شدد المرجع الشيعي الأعلى «علي السيستاني» على اعتزازه بالهوية العراقية، وقال ردا على تصريحات إيرانية سابقة: «إننا نعتز بوطننا وبهويتنا وباستقلالنا وسيادتنا».
وأوضح سياسي شيعي من مقلدي المرجع ما يقصده بالتشديد على الهوية الوطنية العراقية، مؤكدا أن الانتصار الذي حققه العراق على «الدولة الإسلامية» كان بمساعدة إيران. لكن ذلك شكَّل معضلة تواجه السياسيين في بغداد فـ«بعضهم يحاول ربط النصر بقائد «فيلق القدس» الإيراني «قاسم سليماني» واعتباره قائدا عاما للقوات العراقية، على رغم وجود قائد دستوري عراقي».
وبعضهم، بحسب ما يقول السياسي الذي تم التحفُّظ على ذكر اسمه، يدافع عن نظرية «تحاول رهن الإرادة العراقية بإيران، مستثمرا تهديد داعش». وهذا البعض «لم يزعجه تصريح علي يونسي مستشار الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي قال إن بغداد «عاصمة الإمبراطورية الإيرانية، ولا خيار أمام البلدين الا الاتحاد أو الحرب».
وينظر عدد من السياسيين العراقيين إلى تصريحات «يونسي» من زاوية التوقيت، فهي تأتي في خضم معركة مع تنظيم «الدولة الإسلامية» في تكريت، وفي قلبها «سليماني» و100 مستشار إيراني، فيما تنخرط تحت غطاء «الحشد الشعبي» الذي يضم أكثر من 41 فصيلا مسلحا، مجموعات تدين بالولاء لإيران، وتعود في تقليدها إلى المرشد «علي خامنئي» لا إلى «السيستاني» الذي منحت فتواه «الجهاد الكفائي» هذه المجموعات غطاء شرعيا لخوض الحرب.
وبحسب الصحف، فإن المرجع قد أدرك خطورة هذا التزامن، فاختار أن يرد على «يونسي» حتى بعد أن حاول الأخير التنصل من تصريحاته، عبر إحالتها إلى معانٍ ثقافية لا سياسية، فحذّر ممثله في كربلاء «أحمد الصافي» أمس الجمعة من الربط بين المساعدة الإيرانية للعراق، ومحاولة الاستيلاء على الهوية الوطنية، وقال :«إننا نعتز بوطننا وبهويتنا وباستقلالنا وسيادتنا، وإذا كنا نرحب بأي مساعدة تقدم إلينا اليوم من إخواننا وأصدقائنا لمحاربة الإرهاب، ونحن نشكرهم عليها، فإن ذلك لا يعني في أي حال من الأحوال أن نغض الطرف عن هويتنا واستقلالنا كما ذهب إليه بعض المسؤولين في تصوراتهم».
وتوقّع مقربون من «السيستاني» أن يركز في خطبته على تصريحات الأزهر الأخيرة عن «الحشد الشعبي»، واتهامه بارتكاب جرائم ضد السنّة، لكن هذ الأمر أوكل إلى المرجع «علي النجفي» الذي بعث الخميس برسالة إلى شيخ الأزهر «أحمد الطيب» يدعوه إلى إرسال لجنة إلى محافظة صلاح الدين، للتحقق من مزاعم ارتكاب «الحشد» انتهاكات.
ويؤكد اختيار «السيستاني» الرد «على يونسي» تعريف فتوى «الجهاد الكفائي» التي أطلقها باعتبارها لا تتجاوز الحدود العراقية، وهو رد غير مباشر على تحويل مهمة الجنرال «سليماني» من تقديم المساعدة والاستشارة إلى قيادة حرب عابرة للحدود.
ويُعد السجال غير المُعلن بين «السيستاني» المتمسك بنظرية النجف التقليدية التي تضع فواصل بين رجل الدين والسياسة، وتهتم باستقلالية العراق وتطالب بـ«الدولة المدنية»، و«قاسم سليماني» كممثل لنظرية «ولاية الفقيه» التي يتصدرها اليوم المرشد «علي خامنئي»، ظهر في مناسبات مختلفة، تجلّت في إصرار النجف منتصف عام 2014 على رفض ولاية رئيس الوزراء السابق «نوري المالكي» الثالثة، على رغم دفاع «سليماني» عنه حتى اللحظات الأخيرة، وامتدت إلى انتقاده التجاوزات التي حصلت خلال معارك ديالى، وتأكيده أن قيادة «الحشد الشعبي» محصورة بالجيش الرسمي.
وكان السياسي المصري «محمد البرادعي»، الخميس، قد أكد أن شيوخ الأزهر الشريف تعرضوا لضغوط كبيرة من أجل إصدار بيان يندد بـ«الحشد الشعبي» في العراق، مشيرا إلى أن السعودية ربطت إعطاء مصر منحه بـ3 مليارات دولار بإصدار هذا البيان.
وقال «البرادعي» في تصريح صحفي بحسب «وكالة أنباء فارس» إن: «الأخوة في وزارة المالية طلبوا مساعدة مشيخة الأزهر لإصدار بيان يدين فصائل شيعة تقاتل تنظيم داعش في العراق».
وأوضح أن: «هناك منحة سعودية بقيمة ثلاثة مليارات دولار كانت متوقفة على إصدار هذا البيان»، مبررا الأمر بأن «الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد في الوقت الراهن، تضعها تحت ضغوط هائلة قد تضطرها أحيانا لاتخاذ مواقف تخدم أطراف أخرى».
وكان الأزهر أدان في بيان له، ما ترتكبه «هذه المليشيات المتطرفة من جرائم بربرية نكراء في مناطق السنة التي بدأت القوات العراقية ببسط سيطرتها عليها، خاصة في تكريت والأنبار وغيرها من المدن ذات الأغلبية السنية»، بحسب تعبير البيان.
ودعا الأزهر الجيش العراقي إلى «أن يدقق النظر في اختيار القوات التي تقاتل إلى جواره، وأن يتأكد من أنها تقاتل تنظيم الدولة الإسلامية لا أهل السنة، وألا يسمح للمليشيات المتطرفة بالقتال تحت رايته وأن توحد القوات العراقية جهودها في مواجهة الجماعات المتطرفة والمليشيات الطائفية حفاظا على وحدة واستقرار البلاد».