دروس من التدخل الأمريكي الأول بالشرق الأوسط عام 1958

الثلاثاء 3 يوليو 2018 03:07 ص

منذ 60 عاما من هذا الشهر، أرسلت الولايات المتحدة قوات قتالية إلى الشرق الأوسط لأول مرة. وكان ذلك حين بدأت سفن البحرية الأمريكية ترسو في بيروت بلبنان في يوليو/تموز عام 1958، الأمر الذي بدأ حقبة حروب أمريكا التي لا نهاية لها -كما يبدو- في المنطقة، ويعكس ما حدث عام 1958 دروسا لا تزال أمريكا تتذكرها حتى اليوم.

وبدعم من 3 مجموعات قتالية حربية، دخلت كتيبة مشاة البحرية في قتال كامل شاطئا بالقرب من بيروت في 15 يوليو/تموز عام 1958. وفي ذروة القتال، كان هناك ما يقرب من 15 ألفا من جنود المارينز والجيش الأمريكي في لبنان. وفي الوقت نفسه، تم نشر مظليين بريطانيين في عمّان بالأردن، في تدخل غربي منسق كان يهدف إلى دعم حكومات صديقة في المنطقة.

وبعد أن حاول الرئيس «دوايت ديفيد أيزنهاور»، تجنب إرسال قوات للقتال في الخارج في أعوامه الـ8 الأولى في منصبه، أرسل جنوده إلى بيروت بسبب انقلاب في 14 يوليو/تموز في بغداد. وفي الخمسينيات، كان العراق أقوى حليف للغرب في العالم العربي، وكان العراق، الذي كان يحكمه العائلة المالكة الهاشمية التي اتحدت في اتحاد فضفاض مع الأردن، هي الدولة العربية الوحيدة التي انضمت إلى ما يسمى «حلف بغداد»، الذي تصوره «أيزنهاور» كنسخة مبكرة من «حلف الناتو» في الشرق الأوسط.

خصم أمريكا

وكان خصم أمريكا الكبير في المنطقة هو الرئيس المصري «جمال عبدالناصر». وقد عودي «عبدالناصر» من قبل (إسرائيل) وفرنسا وإنجلترا، وكان يُنظر إليه من قبل الكثيرين على أنه حصان السوفييت الرابح في المنطقة. وفي أوائل عام 1958، اتحدت مصر وسوريا لتشكيل الجمهورية العربية المتحدة، التي كان القوميين العرب يأملون أن تؤدي إلى توحيد العرب من «المحيط إلى الخليج»، وكان ناصر هو حاكمها، ورددت الحشود اسمه بشكل إيقاعي حول العالم العربي.

وكان الرئيس المسيحي الماروني في لبنان «كميل شمعون» عدوا شرسا لـ«عبدالناصر». وكان يواجه تمردا من قبل سكان البلاد المسلمين والعديد من المسيحيين الذين كانوا متعاطفين مع «ناصر». وكان «شمعون» يحاول الحصول على ولاية ثانية كرئيس، وهو أمر غير دستوري، ولم يكن يتمتع بشعبية كبيرة. وألقى «شمعون» باللائمة في متاعبه على «عبدالناصر»، وزعم أن الجمهورية العربية المتحدة تقوم بتهريب السلاح إلى المتمردين. ولم يدعم مفتشو الأمم المتحدة ادعاءات «شمعون».

وجاء الانقلاب في العراق مفاجئا بشكل كامل لمجتمع المخابرات الأمريكي والبريطاني حيث قام الجيش العراقي بوحشية بإعدام الملك «فيصل»، وولي العهد، وكذلك رئيس الوزراء ودخلت بغداد في حالة اضطراب. وكان صانعو الانقلاب مجهولين، لكنهم عبروا عن دعمهم لـ«عبدالناصر» على الفور.

