لعبة التوازن الروسية بين السعودية وإيران.. هل تنجح للأبد؟

السبت 30 يونيو 2018 01:06 ص

منذ أن تولى السلطة لأول مرة في مطلع القرن، لم يكن نهج الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» إزاء المنافسات بين الأطراف المختلفة بأن يميل مع واحد ضد الآخر، ولم يظل محايدا كذلك، ولكن كان نهجه التعاون مع الجانبين في آن واحد.

وكثيرا ما يكون كل جانب في التنافس غير راض عن التعاون الروسي مع الطرف الآخر، ولكن ما يبدو أن «بوتين» يراهن على أن كل جانب يخشى إذا لم يتعاون مع موسكو أن يدفع روسيا بذلك نحو دعم منافسه بشكل أكبر، مما يعطي الحافز لكل طرف للاستمرار أو حتى زيادة التعاون مع روسيا.

ويتلاءم نهج «بوتين» تجاه التنافس السعودي الإيراني تماما مع هذا النمط. ومع ذلك، في حين أن نهج «بوتين» في التنافس السعودي الإيراني يمكن وصفه بـ«الميكافيلي»، فإنه يجب القول أيضا إن موسكو تحصل على تعاون حقيقي من كل من إيران والمملكة العربية السعودية.

حلف طهران

وتتمتع موسكو بعلاقات جيدة مع إيران لعدة أسباب. أولا وقبل كل شيء، ترى موسكو أن طهران حليف قوي في معارضة السياسة الخارجية الأمريكية، وفي الوقت نفسه، رأت موسكو عزلة إيران الاقتصادية عن الغرب كفرصة للشركات الروسية للحصول على حصص في قطاع الطاقة الإيراني، دون الاضطرار إلى مواجهة المنافسة من الغرب. وفي الواقع، أعرب بعض المعلقين الروس عن خشيتهم من أن نجاح «أوباما» في التوصل إلى اتفاق نووي مع طهران من شأنه أن يؤدي إلى تقارب إيراني أمريكي أوسع، يؤدي بدوره إلى اعتماد إيران على الغرب أكثر مما تعتمد على روسيا اقتصاديا.

لكن بالإضافة إلى رؤية إيران كحليف ضد الولايات المتحدة، تعتبر موسكو طهران أيضا حليفا ضد اثنين من التهديدات المشتركة الأخرى، وهما الانفصالية، والجهاد السني. وتواجه كل من روسيا وإيران حركات انفصالية داخل بلدانهما، ولذلك ليس من المستغرب أن يدعم كل منهما الآخر. وكانت موسكو على وجه الخصوص ممتنة لأن الجمهورية الإسلامية اختارت ألا تنظر إلى المتمردين الشيشان كمسلمين متضررين ينبغي دعم قضيتهم.

وتنظر موسكو وطهران أيضا إلى جماعات مثل تنظيم «القاعدة» وتنظيم «الدولة الإسلامية» على أنها تهديدات مشتركة، لأن هذه الحركات الجهادية السنية ليست معادية للغرب فحسب، بل أيضا معادية لروسيا ومناهضة للشيعة. وفي دفاعهما المشترك عن نظام «الأسد» في سوريا، تتعاون موسكو بشكل كبير مع طهران في دعم المسلحين المناهضين لأمريكا والمناهضين للسنة.

علاقات مع السعودية

وفي نفس الوقت، تقيم موسكو علاقات جيدة مع السعودية لعدة أسباب، فلطالما سعت موسكو إلى زيادة العلاقات التجارية والاستثمارية مع المملكة. وتأمل شركات النفط والبترول والطاقة النووية الروسية (من بين شركات أخرى) أن تستفيد من ذلك. كما تسعى موسكو إلى إقامة علاقات جيدة مع السعودية لدفعها لتقليص الدعم لقوى المعارضة السنية في روسيا.

علاوة على ذلك، تقدر موسكو الرياض لكونها حليفا وثيقا للولايات المتحدة لا يتبع واشنطن في كل شيء، بما في ذلك فرض عقوبات على روسيا بشأن قضية أوكرانيا. وبينما قاومت موسكو منذ فترة طويلة دعوات الرياض إلى روسيا للانضمام إلى منظمة «أوبك» في تقييد إنتاج النفط من أجل دعم الأسعار، فإنها رأت في الآونة الأخيرة قيّمة للتعاون مع الرياض ضد «التهديد» المشترك من زيادة إنتاج النفط الصخري الأمريكي، خاصة مع انتعاش الأسعار منذ أن بدأ هذا التعاون.

علاوة على ذلك، وفي حين أن آمال موسكو في أن يشتري السعوديون كميات كبيرة من الأسلحة الروسية قد أصيبت بخيبة أمل منذ فترة طويلة، فإن تعبير الرياض الأخير عن نية شراء أنظمة الصواريخ الدفاعية المتقدمة من طراز «إس-400» ربما يكون قد كسر الجليد في هذه القضية (على الرغم من أنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الصفقة سوف تمضي قدما في الواقع).

تجنب الاختيار

وفي الغالب، حاولت موسكو الحفاظ على علاقاتها مع كل من الرياض وطهران على أساس ثنائي، وليس بالاختيار بينهما. وتبيع موسكو الأسلحة إلى طهران، لكنها أيضا على استعداد لبيع الأسلحة إلى الرياض. وقد أكملت موسكو مفاعلا نوويا لإيران، وهي مستعدة لبناء أكثر منه، ولكنها أيضا على استعداد لبناء مفاعلات نووية للمملكة.

