الجيش التركي و«أردوغان».. «إصلاحات بطيئة» انتهت بتعيين القيادات «مدنيا»

الثلاثاء 10 يوليو 2018 11:07 ص

أعلن الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» تعيين قادة بالجيش التركي بعد ساعات من أدائه اليمين كأول رئيس للجمهورية بنظامها الرئاسي الجديد.

الاهتمام الذي أثارته تلك القرارات لم يكن منصبا على الشخصيات التي جاءت أو تلك التي غادرت، لكنها تركزت على فكرة التغيير بحد ذاته، فالأمر برمته يعد من أبرز المكاسب التي حققها «أردوغان» في حراك إصلاحي طويل النفس مع المؤسسة العسكرية التركية، توج بموافقة الشعب التركي على نظام جديد يمنح الرئيس سلطة توقيع الترقيات والتعيينات في قيادة الجيش، وهي السلطة التي كانت حكرا على مجلس الشورى العسكري الأعلى.

وبمناسبة مجلس الشورى العسكري الأعلى، قد تكون أبرز النقاط التي سجلها «أردوغان» في مسألة ضبط المؤسسة العسكرية التركية هو التعديل الذي جرى في يوليو/تموز 2016، أي بعد محاولة الانقلاب العسكري بنحو شهر، في بنية المجلس، الذي كان يعد الآمر والناهي الوحيد في شؤون الجيش التركي.

حيث نشرت الجريدة الرسمية التركية، حينها، قرارا بقوة القانون شمل تغيير هيكلية المجلس ليضم إليها –بالإضافة إلى رئيس الوزراء– كل من نواب رئيس مجلس الوزراء، ووزراء الداخلية، والعدل، والخارجية.

مجلس الشورى العسكري

وكان مجلس الشورى العسكري قبل هذا التعديل يتكون فقط من رئيس الوزراء، وهيئة الأركان العامة، ووزير الدفاع، وقادة القوات والجيش، والقائد العام لقوات الدرك، وقائد الأسطول، وجنرالات وأدميرالات في القوات المسلحة، في نموذج قريب للمجلس العسكري في مصر (حتى الأخير لا يوجد بين هيكله رئيس الوزراء، وهو مكون فقط من قادة عسكريين برئاسة رئيس الجمهورية فقط).

القرار السابق كان أهم النقاط المفصلية التي طرقها «أردوغان» وهي ساخنة، حيث أدت إلى تمكين المدنيين من المشاركة في إدارة شؤون الجيش التركي، ورفع ما يمكن أن نسميها بوصاية المؤسسة العسكرية على نفسها، دون تدخل المدنيين، وهي النقطة التي كانت شديدة الحساسية في العلاقة بين حزب «العدالة والتنمية» الحاكم والجيش التركي، ويرى البعض أنها كانت ضمن أسباب تحرك بعض قطاعات الجيش عسكريا ضد «أردوغان» في المحاولة الانقلابية الفاشلة، منتصف يوليو/تموز 2016.

وجاءت النقطة الثانية، وهي المكملة لما فعله «أردوغان» بمجلس الشورى العسكري، في التعديلات الدستورية، والتي صوت عليها الشعب التركي بالموافقة في أبريل/نيسان 2017، حيث تضمنت مرسوما يقضي بحق الرئيس في إقرار التعيينات والترقيات بقيادات الجيش.

ووفق التعديلات، ستتم ترقيات الضباط في «عيد النصر» الموافق 30 أغسطس/آب من كل عام، مع إمكانية تحديد موعد مختلف من قبل الرئيس.

وبذلك تدخل الترقيات من رتب العقيد إلى عميد، ومن لواء إلى رتبة أعلى، ضمن صلاحيات رئيس البلاد.

وزير الدفاع ورئيس الأركان

ما سبق توج بما أعلنه الرئيس «أردوغان» من جملة تعيينات، عقب أدائه اليمين الدستورية، الإثنين 9 يوليو/تموز الجاري، حيث تم تعيين الفريق أول «ياشار غولر»، رئيسا جديدا لهيئة الأركان التركية، خلفا لـ«خلوصي أكار»، الذي تولى حقيبة وزارة الدفاع، في التشكيلة الوزارية الجديدة.

وكان «غولر» و«أكار» تعرضا للاحتجاز من قبل الانقلابيين، ليلة 15 يوليو/تموز 2016، التي شهدت محاولة انقلابية فاشلة، واقتيدا إلى قاعدة «أقنجي» الجوية.

وارتقى «غولر»، إلى رتبة فريق في 2009، وتولى قيادة الفرقة الرابعة، ورئاسة المخابرات العامة في رئاسة الأركان التركية.

