لماذا يعد نظام «السيسي» خطرا على مصر؟

الأحد 8 يوليو 2018 05:07 ص

يصدّر الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي» نفسه كحصن ضد الإرهاب، ولكن سيناء أصبحت وجهة مفضلة للإرهابيين تحت سمعه وبصره، ولسوء حظه، فإن التمرد هناك ليس هو الفشل الكبير الوحيد المحسوب لحكمه.

فبعد خمس سنوات من الانقلاب العسكري في مصر الذي أوصل «السيسي» إلى السلطة، لا تزال مشاكل البلاد - السياسية والاقتصادية والديموغرافية والأمنية - مستعصية كما كانت دائما، وفي الواقع في كثير من الحالات، أصبحت المشاكل أسوأ من ذي قبل، ومن بين المشاكل التي هي الآن أسوأ بكثير مما كانت عليه عام 2013، الأمن، وتحديدا تمرد تنظيم الدولة الإسلامية في سيناء.

وأثار إشعال أحد الباعة المتجولين النار في نفسه في تونس في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2010 موجة من الاحتجاجات ضد الفساد الحكومي وسوء الحكم انتهت في منتصف يناير/ كانون الثاني 2011 مع سقوط الديكتاتور «زين الدين العابدين بن علي»، وتسبب ذلك في إثارة هزة في منطقة موبوءة بالحكام المستبدين، فبعد أسبوعين، لحقت مصر أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان بالقطار.

تمت الإطاحة بـ«حسني مبارك»، وهو الضابط الذي استمر في السلطة في مصر لمدة ثلاثين عاماً في 11 فبراير/شباط، ومنذ ذلك الحين بدأت وتيرة «الربيع العربي» في التسارع، وبعد أيام، تمرد الشعب الليبي، وأدت حملة القمع العنيفة التي قام بها «معمر القذافي» إلى تدخل الناتو والذي انتهى بالإطاحة به وقتله.

وتحولت الاحتجاجات التي بدأت بالفعل في اليمن إلى عنف متزايد، وفي يونيو/حزيران 2011 ، كاد الديكتاتور اليمني «علي عبدالله صالح» أن يقتل، واستقال «صالح» في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 وخرج أخيرا في فبراير/ شباط 2012، مما أفسح المجال أمام احتجاجات الإصلاح السياسي التي انقطعت بسبب انقلاب مدعوم من إيران عام 2014 والتدخل اللاحق بقيادة السعودية لمحاولة استعادة الحكومة الموالية.

وفي سوريا، اندلعت انتفاضة سلمية في مارس/ آذار 2011 تعسكرت مع مرور الوقت وتغيرت إلى درجة لم تعد فيها قابلة للتعرف.

الانقلاب دعاية للتطرف

كانت فترة ما بعد «مبارك» مباشرة في مصر قد خيبت حماس المتظاهرين، خاصة بعد أن استولى المجلس العسكري على السلطة في البلاد وبدا غير متعجل لتسليم لتسليمها.

ولكن تحت الضغط، أجريت انتخابات في يونيو/حزيران 2012، والتي كانت الأولى في مصر منذ عام 1950 خلال التجربة الليبرالية التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، وكان المنتصر هو «محمد مرسي»، عضو من جماعة الإخوان المسلمين.

أرعبت حكومة الإخوان بقايا النظام القديم؛ إضافة إلى الأقليات القومية والمسيحيون الأقباط فوق كل شيء؛ ودول أخرى في المنطقة وخارجها وفي نهاية المطاف تمت إعاقة حكومة «مرسي» وصولا إلى الإطاحة بها في 3 يوليو/تموز 2013، ولا يزال سقوط «مرسي» في 3 يوليو/تموز 2013 موضوعًا لبعض الجدل، حيث ادعى الجيش المصري أن ما بين أربعة عشر إلى ثلاثين مليون شخص كانوا في الشوارع يطالبون بإقصاء «مرسي»، وتبدو هذه الأرقام سخيفة للغاية وغير قابلة للتصديق ولكن في الواقع فإن المشكلة هنا لا تكمن في الأرقام فقط.

أولاً، من الواضح الآن أن الأمر لم يقتصر على كونه رد فعل على مشاعر شعبية تم التعبير عنها في مظاهرات الشوارع، فقد ساعد الجيش المصري في تنظيم مظاهرات الشوارع لتوفير ذريعة للتدخل.

وتم تمويل حركة تمرد التي قادت الاحتجاجات ضد «مرسي» من قبل الجيش المصري (وبعض دول الخليج) وتصرفت بناء على طلبهم، وهو أمر ندم عليه بعض الأعضاء بسبب اتساع نطاق حملة القمع التي أعقبت الانقلاب لتشمل أولئك الذين جعلوه ممكنا.

ثانياً، أن الضرورة المفترضة للانقلاب وهي أن «مرسي» كان في طريقه ليصبح ديكتاتورا لم يكن صحيحة حيث يقول «شادي حميد»، وهو زميل بارز في معهد بروكينغز: «لم يكن باستطاعة الإخوان أن يصبحوا ديكتاتوريين حتى لو أرادوا ذلك: فالجيش، ووزارة الداخلية، والقضاء، وباقي البيروقراطية المسماه بالدولة العميقة، كانوا يعارضون بقوة الإخوان المسلمين، وكانوا يمسكون بالعديد من مقاليد السلطة، حتى إن الإخوان المسلمين لم يتمكنوا حتى من الحفاظ على مقرهم الخاص آمنًا».

وكانت آليات التحكم في المجتمع غير الرسمية، طبقة التجار ووسائل الإعلام، خارج نطاق سيطرة «مرسي».

