«فورين أفيرز»: كيف صمدت قطر أمام الحصار؟

الاثنين 18 يونيو 2018 02:06 ص

في يونيو/حزيران 2017، قطعت البحرين ومصر والسعودية والإمارات العلاقات الدبلوماسية مع قطر، وأقامت حظرًا اقتصاديًا وتجاريًا، وأغلقت الحدود البرية الوحيدة لقطر، كما قيدت بشدة الطرق البحرية والأجواء المفتوحة أمام حركة المرور المتجهة إلى قطر.

ولم تكن هذه المرة الأولى التي أدى فيها الإحباط بسبب السياسة الخارجية المميزة لدولة قطر إلى أزمة، ففي عام 2014، سحبت البحرين والسعودية والإمارات سفراءها من الدوحة، غاضبين من سياسات قطر ما بعد الربيع مثل دعمها المتصاعد للحركات الإسلامية.

ورغم أن هذا الخلاف تمت تسويته بعد تسعة أشهر، فإن القيادة القطرية تعلمت درساً؛ أن الأمر يمكن أن يحدث مرة أخرى.

وبعد يوم واحد فقط من الإعلان عن ذلك، صدم الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» كلا من الدوحة ووزير خارجيته ووزير دفاعه عن طريق إصدار سلسلة من التغريدات التي دعمت هذه الخطوة، وقال إن قطر تدعم التطرف متجاهلا أن قطر، مثلها مثل العديد من دول الخليج الصغيرة، لديها وضع دفاعي وأمني متميز يعتمد على شراكتها مع الولايات المتحدة.

ولكن بعد أكثر من عام على الحصار، يبدو أن قطر تفوقت على منافسيها، فقد علمت أزمة 2014 الدوحة أهمية تطوير خطط طوارئ، ومع قرار «ترامب» غير المتوقع بدعم الحصار في البداية، سارعت قطر إلى بذل الجهود لتنويع اقتصادها وتوسيع نطاق شراكاتها الدولية وتقليل تعرضها للصدمات الخارجية.

وعلى الرغم من أن الحصار ما زال قائماً، لكن قطر أثبتت قدرتها على الصمود أكثر مما توقع معظم الناس.

شراكات جديدة

لعقود من الزمان، ربطت الروابط الاجتماعية والتجارية المترابطة بشكل كبير بين دول الخليج وكان أحد التأثيرات المباشرة لهذه الأزمة هو تعطيل هذه الروابط الراسخة.

فقبل الحصار كان ما يصل إلى أربعة أخماس واردات الأغذية لقطر تدخل إما مباشرة عبر الحدود البرية مع السعودية أو بشكل غير مباشر عبر طرق الشحن التي تمر عبر الموانئ الإماراتية مثل جبل علي.

لكن في يونيو/حزيران 2017، أغلق السعوديون والإماراتيون موانئهم أمام الشحن البحري القطري، وحظرت الإمارات السفن القطرية من مركز تموين الفجيرة الإقليمي للتزود بالوقود وقد أثرت هذه القيود أيضا على الناقلات التي كانت تحمل في السابق شحنات النفط الخام القطري إلى جانب سفن الكويت وعمان والسعودية والإمارات.

لكن من المهم ملاحظة أن مصر لم تمنع قطر من عبور قناة السويس ولم تجبر 300 ألف مصري يعيشون في قطر على المغادرة، وكان من شأن أي من الحالتين أن يتسبب في تعقيدات هائلة لقدرة قطر على تصدير الغاز الطبيعي المسال إلى الأسواق الأوروبية الرئيسية وإلحاق الضرر بعمل البيروقراطية القطرية التي توظف الكثير من المصريين.

ومع إغلاق معظم الطرق التجارية التقليدية، كان على قطر اتخاذ ترتيبات بديلة، وقد بدأت البلاد بالفعل عملية تنويع شراكاتها الإقليمية والدولية بعد أزمة الخليج الأولى في عام 2014 واستفاد القادة القطريون من الموارد المهمة لهيئة الاستثمار القطرية والكيانات المرتبطة بها، ما زاد الاستثمارات عبر آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية وروسيا.

واشترت قطر كيانات رئيسية في فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة مثل نادي باريس سان جيرمان لكرة القدم ودويتشه بنك وحي كناري وارف المالي في لندن، وأصبحت مستثمرًا أساسيًا في البنك الزراعي الصيني.

كما استثمرت في مشاريع السياحة والطاقة والبنية التحتية في جنوب شرق آسيا، وأطلقت مشاريع مشتركة للأغذية والأمن والأعمال والاستثمار في الهند، وقد سهلت هذه الروابط عملية إعادة الهيكلة التالية لطرق التجارة والشحن القطرية، وعلى سبيل المثال، أنشأت الهند خدمة حاويات مباشرة لربط قطر بميناءين هنديين خلال عشرة أيام من بدء الحصار.