وفي 2013، أصبح «غولر»، الرئيس الثاني لقيادة الأركان العامة، وتسلم قيادة قوات الدرك، ما بين 2016 و2017.

وتولى «غولر»، قيادة القوات البرية في الثاني من أغسطس/آب 2017.

القرارات تضمنت أيضا تعيين الفريق أول «أوميت دوندار»، الرئيس الثاني للأركان العامة، قائدا للقوات البرية، خلفا لـ«غولر».

كما تم تعيين رئيس أركان القوات البرية الفريق «متين غوراق»، رئيسا ثانيا للأركان العامة.

وسائل مساعدة

يجمع خبراء ومتابعون أن وجود ما يمكن أن نعتبره إرادة شعبية تركية بعدم السماح للعسكريين بالتغول على الحياة السياسية كانت أبرز أدوات المساعدة التي مكنت «أردوغان» وحزب «العدالة والتنمية» من إدارة استراتيجية إصلاح حيال دور المؤسسة العسكرية على أرضية صلبة.

ما سبق أسهم فيه عدة عناصر..

أولا: فشل الجيش في تنفيذ وعوده للجماهير عقب تدخله 4 مرات لإقالة حكومات بذريعة «ضمان بقاء الدولة وتقدم البلاد»، وذلك في سنوات 1960 و1971 و1980 و1997، حيث لم ير الأتراك سوى تشديدا للقبضة العسكرية والأمنية بالبلاد، وشيوعا للمناخ الاستبدادي بقبضة من حديد، ولم يجدوا إدارة رشيدة للاقتصاد والسياسة والشؤون الخارجية.

وكان الجيش عقب تلك التدخلات، له يد طولى في تسيير الأمور السياسية والاقتصادية وحتى الدينية، وظلت قياداته طرفا في تسيير شؤون البلاد بشكل صريح، رغم إقرار التعددية السياسية في خمسينيات القرن الماضي، وهو ما أدى إلى ترسخ فكرة لدى الأتراك بأن الجيش فاشل في الإدارة السياسية والاقتصادية.

ثانيا: على العكس من ذلك، وجد الأتراك في حكومات حزب «العدالة والتنمية» نموذجا ناجحا في الحكم والإدارة، انعكس إيجابا على أوضاع البلاد، فازدهر الاقتصاد وانتعشت الاستثمارات وتطور القطاع الخدمي، وتحدثت الأرقام عن واقع جديد كليا دخلته تركيا على يد هذا الحزب.

ثالثا: نجاح ويقظة حكومات «العدالة والتنمية» في الكشف عن محاولات انقلابية في مهدها، وكشف تفاصيلها بالدلائل أمام الجمهور، على غرار قضية شبكة «أرغينيكون» الانقلابية ضد الحكومة في 2007، وقضية «باليوز» في 2012، والتي كانت فرصة لإحالة مئات الضباط للمحكمة وإبعادهم عن مناصبهم.

العنصر الثالث تحديدا أدى إلى تراجع فوري وقوي، ولو بشكل معنوي، لقادة الجيش التركي في الحياة السياسية، وسجلت أقصى موجات هذا التراجع في عامي 2010 و2011، بعد أن كان هؤلاء القادة عنصرا أساسيا في السلطة.

8 خطوات مهمة

ويمكن إجمال فلسفة «الإصلاحات البطيئة» التي انتهجها «أردوغان» حيال المؤسسة التركية، في عدة نقاط:

1- عمل «أردوغان» على إضعاف دور وحضور الجيش في الهياكل والمؤسسات العمومية.

2- في الوقت نفسه، رفع الرئيس التركي سقف ميزانية القوات المسلحة، ورواتب الضباط والقيادات، وهو الأمر الذي أسهم في تقبلهم لإجراءات إبعاد الجيش عن الحياة العامة، بالإضافة ببطء وتيرة تلك الإجراءات بالفعل.

3- أعطى «أردوغان» موافقته على ملاحقة العدو المشترك للجيش والشعب التركي، وهم الانفصاليون الأكراد.

4- أنهى مهام كل من عارض سياساته في مجال الدفاع، وصدر فكرة القومية التركية وكرامة الأمة، وأن وجود جيش قوي هو الضمانة الأساسية لهذا الأمر.

5- بعد الكشف عن قضية «أرغينيكون» في 2010 وتنامي مشاعر السخط الشعبي ضد تدخلات الجيش في الحياة السياسية، استغل «أردوغان» الأمر وطرق الحديد وهو ساخن، وضغط على مجلس الشورى العسكري، مستغلا تلك الحالة الشعبية، لإقالة قيادات بالجيش وتغيير مواقع آخرين، وتوج الأمر بظهوره في صورة تاريخية غير مسبوقة إلى جانب قيادات الجيش في اجتماع مهم، حيث كان يتوسط المائدة في موقع القائد تماما.