ويعلّق «إيريك تراغر»، وهو باحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى قائلاً: «بحلول صيف عام 2013 وربما قبل ذلك كان مرسي رئيسًا بالاسم فقط، حيث حمل اللقب ولكنه في الحقيقة لم يتحكم في شيء».

لو كانت النية هي تشويه سمعة الإخوان المسلمين والمتعاطفين معهم على نطاق أوسع، فإن السماح للمصريين بإسقاطهم في الانتخابات كان ليكون أكثر فعالية بكثير، ولكن إبعاد الإخوان تم بقدر غير مسبوق من العنف. وجلب مشاكل مختلفة، حيث تحول بعض المنشقين إلى العنف بطريقة تخلى عنها الإخوان رسميا منذ عقود، ما مثل تحديا جديدا للدولة المصرية، وعلاوة على ذلك، وحد الانقلاب العسكري القطاعات الإسلامية المتباينة في هدف مشترك ودفعها نحو مساحة أكثر تطرفا.

وكان التأثير السياسي الأوسع نطاقاً للانقلاب هو منح السردية للمتطرفين، الذين قالوا إن مشاركة الأحزاب الدينية في الانتخابات كانت مضيعة للوقت لأنه بغض النظر عن المدى الذي سلكته هذه الأحزاب في اللعب بالقواعد الديمقراطية، فإن الغرب لن يسمح لهم أبداً بالاستيلاء على السلطة، وكان هذا منطقياً مع رؤية جماعة الإخوان معزولة بعد أن فازت بخمسة انتخابات في مصر.

واستخدم «أيمن الظواهري»، زعيم تنظيم القاعدة، «مرسي» كمثال ليؤكد إنه مهما اجتهد الإسلاميون في تلميع أنفسهم أمام أمريكا فسوف تلفظهم دائما، وأن الخيار الوحيد البديل هو الاستيلاء العنيف على السلطة الذي يكتسح الدولة العميقة.

السيسي يهزم نفسه بنفسه

وروجت حكومة «السيسي» لاستخدام نظريات المؤامرة المناهضة للغرب، والوطنية المتطرفة والدين، والطائفية لتبرير الاستبداد المتصاعد، وقام بتسمية حتى أكثر المعارضين سلما كتهديد، باسم توفير الأمن، وأثبت ذلك فعاليته، حيث تم القضاء على ما تبقى من المجتمع المدني في حين أن الوعود بالأمن لم تتحقق بعد.

وبحلول أواخر عام 2013، كانت الجذوة التي تم إعطاؤها للمتطرفين بواسطة الانقلاب قد بدأت تصبح محسوسة بالفعل عندما بدأ تمرد سيناء في الوصول إلى القاهرة، في حين قام الجيش المصري بإضفاء الطابع المؤسسي على التعذيب في حملته لتهدئة سيناء ولجأ إلى هدم المنازل، بما في ذلك مدينة رفح كلها تقريباً، فضلاً عن مناطق العريش.

ويبلغ عدد سكان رفح 70 ألف نسمة، معظمهم الآن مشردون، وهناك قرابة 400 ألف شخص في سيناء يحتاجون إلى مساعدات إنسانية.

وفي حين تزعم القاهرة أنها قتلت 3000 من الإرهابيين في سيناء، من غير المحتمل أن يكون جميع القتلى أو حتى معظمهم من المسلحين، لكن قد تكون أرقام الوفيات التي حدثت بسبب الجيش صحيحة. (من الصعب الحصول على أرقام دقيقة بسبب التعتيم في حين ما لا يقل عن 1000 من أفراد قوات الأمن المصرية منذ الانقلاب)، ويواجه البلد الآن تمردًا متنوعًا ومتزايدًا، من تنظيم الدولة والقاعدة وبعض أعضاء الإخوان المسلمين السابقين الذين جنحوا للعنف.

بعد انهيار خلافة تنظيم الدولة، بدأت في نقل عملاء متمرسين إلى الخارج لمساعدة فروعه الأجنبية وكانت مصر نقطة تركيز خاصة، ومن غير المستغرب أن تسعى كل هذه العناصر للعب على الصدع الطائفي في مصر لتعزيز شرعيتها الخاصة، مما ترك المسيحيين وحتى الصوفيين أكثر عرضة للخطر من أي وقت مضى.

خطورة نظام «السيسي»

تميل الولايات المتحدة والغرب إلى النظر إلى هذا الوضع من خلال عدسة مكافحة الإرهاب، وهو منظور يتجاهل الأسباب الرئيسية التي تعطي الذريعة للمتطرفين وتجعل رسالتهم تبدو منطقية، وقد أشارت إدارة «ترامب» في وقت مبكر إلى أنها ترغب في زيادة التطبيع مع نظام «السيسي» وقد فعلت ذلك، كما فعلت ذلك العديد من الحكومات الأوروبية، حتى لو كانت أقل دفئا في تقبله علنا.

ولكن التطبيع مع نظام السيسي لن يصل بمصر إلى أي شيء ولا تزال البلاد تعتمد بشكل كبير على المساعدة الخارجية، وهذا يعني أن «ترامب» ، صانع الصفقات، يمكن أن يطلب مستقبلا ثمن التدخل لإنقاذ «السيسي».

وتستحق مصر البحث عن خيار بديل لأن مجرد تقديم الدعم لنظام «السيسي»، مع عدم بذل أي جهد لكبح قسوته وفتح المجال أمام المعارضة، لن يسهم إلا في تعزيز حالة عدم الاستقرار في مصر.

  كلمات مفتاحية

السيسي الإخوان المسلمين الدولة الإسلامية انقلاب مصر

كواليس إطاحة «السيسي» بوزيري الدفاع والداخلية