استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

التدخل العسكري لمواجهة الثورة الشعبية ليس حلا

الجمعة 13 مارس 2015 03:03 ص

أربعة أعوام من الصراعات المتواصلة بين الشعوب العربية وحكوماتها تؤكد حقيقة مرة مفادها غياب الوساطات ومحاولات الإصلاح والمبادرات الإيجابية الجادة لحلحلة الأمور. 

وباختصار فإن تجميد مبدأ «إصلاح ذات البين» بين قطاعات الأمة من أوضح تجليات التخلي عن المبادئ والقيم التي من شأنها إعادة اللحمة وتنقية الأجواء في الأوساط الاجتماعية والسياسية.

من المؤكد وجود أسباب كثيرة لغياب ظاهرة إصلاح ذات البين، غير أن الجانب الأكثر إيلاما استبدالها بالتبدلات السياسية أو العسكرية أو الأمنية لصالح طرف ضد الآخر، وبالتالي تعميق الأزمة خصوصا حين يصاحب تلك التدخلات أعمال عنف وإراقة دماء. وهناك أمثلة عديدة على فشل الأمة في تفعيل آليات الإصلاح أو المصالحة أو الوساطة، برغم توفر الدليل الشرعي والعقلي على وجوب تفعيلها كأول وسيلة لاحتواء الخلاف الممقوت.

ورغم احتواء مواثيق العمل العربي المشترك المتضمنة ضمن اللوائح الداخلية للجامعة العربية الدعوات للتوسط لحل الخلافات، وتشكيل العديد من لجان المساعي الحميدة عندما تحدث أزمات بين الدول العربية، فإن مبادئ الوساطة وتقريب وجهات النظر والمساعي الحميدة لم يتم تفعيلها كثيرا خصوصا هذه المرة، بل ترك الحبل على الغارب فاتخذ التاريخ مسارات مختلفة لا يوصل أي منها إلى بر الأمان، وأصبح على الأمة دفع فواتير الاختلاف والتناحر والتقاتل.

وبدا الوضع وكأن حالة من العقم استبدلت روح العطاء والعقل والمبادرة. وربما ينظر النظام الرسمي العربي الذي كان مستهدفا بالثورات، أن هذه النتيجة تعزز موقعه وتمنحه فسحة من العمل خالية من التهديدات الحقيقية بعد أن اشتغلت المجموعات المسلحة بأجنداتها الخاصة التي ليس من بينها إقامة الحرية والعدل أو منح الشعوب حقها في تقرير مصيرها أو المشاركة في تشييد النظام السياسي الذي تريده.

لكن ثمن ذلك سيكون باهظا على الجميع. فالفتنة لا يمكن أن تكون خيارا لأمة منحها الله ثراء فكريا وثقافيا ودينيا وعرقيا، لأن تلك الفتنة توقظ الكوامن الشيطانية التي تؤدي للمزيد من الخسائر وتترك الباب مفتوحا على مصراعيه للاختلاف والتوتر والمزيد من الحروب. والأخطر من ذلك أن تنامي الروح الجاهلية، التي تمردت الشعوب عليها قرونا، وفر فرصا أكبر للخلاف والاختلاف والمعاناة والاحتراب. 

في مثل هذه الأيام من العام 2011 كانت الثورات العربية في ذروة ربيعها، وكانت الأمة، ممثلة بشعوبها التي تناغمت في شعاراتها الإصلاحية والتغييرية، تعيش واحدة من أجمل أيامها. فقد استعادت لفترة قصيرة قدرتها على اكتشاف ذاتها وهويتها وقدراتها، وتصدت، بدون استثناء، لسياسات البطش التي مارستها أنظمة الاستبداد. كانت قلوب الشعوب تخفق مع كل تظاهرة جماهيرية يهتف المشاركون فيها بالحرية. 

يومها لم يكن هناك صوت يعلو فوق صوت الثورة وهتاف الشعب الذي شمر ابناؤه عن سواعد الجد وقرروا تغيير واقعهم بأنفسهم، بعيدا عن استجداء الآخرين لمساعدتهم على ذلك. وربما كان الفلسطينيون الذين عانوا عقودا من الاحتلال والقمع والتهميش والعدوان والعقوبات الجماعية والحصار، من أكثر الشعوب حماسا للتغيير بعد أن اثبتت عقود ستة من الاحتلال حتمية حدوث التغيير الإيجابي لغير صالح الاحتلال. وثمة إدراك بأن الاحتلال أصبح مرادفا للاستبداد، وأن العلاقة بينهما تراتبية ولازمة.

