لماذا يستخدم «السيسي» رجال الدين في احتفالات الإطاحة بـ«الإخوان»؟

الاثنين 2 يوليو 2018 09:07 ص

شكّل الانقلاب العسكري الشهير، في 30 حزيران/يونيو 2013، والذي قاده وزير الدفاع المصري، آنذاك، «عبدالفتاح السيسي»، على الرئيس المصري الأول الذي جاء بانتخابات ديمقراطية في العصر الحديث «محمد مرسي»، علامة بارزة في اتجاه الأحداث السياسية العربية إلى الوضع الذي نراه اليوم.

يدخل الانقلاب المذكور في إطار الهجمة المضادة للقوى المستبدة للأنظمة العربية لاستعادة سيطرتها على البلدان العربية التي قامت ثورات فيها، ويعتبر ذروة كبرى فيها وذلك نتيجة الوزن الكبير لمصر، والتي تعتبر أكبر البلدان العربية تعدادا، كما أنها تمثّل جسراً واصلاً بين المشرق العربي ومغربه، ناهيك عن وزنها الحضاري والثقافي والسياسي المفترض في المنطقة العربية وأفريقيا والعالم.

توضح تهجّمات «السيسي»، رئيس النظام، على ثورة 25 يناير/كانون الثاني، التي كانت الممهد لوصوله إلى الحكم، أن نظامه ليس إلا استمراراً للنظام الذي ثار المصريون ضدّه عام 2011، وهو أمر مفروغ منه طبعا.

لكنّه يثير بعض المفارقات التاريخية التي ظهرت مع استعادة بعض منظّريه أحداث ثورة 1952 في محاولة بائسة لتركيب مزيف للتاريخ، يلبّس فيه «السيسي» ثياب «جمال عبدالناصر»، فيقام مشروع لقناة السويس، ويستعاد التحالف مع روسيا (وريثة الاتحاد السوفييتي)، ويتم الحديث عن نهضة صناعية وبناء دولة حديثة وإصلاح ديني، إلخ.

لكنّ أسوأ ما في هذا السيناريو السمج كان استعادة الصراع الكبير الذي حصل مع الضباط الأحرار و«الإخوان المسلمون» وأدّى بأجيال منهم إلى السجون، وبقياداتهم إلى منصات المشانق، وساهم في استعصاء سياسي هائل، أضعف المجتمع المصري، وأبعده عن نظم الحكم الديمقراطية الحديثة، وأسس لشراكة الاستبداد الأمني ـ العسكري مع الفساد العام.

فالمفترض في قائد الدولة المصرية الحديثة وباني نهضتها وحداثتها وإصلاحها أن يعلم أن هذه مصطلحات النهضة والحداثة والإصلاح الفضفاضة لا معنى لها خارج العمل على تكريس أطر النظام المدني الديمقراطي ذي المؤسسات الحقيقية الفاعلة في الحكومة والبرلمان والقضاء والإعلام والمجتمع المدني.

بعد تبخر أوهام فتح قناة السويس الجديدة والتحالف مع روسيا تكشّف الواقع الحقيقي، وبانت مخالب الجنرالات وضباط الأمن.

ظهر مستقبل عطش رهيب لمصر مع سد النهضة الإثيوبي، وظهر فقدان الكرامة الوطنية مع تسليم جزيرتي تيران وصنافير للسعودية.

وانفضحت التبعية الذليلة لـ(إسرائيل) التي صارت طائراتها تصول وتجول في سماء سيناء، وتراجعت الخدمات العامّة، وتحوّلت الدولة برمّتها إلى منصّة كوميدية للرئيس الذي يتحدث عن الرز وعن أمه التي طلبت منه تسليم الجزر لأصحابها، وعن براده الذي ليس فيه أكل، وعن طلباته للمصريين الفقراء للتبرع لحيتان الجيش المسيطرين على مرافق الحياة الاقتصادية.

كان ملفتا في احتفالات «السيسي» الأخيرة بتسلمه الحكم أن يقوم رجال الدين الكبار بالتملّق الممجوج والمستنكر للحاكم، ومن ذلك وصف مفتي الديار المصرية السابق «علي جمعة» ليوم الانقلاب بأنه مثل ميلاد النبي «محمد» وفتح مكة، وفي هذا نفاق كبير لا يصدّق.

ففي ذلك تشبيه مبطّن لرئيس أفقر المصريين وأهلكهم وأفقد بلاده الكرامة والاحترام والسيادة بالنبي الكريم، ولم يتوان «علي جمعة» عن اعتبار الانقلاب يوما من أيام الله التي هزم فيها الكافرون والفاسقون والمفسدون، وفي هذا خطاب سياسي كريه يقوم على بيع الدين كسلعة لحاكم فان مثل بقية الحكام الذين مروا على مصر.

المضحك أن رجال الدين المسيحيين «آجروا» بدورهم في النفاق، فقال أسقف طنطا أن وراء حركة «السيسي» «عمل إلهي»، وسبق لرجال دين مسيحيين آخرين أن شبهوا «السيسي» بـ«المسيح» أيضاً، كما فعل زميلهم «علي جمعة».

المطلوب من هذه التصريحات المسيئة للدين ولمصر ولحكامها وشعبها هو طبعا إضفاء الطابع الديني على السيسي، وفي البال طبعا، «الإخوان المسلمون»، الذين يعتبرون العقيدة الإسلامية ركنا أساسيا في خطابهم السياسي.

لكن المفتي السابق والأسقف لا ينتبهان طبعا إلى أن استخدامهما السياسي للدين لصالح الرئيس «السيسي» يضعف من شأنهما كقادة للرأي العام ويحوّل الدين إلى سلعة للمزاد.

وهو أمر لا يمكن أبداً أن يوازي أو يقارب فعل تيار الإسلام السياسي الذي ينخرط في الشأن النضالي العام، عبر تحوّله لصوت الضحايا من المسجونين والمضطهدين والمقهورين.

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

مصر عبد الفتاح السيسي استخدام رجال الدين احتفالات الإطاحة بالإخوان علي جمعة رجال الدين المسيحيون إسرائيل تيران وصنافير محمد كوثراني