«ستراتفور»: خيارات سيئة أمام مصر في مواجهة سد النهضة

الجمعة 8 يونيو 2018 02:06 ص

على الرغم من عداء مصر الطويل لمشروع سد النهضة الإثيوبي، إلا إن إثيبوبيا ستستكمل السد قريبا، مؤكدة بذلك على تغيير ميزان القوى من القاهرة إلى دول المنبع في السودان وإثيوبيا.

وسيؤدي ضعف يد القاهرة وعدم قدرتها على اكتساب ما يكفي من النفوذ على أديس أبابا إلى إجبارها على الحفاظ على نبرة أكثر تصالحية إذا رغبت في الحصول على مشاركة في مشاريع نهر النيل المستقبلية.

الخيار شبه الوحيد

في منتصف مايو/أيار الماضي، جلس مسؤولون من مصر وإثيوبيا والسودان في أديس أبابا لمناقشة مشروع سد النهضة الذي تبلغ تكلفته 6.4 مليار دولار، سعيا لإيجاد حل للمأزق بين مصر وإثيوبيا حول مشروع الطاقة الكهرومائي على نهر النيل.

وعلى الرغم من أن المفاوضين، بما في ذلك وزراء الخارجية ورؤساء المخابرات ووزراء المياه، فشلوا في تخطي الطريق المسدود، إلا أنهم وقعوا على خارطة طريق جديدة لإنشاء مجموعة دراسة علمية لمراقبة واحدة من أكبر مخاوف مصر؛ وهي المعدل الذي سوف يملأ به المياه الخزان.

 ويبدو أن المحادثات ستؤدي إلى المزيد من المحادثات، لأن القاهرة لن يكون أمامها خيار سوى تبني نبرة أكثر تصالحية في الأشهر المقبلة إذا كانت ترغب في تقليل تأثير السد الجديد - بالإضافة إلى أي مشاريع مستقبلية - عند منبع النهر.

معركة من أجل الماء

وعلى الرغم من المحاولات الدبلوماسية، فإن الاختلافات الأساسية بين القاهرة وأديس أبابا (وكذلك الخرطوم) ستبقى مع اقتراب المشروع من الاكتمال (تقول السلطات الإثيوبية إنها تهدف إلى إنهاء المشروع بنهاية السنة الإثيوبية الحالية، التي تنتهي في أكتوبر/تشرين الأول، لكن يبدو أن هذا الإطار الزمني طموح للغاية.

تحمل مصر مخاوف مفهومة من الآثار السلبية المحتملة للسد، لأن المصب العملاق يستمد 95% من إمدادات مياهه من النهر، وبالتالي، فإن المسؤولين في القاهرة قلقون بشكل خاص من المعدل الذي تملأ به أديس أبابا خزان السد، لأن القيام بذلك بسرعة سيزيد من الضغط على إمدادات المياه في مصر.

وتقترح شركة فرنسية أجرت تقارير دراسة التأثير أن إثيوبيا تستطيع منع أي انقطاع لا داعي له في تدفق المياه إلى دول المصب إذا قامت بملء الخزان بصورة أبطأ، وعلى الرغم من أن القاهرة وأديس أبابا تتصارعان بشأن نتائج التقرير، ففي نهاية المطاف، تأمل أديس أبابا أن تملأ الخزان في حوالي ثلاث سنوات أو نحو ذلك، وهو إطار زمني أسرع بكثير من المدة التي تفضلها القاهرة.

بالنسبة لأديس أبابا، يتعامل السد مع نقص الكهرباء في البلاد ويعزز استراتيجية التنمية الخاصة بها، وعند اكتمال المشروع، فإنه سيجعل هذا البلد غير الساحلي الذي يسكنه 100 مليون ساكن أكثر جاذبية للاستثمار الخارجي.

وستكون الفوائد ملموسة أيضاً للسودان، الذي سيكون لديه خيار استخدام فائض الكهرباء من السد، وفي الواقع، أقنعت احتمالية الحصول على المزيد من الطاقة الكهربائية الخرطوم بفاعلية بتحويل انحيازها من القاهرة إلى أديس أبابا، مما أثار حفيظة مصر حتمًا.

مخاوف أخرى قادمة

بيد أن السرعة التي تملأ بها إثيوبيا الخزان، ليست مصدر قلق القاهرة الوحيد، لأن المشروع الضخم من المرجح أن يكون مجرد واحدة من العديد من المشاريع المستقبلية التي تنتهجها إثيوبيا والسودان على النيل أو روافده.

إن وجود احتمالية إقامة المزيد من المشاريع هو قلب مأزق مصر، وعلى الرغم من أن القاهرة لا تتفق في الأساس مع أديس أبابا حول المشروع الحالي، إلا إنها لا تستطيع الابتعاد عن المحادثات مع إثيوبيا خشية أن تجد نفسها بمعزل عن المشاريع المستقبلية.

لعقود من الزمان ، كانت القاهرة هي القوة المهينة على النيل بسبب المعاهدات التاريخية المتعلقة بتوزيع المياه، مما سمح لها بإملاء سياسات النهر.

لكن لأن مصر سوف تستمر في فقدان نفوذها على جيرانها في المنبع  - خاصة مع استعراض إثيوبيا لعضلاتها وسط النمو الاقتصادي السريع - لا يمكن للقاهرة تجاهل الواقع في وقت ستصبح فيه المياه أكثر ندرة من أي وقت مضى بسبب الزيادة السكانية والتلوث وتسلل المياه المالحة في قلب أراضي البلاد الزراعية والمراكز الرئيسية.

وبسبب هذه العوامل، لا يوجد لدى القاهرة خيارات تقريباً عدا البقاء في المحادثات للمساعدة في تشكيل معالم المشروع الهائل، الذي من المرجح أن يشكل سابقة لأعمال البنية التحتية المستقبلية.

لقد ولت الأيام التي كان باستطاعة القاهرة أن تكون في موقع اتخاذ القرار فيما يخص نهر النيل، وبغض النظر عما تفعله مصر، فإن إثيوبيا تمضي قدماً في مشروعها الضخم، ومع عدم قدرة مصر على ليّ ذراع أديس أبابا بسبب افتقارها للامتياز عليها، فإنها سوف ستغير سياستها لتحافظ على قدر أكبر من التصالح.

 لا توجد ضمانات بأن تنجح مبادرات القاهرة تجاه أديس أبابا، لكن مصر المعتمِدة على مياه النيل لا يمكنها  إلا أن تأمل أن تثمر دبلوماسيتها.

المصدر | ستراتفور

  كلمات مفتاحية

مصر إثيوبيا نهر النيل سد النهضة السودان القاهرة حرب المياه النيل النهضة