6- مثلت التطورات الساخنة في البقعة المحيطة بتركيا خلال الشهور الماضية فرصة لـ«أردوغان» ليشغل الجيش بمهامه الحقيقية، ومثل التدخل العسكري التركي في سوريا والعراق اختبارا حقيقيا للجيش واحترافيته القتالية، وشحنه وراء فكرة القومية التركية مجددا، هذه المرة بيد «أردوغان» نفسه.

7- الإصلاحات التي نفذها «أردوغان» أفادت الجيش نفسه، حيث ازدهرت الصناعات العسكرية التركية، ومعها انتعشت عقود تصدير السلاح التركي لدول مهمة بالعالم، وهو ما شكل قوة معنوية للجيش التركي.

8- كان «أردوغان» يتخير أكثر الأوقات التي تشهد تحقيق نجاح اقتصادي أو تشييد مشروع مهم، للضغط على الجيش باستمرار لعدم خروجه من حلقة وظيفته العسكرية، مستفيدا بالتأييد الشعبي الكبير الذي كان يعقب تلك النجاحات والمشاريع، وهكذا وجد الجيش التركي نفسه دائما مجبرا على التماشي مع ما يفعله «أردوغان»، لئلا يستثير غضب الشعب.

النقطة الأخيرة تحديدا قد تفسر الغضب الشعبي الكبير والانتفاضة التاريخية للأتراك في وجه المحاولة الانقلابية، منتصف يوليو/تموز 2016، فبمجرد أن ظهر الرئيس التركي عبر تطبيق «سكايب» مطالبا الشعب بالنزول إلى الشوارع ومقاومة الانقلاب، تحركت أعداد كبيرة من المواطنين بالفعل، حيث ألقى البعض بأجسادهم أمام دبابات الإنقلابيين لمنعها من التحرك، بينما تعرض آخرون لنيران الإنقلابيين على جسر البوسفور في اسطنبول في محاولتهم دحر المتآمرين.

وبثت عدسات مصوري وكالات الأنباء العالمية ووسائل الإعلام جموعا من المواطنين وهي تصيح بغضب بأنهم لن يسمحوا بتكرار سيناريوهات 1960 و1971 و1980 و1997، وهي السنوات التي شهدت تنفيذ الجيش انقلابات عسكرية نجحت جميعها، والتي أدخلت بلادهم في موجة من الفوضى والقهر، على حد قولهم.

وكانت تلك هي المرة الأولى منذ تأسيس الجمهورية التركية في عام 1923، نجح الشعب في الوقوف بوجه دبابات العسكر.

استثمار اللحظة

وعلى غرار عنف المحاولة الانقلابية الفاشلة، والتي سقط بسببها نحو 270 قتيلا، كان «أردوغان» عنيفا في الرد، حيث استثمر جيدا حالة الغضب الشعبي مما حدث، ونفذ أكبر حملة للإطاحة بقيادات وضباط وحتى جنود من الجيش ثبت تورطهم في المحاولة الانقلابية، وشملت الحملة كذلك جزءا ممن لم يكونوا على علم بالمحاولة، لكنهم لم يقاوموها عندما حدثت، إما بسبب الخوف أو لانتظار ما ستسفر عنه الأحداث.

ولا ينس الكثيرون أن الرئيس التركي لم يتردد في استبعاد مجموعة من الطيارين الذين أرسلهم الجيش إلى الولايات المتحدة للتدرب على قيادة المقاتلة «إف-35»، بمجرد ورود معلومات مخابراتية بوجود علاقات مشبوهة لهم مع التنظيم الموازي، وهو الوصف الذي تطلقه تركيا على أتباع «حركة الخدمة» بزعامة «فتح الله كولن»، والذي اتهمته أنقرة بمحاولة تنفيذ الانقلاب الأخير.

وعلى التوازي، صعد «أردوغان» الذين اختاروا مقاومة الانقلاب وكادوا أن يدفعوا حياتهم ثمنا لذلك، إلى مواقع متقدمة بالجيش.

الآن، بات وزير الدفاع التركي ورئيس أركان الجيش هما رفقاء محنة الاحتجاز داخل قاعدة أقنجي الجوية على يد الانقلابيين تحت تهديد السلاح، بعد رفضهما التساوق مع فكرة الانقلاب على الرئيس والأمة، لتدخل تركيا عصرا جديدا بجيش أكثر التزاما بمهامه، وولاء لقائده «المنتخب».

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تركيا خلوصي أكار الجيش التركي تعيينات انقلاب