استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الغرب كحليف طبيعي!

الاثنين 9 مارس 2015 03:03 ص

لما كان السلام يأتي بفضل تدخل الغرب وبمعاونته فإن الغرب، وهو موطن الاستعمار السابق، يصبح حليفاً طبيعياً لنا، فقد ناصرنا في قضايانا المصيرية، وأرجع إلينا أرضنا وأحيا شبابنا، وأرجع البسمة إلى وجوه أمهاتنا وأخواتنا وزوجاتنا، بحسب ما يرى أنصار الغرب طبعاً. وبهذه الكيفية نصبح جزءاً من الغرب، ويصبح الغرب مرجعنا الأول. لقد استرددنا أرضنا سلماً بمعاونة الغرب الرأسمالي وخسرناها حرباً بمعاونة الشرق الاشتراكي!

ثم نقع في «التغريب» بأيدينا، تغريب وعينا القومي. ولما كان الغرب نفسه هو الحليف الطبيعي للولايات المتحدة الأميركية، فإننا أيضاً نصبح حليفاً لها، وهي التي تملك بناصية مصيرنا القومي، وبيدها 99% من أوراق اللعبة في المنطقة، وهي التي بيدها مفتاح الحياة والموت لنا ولأعدائنا!

ثم نتبنى نظام الغرب الاقتصادي، وتصبح الرأسمالية هي النظام الأصلح لنا. والواقع أن الغرب لم ينصِّب نفسه مدافعاً عن قضايانا إلا بعد أن اطمأن إلى أننا أصبحنا من حلفائه الاقتصاديين، فتأتي رؤوس الأموال الأجنبية، وتفتح الشركات العالمية فروعاً لدينا، ويفرض البنك الدولي شروطه، ويطالب برفع الدعم عن الأسعار حتى يصبح الأغلبية من المواطنين المصريين من محدودي الدخل في مواجهة الغلاء والأسعار العالمية، وتعفى شركات الانفتاح من الضرائب لمدة معينة، ويتم الاستيراد والتصدير بلا قيود، ونعود من جديد إلى اقتصاد ما قبل طلعت حرب!

وتكون أقصى أمانينا لأجيال قادمة تكوين اقتصاد وطني، وإلغاء المعاهدة مع بريطانيا الجديدة، ومقاومة المستعمرين الجدد. وكأن التاريخ لا يمثل بالنسبة لنا تراكماً حضارياً. نعود كما بدأنا. ونبدأ كي ننتهي ثم نعود من جديد دون أن نكسب خبرة أو نتعلم من دروس التاريخ، ودون أن يبقى لدينا رصيد سياسي ومخزون تاريخي يسمح لنا برؤية المستقبل حتى لا تتكرر أخطاؤنا. وفي الوقت نفسه نفخر بأننا حضارة سبعة آلاف سنة. وما حققته الصهيونية أخيراً من إعادة دولة بني إسرائيل هو في الحقيقة تراكم طويل من خبراتهم التاريخية عبر آلاف السنين.

ثم نستورد مع النظام الرأسمالي مشاريع الغرب وقيمه الحضارية، فتنشأ لدينا أنماط جديدة من الحياة، نقلد بها غيرنا. فمجتمع الرفاهية لا يقدر عليه إلا الأغنياء، وزيادة الإنتاج تتطلب قدرة على الإنتاج قد لا نملك مواردها ولا أساليبها. وتبقى لنا زيادة الاستهلاك أي امتصاص اقتصادنا الوطني وابتلاعه أولاً بأول من دون عائد ولا ادخار. وتفرض قيم الاستهلاك نفسها علينا مع رغبة زائدة في النهم والثراء ومظاهر الغنى وأساليب البذخ عند الطبقات التي انقلبت من الفقر إلى الغنى دون جهد وبلا وقت وبغير أهله. وقد تنتهي الأمة كما وصف ابن خلدون.

يصدر الغرب مشروعه القومي - أكبر قدر ممكن من الإنتاج لأكبر قدر ممكن من الاستهلاك لأكبر قسط ممكن من الرفاهية - بعد أن ثبت فشله لديه إثر أزمة الطاقة، وسيطرة الشعوب النامية على مواردها الأولية وثرواتها الطبيعية، وأزمة الحضارة الغربية ذاتها التي تعبر عنها جموح الشباب وانحرافهم أحياناً.

وأخيراً، تضيع هويتنا القومية، ونتخلى عن تاريخنا الطويل، ونستأصل جذورنا بأيدينا، ويأمن الاستعمار مخاطر ثقلنا التاريخي ويقظة وعينا القومي التي يشوهها الغرب بدراساته الأنثروبولوجية عن المأثورات الشعبية والحضارات القديمة وأشكال التخلف وبدايات الإنسان. وتكون روحنا قد أصبحت أسيرة حتى يُقضى عليها بالموت بطئاً. ونكون أمام مجتمع يعض بالنواجذ على هويته في أمور شكلية فحسب ويعتز باستمراره عبر التاريخ على رغم حياة «الجيتو» بين الشعوب. 

* د. حسن حنفي أستاذ الفلسفة - جامعة القاهرة

  كلمات مفتاحية

الغرب العرب الهوية القومية الحليف الطبيعي الرأسمالية التغريب السلام