فالاحتلال يعلم أن بقاءه رهن بغياب وعي الأمة ومرتبط بانشغال مكوناتها بما لا طائل فيه. من هنا فما حصل من مواقف وسياسات وتحالفات في 2011 كان جميعها يهدف لإلغاء الخيار الشعبي ووقف تداعي أنماط الحكم التي دعمها الغربيون لمنع قيام منظومة سياسية عربية منطلقة من إرادة الشعوب. وحتى حين انتخب الفلسطينيون قياداتهم بحرية قفز الغربيون على ذلك وفرضوا حصارا على أهل غزة، وهو حصار جائر ما يزال ممتدا حتى اليوم.

وما أشبه الليلة بالبارحة. فهذا نظام العسكر في مصر الذي يعتبر الأكثر عداء لمبدأ التغيير الديمقراطي في المنطقة، يسبق الدول الغربية، ويعلن منظمة «حماس» حركة إرهابية، ليغلق الباب أمام أية محاولات مطلوبة منه لتخفيف الحصار المفروض على غزة منذ أكثر من عقد كامل. وليس هناك مبادرات من أحد لتفعيل مبادرات الوساطة أو تقريب وجهات النظر بين القاهرة وغزة، وليس هناك سوى إملاءات من طرف واحد يعتقد أنه الأقدر على إعادة صياغة الموقف العربي إزاء مستقبل الوجود الفلسطيني في غزة والقطاع. إنه موقف سيضغط على الكثيرين لاتخاذ موقف داعم لحماس، لأن دموع المظلوم تتحول رصاصا يستهدف جلاديه.

كانت السعودية من أكبر القوى تحسسا لما كان يحدث في العواصم العربية. فالتغيير هذه المرة لن يكون محصورا ببقعة جغرافية محدودة، خصوصا بعد أن تصدعت جبهة مصر واستطاعت الجماهير إسقاط حسني مبارك. فتحركت الرياض سريعا لإطفاء نيران الثورة. فبعد أن تمكنت من حصر التغيير في تونس ومصر واليمن برأس الدولة فحسب، قررت اتخاذ إجراءات أوسع لحماية النظام الرسمي العربي. وفي منتصف مارس/آذار 2011 اتخذت قرارا خطيرا بإرسال قواتها إلى البحرين للقضاء على الثورة التي كانت تتوسع تدريجيا.

وقامت سياستها على محاور ثلاثة: أولها عزل ثورة البحرين عن بقية الثورات بإضفاء السمة الطائفية عليها، ثانيها: إرسال القوات العسكرية للمشاركة في التصدي للتظاهرات وحماية مؤسسات الحكم، ثالثها: السعي لتحقيق توافق داخل مجلس التعاون لتوفير غطاء سياسي لذلك التدخل.

وفي غضون 48 ساعة بعد ذلك استهدفت الأجهزة الأمنية والعسكرية فض التجمع الجماهيري بدوار اللؤلؤة بمهاجمته ليلا ومباغتة المرابطين فيه، ونشر القوات المسلحة في الشوارع وعند مداخل المدن والقرى والمنشآت الحيوية، وشن حملة اعتقالات واسعة غير مسبوقة استهدفت رموز الثورة وقادتها ونشطائها. تم ذلك بعد يوم واحد من زيارة وزير الخارجية الأمريكي، روبرت جيتس، للمنامة والرياض.

واستطاعت السعودية ضمان مشاركة إماراتية في ذلك التدخل المعلن، بينما امتنعت سلطنة عمان ودولة قطر عن إرسال قواتهما إلى المنامة. وشاركت الكويت بقطع بحرية كدعم رمزي. كان الأمل في أن يؤدي ذلك التدخل لإنهاء ثورة شعب البحرين التي اعتبرت ثغرة في الجدار الخليجي المدجج بالسلاح.

وربما حقق ذلك التدخل بعض أهدافه، ولكن بعد أربع سنوات ما يزال المشهد السياسي في هذا البلد الخليجي الصغير مصدر إزعاج لحلفاء المجلس خصوصا في واشنطن ولندن. ويبدو أن بريطانيا كانت أكثر دعما للتدخل السعودي ـ الإماراتي، بينما نأت الولايات المتحدة بنفسها عن ذلك التدخل وتظاهرت بعدم معرفتها به سلفا.

يمكن القول إن التدخل السعودي ـ الإماراتي في البحرين كان بروفة مصغرة لما سيجري لاحقا. بل أن آفاق المشهد السياسي العربي تغيرت منذ ذلك اليوم. فمغامرة التحالف السعودي ـ الإماراتي في البحرين لم تكن صالحة للتعميم إلا بتعديلات جوهرية واسعة.