وصعبت صفقات واستثمارات الطاقة هذه على دول الحصار مهمة الحصول على أي دعم دولي مجد، لمحاولتها عزل البلاد، بصرف النظر عن الوصول المبتكر في البداية إلى أعضاء الدائرة الداخلية لـ«ترامب» وقد بعث هذا برسالة مفادها أن قطر ظلت مفتوحة للعمل.

وتكيفت الدوحة بسرعة مع الوضع الطبيعي الجديد حيث نمت التجارة بين قطر وعمان بنسبة 144% في عام 2017، حيث تمت إعادة توجيه الشحن عبر الموانئ العمانية، كما زادت التجارة مع إيران والصين وباكستان وتركيا بشكل ملحوظ في أعقاب الحصار.

وفي فبراير/شباط 2018، أعلنت قطر للبترول أنها ستوسع إنتاج الغاز الطبيعي المسال من 77 مليون طن سنويا إلى 100 مليون طن سنويا بحلول عام 2024، ما سيولد اهتماما واسع النطاق من أوروبا وأمريكا الشمالية ويفتح إمكانية أسواق إضافية على المدى المتوسط إلى الطويل.

كما اتخذت قطر إجراءات عملية لتعزيز أمنها من خلال شراء المزيد من المعدات العسكرية وتطوير شراكات جديدة ففي عام 2014، اشترت قطر أسلحة بقيمة تقارب 24 مليار دولار من الصين ومع تكشف الأزمة الثانية، قامت قطر بتعزيز قدراتها الدفاعية من خلال الحصول على نظام صاروخي باليستي قصير المدى من الصين، والذي عرضته علنا خلال استعراض اليوم الوطني لدولة قطر في ديسمبر/كانون الأول 2017.

لكن الأهم على المدى القصير هو علاقة قطر مع تركيا ففي عام 2014، بدأ البلدان في التفاوض على اتفاقية تعاون عسكري، وفي أبريل/نيسان 2016 ، فتحت تركيا قاعدة عسكرية في قطر وهي أول قاعدة لها في الشرق الأوسط منذ العهد العثماني.

وبعد يومين فقط من بدء الحصار، عقد البرلمان التركي جلسة استثنائية للتصديق على اتفاقيات لإرسال القوات التركية إلى قطر والسماح للجيش التركي بتدريب قوات الأمن القطرية وفي غضون أسابيع، أرسلت أنقرة قوات تركية إلى الدوحة لإجراء تدريبات مشتركة، ما رفع تكلفة أي عمل عسكري محتمل عن طريق إرسال إشارة واضحة لأعداء قطر بأن الدوحة لن تقف وحدها ضد أي هجوم.

وخلال الأشهر الستة الأولى من الحصار، أنهى الجيش القطري أيضا صفقات بمليارات الدولارات لشراء طائرات مقاتلة جديدة من فرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وقد رفعت هذه الاتفاقات الثلاثة بشكل كبير من قدرات القوات الجوية القطرية ومرافق الدعم والتدريب المرتبطة بها وقد تم التوقيع على الصفقة الفرنسية خلال زيارة الرئيس «إيمانويل ماكرون» في ديسمبر/كانون الأول 2017 إلى الدوحة وأبرزت دعم فرنسا لقطر على الرغم من الحظر.

وفي الوقت نفسه، أتمت قطر صفقة مع المملكة المتحدة قيمتها 6.7 مليارات دولار للحصول على طائرات مقاتلة من طراز تايفون وحافظت بذلك على آلاف الوظائف في شركة «BAE Systems»، وهي شركة دفاع بريطانية كبرى.

وتضمنت هذه الصفقة أيضاً إنشاء سرب مشترك تمكّن للمرة الأولى من دمج طيارين من القوات الجوية القطرية مع نظرائهم في سلاح الجو الملكي البريطاني لتسريع عملية التدريب على الطائرات المشتراة حديثا.

أرسلت الصفقة مع المملكة المتحدة رسالة أكثر قوة على الرغم من أن المفاوضات بشأن بيع معدات دفاعية بقيمة 12 مليار دولار بدأت قبل فترة طويلة من الحصار، لكن الاتفاق انتهى بعد ثمانية أيام فقط من قيام «ترامب» بمهاجمة قطر على «تويتر»، وقد أتاح ذلك فرصة مناسبة في الوقت المناسب لوزارة الدفاع ووزارة الخارجية لإعادة التأكيد على قيمة قطر كشريك للولايات المتحدة، وأشار متحدث باسم وزارة الخارجية إلى أن الاتفاق كان «عرضًا ملموسًا لدعم علاقاتنا الدفاعية».

