقط حقيقة اضطرارها السماح لـ(إسرائيل) باستخدام القوة العسكرية في أراضيها وخضوعها لابتزاز السعوديين للتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، لكن ذلك حدث حتى في وقت سابق على ذلك حين مررت الحكومة الأمريكية تعديل براونباك على قانون الاعتمادات الموحدة لعام 2005 والذي نص أن برامج الديمقراطية والحكم في الولايات المتحدة والمجموعات المختارة لتلقي الدعم وفقا لهذه البرامج، لم تعد بحاجة إلى موافقة مسبقة من الحكومة المصرية.

في واشنطن، كان هذا هو التصرف المبرر الذي ينبغي القيام به في إطار جهود الرئيس المصري «حسني مبارك» لتقويض الولايات المتحدة في ذلك الوقت، ولكن بالنسبة إلى الجنرالات في مصر، كانت تلك الأجندة الأمريكية انتهاكا فاضحا لسيادة البلاد.

لدى المملكة العربية السعودية مشاكلها الخاصة المتعلقة بالسيادة أيضا حث تم توحيد البلد بالقوة مطلع القرن الماضي، ولا يزال يحافظ على تماسكه عبر مجموعة معقدة من العلاقات والاتفاقات ضمنية لتوزيع الموارد.

ورغم أن منظمات المجتمع المدني ليس لها أي تأثير مباشر على هذه القضايا، لكنها، من وجهة نظر السعوديين، تمتلك القدرة على قلب التوازن السياسي الدقيق الذي يوحد بلادهم، وبالتالي تقويض الاستقرار وتعريض السيادة للخطر.

وفي النهاية، لا توجد وصفة سياسية يمكن أن تغير الانفصال بين الطريقة التي ينظر بها الأمريكيون والأوروبيون إلى دعمهم للمنظمات غير الحكومية في الشرق الأوسط، لكن يمكن للمراقبين الغربيين على الأقل أن يحصلوا على تقدير أفضل لسبب نظر القادة الحلفاء لهم لمثل تلك المنظمات على أنها تهديد حقيقي.

  كلمات مفتاحية

مصر السيسي السعودية السيادة منظمات المجتمع المدني