ومنذ فترة طويلة، تعمل شركات النفط الروسية في إيران، وتسعى إلى زيادة مشاركتها في السعودية كذلك. ويعود التعاون الروسي مع منظمة أوبك بشأن تقييد الإنتاج النفطي بالفائدة على المملكة وإيران على السواء، لأنهما عضوان في منظمة أوبك. وبعبارة أخرى، أيا كان ما تفعله روسيا مع طرف، فإنها أيضا مستعدة للقيام بنفس الشيء مع الطرف الآخر.

ومع ذلك، لا يمكن لموسكو أن تفصل علاقاتها مع طهران والرياض بشكل كامل، لأن التنافس السعودي الإيراني يجري في بلدان أخرى في المنطقة، بما في ذلك سوريا ولبنان والعراق واليمن والبحرين. وفي سوريا، انحازت روسيا بوضوح إلى إيران في دعم نظام «الأسد»، ضد السعودية التي دعمت معارضي «الأسد» من العرب السنة.

لكن موسكو لم تكن حليفة بشكل وثيق مع إيران في حالات الصراع الأخرى، وفي لبنان، سعت موسكو إلى إقامة علاقات جيدة مع مجموعة «حزب الله» الشيعية التي تدعمها طهران، لكنها سعت كذلك لنفس الأمر مع منافسيها من المسلمين السنة والمسيحيين. وفي العراق، تتمتع موسكو بعلاقات جيدة مع الحكومة المدعومة إيرانيا وأمريكيا في بغداد، ولكن نفس الأمر يسري مع الحكومة الإقليمية الكردية المعادية لإيران والمدعومة من الولايات المتحدة.

وفي اليمن، تعترف موسكو بحكومة هادي المدعومة من السعودية، ولكن لها علاقات جيدة مع خصومها «الحوثيين» المدعومين من إيران (بالإضافة إلى المناطق الجنوبية المدعومة من الإمارات العربية المتحدة). وفي البحرين، تتباعد السياسة الروسية بشكل خاص عن إيران؛ فبينما تعلن طهران عن تعاطفها مع الأغلبية الشيعية التي تحكمها العائلة المالكة التي تنحدر من الأقلية السنية، تتمتع موسكو بعلاقات قوية وتدعم للنظام الملكي البحريني. وأخيرا، فإن علاقات موسكو الوثيقة مع (إسرائيل) تجعلها أكثر انسجاما مع السعودية، التي تتعاون بهدوء مع الدولة اليهودية، وليس مع إيران.

والتنافس السعودي الإيراني مفيد بالفعل لروسيا، بمعنى أنه كان دافعا لكل من الرياض وطهران لكي يعززا التعاون معها بفعالية أكبر مما كانت عليه الحال خلاف ذلك. وقد تتغير هذه الديناميكية على الرغم من ذلك، إذا تحول التنافس السعودي الإيراني إلى صراع مفتوح بين الاثنين. وإذا حدث هذا، فمن المرجح أن تنضم الولايات المتحدة (ربما تحت أي رئيس، ولكن بشكل خاص في ظل «ترامب») إلى جانب السعودية ضد إيران.

وقد يؤدي هذا إلى وضع لم يعد يسمح لموسكو بالاحتفاظ فيه بعلاقات جيدة مع كلا الجانبين. لأنه إذا دعمت روسيا إيران في صراع ضد السعودية المدعومة من الولايات المتحدة، فإن روسيا قد تفقد نفوذها بسرعة مع السعودية وحلفائها العرب. ولكن إذا تحولت موسكو إلى الحيادية، فإن ذلك قد يجعلها تبدو شريكا غير موثوق به بالنسبة إلى إيران والحكومات الأخرى التي تسعى للحصول على دعم روسي ضد الولايات المتحدة. حتى أنه قد يتم التوصل إلى نتيجة في إيران، مثل تلك التي وصل إليه «السادات» في مصر في السبعينات، وبما أن موسكو لم تكن قادرة أو لا تستطيع أن تعززها عسكريا ضد خصمها المدعوم من الولايات المتحدة، فإن التقارب مع الولايات المتحدة كوسيلة لتقييد هذا الخصم خيار مفضل.

لكن مع إعلان الرئيس «ترامب» مؤخرا عن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، فإنه من غير المرجح أكثر من أي وقت مضى أن يكون هناك أي نوع من التقارب بين واشنطن وطهران. وفي الواقع، استفاد «بوتين» من خطوة «ترامب»؛ من خلال إثارة خلاف بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين من جهة، ومن خلال جعل إيران أكثر اعتمادا على موسكو من ناحية أخرى. وعلاوة على ذلك، لا يبدو أن موافقة السعودية (مثل إسرائيل) على انسحاب ترامب من خطة العمل المشتركة الشاملة، على خلاف روسيا التي لا تزال تدعمها، لا يبدو أنه قد أثر سلبا على التعاون السعودي الروسي (أو الإسرائيلي الروسي).

ومع ذلك، وبينما استفادت موسكو من التنافس السعودي الإيراني، الذي أدى إلى مغازلة الرياض وطهران لموسكو، لا تريد روسيا أن يتصاعد النزاع بينهما إلى صراع مفتوح يشكل خيارات صعبة تفضل روسيا عدم مواجهتها، إلا أن دعم موسكو المستمر لكل من الرياض وطهران قد يسهم في الواقع في تصعيد النزاع بين إيران والسعودية، وهو الأمر الذي تريد موسكو تجنبه في النهاية.

المصدر | مارك كاتز - مركز الشرق الأوسط بكلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية

  كلمات مفتاحية

السعودية إيران روسيا التنافس السعودي الإيراني