وردت الحكومة القطرية على تغريدات «ترامب» من خلال زيادة تعاونها بشكل واضح مع الحكومة الأمريكية بشأن قضايا ذات اهتمام وقلق مشترك.

وفي يوليو/تموز 2017، أصبحت قطر أول دولة خليجية توقع مذكرة تفاهم مع الولايات المتحدة حول مكافحة الإرهاب وبعد بضعة أشهر، أقيم أول حوار قطري أمريكي لمكافحة الإرهاب في العاصمة واشنطن.

وفي يناير/كانون الثاني عام 2018، افتتح حوار استراتيجي بين الولايات المتحدة وقطر وعلى خلفية هذه التحركات، وتوجت الجهود بعكس «ترامب» موقفه، حيث أشاد في اتصال هاتفي في يناير/كانون الثاني 2018 مع أمير قطر «تميم بن حمد آل ثاني» بقطر كشريك في الحرب ضد الإرهاب ودعا إلى حل سريع لأزمة الخليج.

وبالإضافة إلى تشكيل شراكات جديدة، عجّلت قطر جهودها لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وفي مارس/آذار 2018، أنشأت وزارة الدفاع القطرية ذراعا استثمارية، وهي برزان القابضة، لإدارة المشتريات الاستراتيجية وإنشاء شراكات جديدة مع شركات الدفاع والأمن، ولدعم البحث والتطوير.

وعلى رأس الأهداف الرئيسية لشركة برزان القابضة يقع هدف بناء رأس المال البشري والتكنولوجي في قطر، فعلى سبيل المثال، وقعت برزان وشركة الدفاع التركية أسيلسان اتفاقية شراكة لتغطية نقل بعض التكنولوجيا.

كما أدى الحصار إلى توسيع كبير في قدرات التصنيع الغذائي والزراعي في قطر، وقد جعلت هذه التطورات البلاد أكثر أمنًا غذائيًا وسمحت لها بالتغلب على اعتمادها على السعودية للمنتجات الزراعية المستوردة.

الخليج المتغير

وقد سمحت هذه التدابير لقطر بمواجهة الحظر، وفي الواقع بعد سنة على الأزمة فإن قطر تعاني من عجز مالي أصغر، ولديها زيادة جوهرية في الاحتياطيات الأجنبية، وتحسن في الميزان التجاري، وقطاع مصرفي كامل التعافي.

ولكن من المؤكد أن الأزمة لم تكن خالية من التكلفة، فقد أعلنت الخطوط الجوية القطرية، على وجه الخصوص، عن خسارة كبيرة (لكن لم يتم الكشف عنها) حيث أدى إغلاق معظم المجال الجوي الإقليمي حول قطر إلى ارتفاع كبير في تكاليف التشغيل.

وتظهر عزلة قطر كيف يمكن لدولة صغيرة تحت ضغط شديد أن تستفيد من مواردها لزيادة المرونة الوطنية.

وبالطبع فإن احتياطيات النفط والغاز الطبيعي في قطر تفوق الموارد المتاحة لمعظم الدول الصغيرة ومع ذلك، يمكن لبلدان مثل النرويج وسنغافورة وتايوان أن تتعلم من جهود قطر لتنويع علاقاتها السياسية والاقتصادية والأمنية، وقد أثارت أزمة الخليج بالفعل جدلاً قوياً حول هذا الموضوع في سنغافورة.

كما أعادت الأزمة صياغة سياسات الخليج بطرق لها آثار بعيدة المدى، وعلى مدار 36 عامًا، كان مجلس التعاون الخليجي المؤسسة الإقليمية الأكثر ديمومة في الشرق الأوسط لكنه تضرر اليوم بشكل كبير، وربما لا يمكن إصلاحه، فقد حل محله محور جديد يمتد من الرياض إلى أبوظبي.

وفي الوقت نفسه، تعرضت دبي لهزة في سمعتها كمكان للقيام بأعمال تجارية مستقلة عن الاعتبارات السياسية أو الجيوسياسية وقبل كل شيء، عمقت محاولة عزل قطر الانقسامات بين دول الخليج تزامنا مع سحب «ترامب» الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني وحث شركاء الولايات المتحدة في المنطقة على تشكيل جبهة موحدة ضد طهران.

ومن غير المرجح أن تؤدي جهود الوساطة الكويتية إلى حل الأزمة، وقد أظهرت أزمة قطر نهاية الإجماع الإقليمي وتدخل عناصر جديدة في الهياكل السياسية والاقتصادية والأمنية في الخليج.

  كلمات مفتاحية

قطر حصار قطر الإمارات السعودية الاقتصاد القطري الخطوط الجوية القطرية ميناء حمد