فقد كانت تلك التجربة مثيرة للغط ومنطوية على مخاطر لا يمكن التنبؤ بخطرها. فمن جهة هناك البعد المذهبي وما يوفره من قدرة على صناعة مشروع طائفي يصرف اهتمام الجماهير العربية عن مشاريع الحرية والتحرير والاستقلال. ومن جهة أخرى وفرت تجربة التدخل في البحرين فرصة لكسر العائق النفسي الذي يحول دول استخدام القوة ضد المواطنين العزل. 

وثالثا وفرت التجربة مجالا لفحص مدى استعداد الغرب لدور إقليمي في التصدي للثورات العربية، خصوصا بعد أن بدا الموقف الأمريكي متأرجحا بين دعم التحول الديمقراطي وحماية الأنظمة الحليفة. ويمكن القول إنه برغم عدم نجاح ذلك التدخل في إنهاء الحراك الميداني للثورة البحرانية فإنه ساهم في عدد من الأمور:

  • أولها أنه نجح في إضعاف جبهة الحراك الثوري العربي التي استهدفت لاحقا من قبل السعودية والإمارات، وكان التجلي الأكبر لذلك ما حدث في مصر بعد أقل من 30 شهرا، حين وفر الدعم الاقتصادي والسياسي للانقلاب العسكري الذي نفذه المشير عبد السلام السيسي.
  • ثانيها أن تلك التجربة وفرت لقوى الثورة المضادة فرصة لبناء جبهة مضادة للتغيير، مدعومة بالدولار النفطي والإقرار الغربي.
  • ثالثها: كانت تجربة للتعرف على مدى فاعلية الطائفية كسلاح في المعركة ضد التغيير. وتظهر سياسات الدول التي شاركت في استهداف ثورة البحرين أن تلك الضربة كانت حاسمة في «الحرب على الثورات». فما استطاعت قوى التغيير لاحقا تجاوز القوى التي تدخلت ضد ثورة البحرين، بل إن نصالها تكسرت على صخرة التحالف الجديد الذي ضم جميع قوى الثورة المضادة وأنظمة الاستبداد، وهو تحالف أعاد شيئا من الحيوية للنظام السياسي العربي الذي أصبح قادرا على احتواء إرادات الشعوب ومنعها من مواصلة درب التغيير الشامل.

رابعا: إن الضربات الأمنية المتلاحقة للثورات حالت دون قدرة القوى الإسلامية التي كانت تبدو المستفيد الأول من التغيير، على استيعاب دور المشروع الطائفي في كسر إرادة الأمة وإضعاف وجودها.

برغم ما قيل فما يزال نشطاء ثورة البحرين مقتنعين بأنهم قادرون على مواصلة الضغط الحقيقي على قوى الثورة المضادة وتجريد الملفات الأكثر حيوية من جدواها خصوصا المشروع الطائفي أو المذهبي.

فالثورات العربية أما أنها ستنتصر جميعا أو تخفق جميعا. وحتى الآن تبقى ثورة البحرين الأقل تضررا، فما يزال حراكها مستمرا، وما تزال الملفات الحقوقية المترتبة عليها حاضرة بقوة في المحافل الدولية خصوصا الدورة المنعقدة حاليا في جنيف.

العالم العربي يستحق أن يتحول نحو الديمقراطية ويخرج من حالة الاستبداد ويغلق طوامير التعذيب الآخذة في التزايد. إنه استحقاق ضروري قد تؤجله التدخلات العسكرية والإرهاصات الأمنية والإرهابية، ولكن أحدا لا يستطيع مصادرة حق الشعوب في تقرير مصيرها واختيار النظام السياسي الذي تبحث عنه. فالبديل لذلك تعمق حالة الاحتقان والاقتتال والتمزق والتصدع وتغول الاستبداد ومعه الاحتلال والاستغلال.

٭ د. سعيد الشهابي كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن. 

 

  كلمات مفتاحية

البحرين التدخل الخليجي السعودية الإمارات حراك البحرين الثورة العربية

4 أعوام على انتفاضة البحرين: ما مٍن مستمع !

«المرصد السوري»: 210 ألف قتيل خلال أربعة أعوام من الثورة السورية

هيومن رايتس ووتش: أربع سنوات والعدالة مازالت غائبة في تونس

2014 عام صراع الثورة والثورة المضادة في مصر

«حسنين هيكل» ينصح «بشار الأسد» بتحويل الثورة السورية إلى «إرهاب يحاربه العالم»