وأصيبت واشنطن بالذعر. وعقد «أيزنهاور» اجتماعا طارئا لمجلس الأمن القومي في 14 يوليو/تموز. وقدر مدير المخابرات المركزية، «آلن دالاس»، أن الانقلاب سيؤدي إلى موجة من تغيير النظم إلى نظم مؤيدة لمصر في أنحاء العالم العربي، وبذلك سوف تنهار لبنان والأردن. واقترح نائب الرئيس «ريتشارد نيكسون» التدخل في بغداد، وقال «أيزنهاور» فيما بعد في مذكراته: «لقد خشينا الأسوأ، أن يتم القضاء التام على النفوذ الغربي في الشرق الأوسط». وأمر «أيزنهاور» مشاة البحرية بالوصول إلى شاطئ بيروت في اليوم التالي، لإنقاذ حكومة «شمعون»، وأرسل البريطانيون المظليين لدعمه ودعم الملك «حسين» في الأردن.

وظهر التدخل هزليا في النهاية، فبينما كان المارينز يتوقعون جولة من القتال، فقد واجهوا فتيات لبنانيات وسائحات ترتدين البيكيني، وأولاد يبيعون المشروبات الغازية والسجائر، لكن الأمر كان خطيرا للغاية، وكان المارينز مستعدين لدخول العاصمة وقمع المتمردين. 

ولحسن الحظ، خالف السفير الأمريكي التعليمات، وتوسط في إبرام صفقة مع الجيش اللبناني «لمرافقة» مشاة البحرية، ووعد المستسلمين بعدم إطلاق النار عليهم. وقد عاجل هذا حالة تأزم خطيرة، وتعامل اللبنانيون مع مشاة البحرية كضيوف وليسوا محتلين.

وفي غضون أيام، أصبح من الواضح أن الانقلاب في بغداد لم يكن تحت سيطرة «ناصر»، وبدلا من ذلك، أصبح النظام العراقي الجديد من المنافسين لـ «مصر» كرأس حربة للقومية العربية.

وأرسل «أيزنهاور» دبلوماسيا كبيرا إلى بيروت، الذي أقنع «شمعون» بالتنحي من منصبه، وحل بدلا منه قائد الجيش. وتم نزع فتيل الصراع وعاد مشاة البحرية إلى بلادهم ومرت الأزمة. وعاد «أيزنهاور» إلى منهج حذره التقليدي.

وتم انتقاد التدخل بشدة في «الكونغرس»، وقال السيناتور «جون كينيدي» إن الإدارة تقوم بتشويه صورة «عبدالناصر»، الذي لم يكن دمية سوفييتية، ونصح أن تعمل الولايات المتحدة مع القومية العربية. وتوقع أن تسقط باقي الملكيات المتبقية في الجزيرة العربية إذا لم يتم إصلاحها. وكان زميله «وليام فولبرايت» ضد التدخل في بيروت، وجادل ضده في البيت الأبيض.

وتوفي جندي واحد فقط في القتال في بيروت عام 1958. وبعد ربع قرن، لم نكن محظوظين عندما حدث تدخل آخر في بيروت بشكل خاطئ، وينخرط الأمريكيون اليوم في معارك عبر الشرق الأوسط، في سوريا والعراق واليمن وأماكن أخرى.

ولقد ظهر نمط مألوف في التدخلات جميعها، حيث تأتي أولا الصدمة والمفاجأة، في حدث غير متوقع مثل انقلاب بغداد، ثم الاندفاع من قبل الحكومة الأمريكية للحكم على أن الأسوأ أمر لا مفر منه، ثم تتأزم الأمور أكثر فأكثر وفي النهاية يتم إرسال مشاة البحرية.

وفي بيروت عام 1958، كان «أيزنهاور» محظوظا، حيث كان على وشك السقوط في أحد الكمائن التي كانت لتؤدي إلى تصاعد العنف، كما كان «أيزنهاور» ذكيا في التكيف مع الواقع الجديد في المنطقة بسرعة، وهذا ما تفتقده واشنطن اليوم.

  كلمات مفتاحية

أيزنهاور بيروت كميل شمعون الحرب الأهلية انقلاب بغداد ميثاق بغداد القومية العربية