لماذا لا نعرف الكثير عن مرض «الصداع النصفي»؟

الأربعاء 11 يوليو 2018 11:07 ص

يصيب داء الصداع النصفي أو «الشقيقة» واحدة من بين كل خمس سيدات، ويحتل المرتبة الثانية بين الأمراض التي تعيق المريض عن ممارسة حياته الطبيعية، قياسا بعدد السنوات المعدلة حسب العجز والإعاقة. ورغم ذلك فإن هذا المرض لم يستوف حقه من البحث والدراسة، وبعض الأخصائيين لا يعترفون بأنه مرض عصبي حقيقي.

ويصنف مرض الشقيقة عادة ضمن أنواع «الصداع»، إلا أن الصداع المعتاد يمكن السيطرة عليه بقرص أو قرصين من مسكن يحتوي على «باراسيتامول»، في حين أن الشقيقة هي ألم عنيف يمزق الرأس، وأحيانا يكون من الشدة بحيث يوهن المريض ويعيقه عن ممارسة أنشطته المعتادة.

ولم يتوصل الأطباء بعد لسبب واضح للشقيقة، فقد يكون مرده تغير الهرمونات أو نشاط غير طبيعي للدماغ، وبالتالي لا يوجد بعد علاج للقضاء عليه أو الحد من نوبات الصداع النصفي على المدى الطويل.

وليس من المستغرب أن تنتهي دراسة شملت 195 دولة عن «العبء العالمي للأمراض»، إلى أن نوبات الصداع النصفي تحتل المرتبة الثانية بين الأمراض التي تعيق المرضى عن ممارسة أنشطتهم اليومية المعتادة قياسا بعدد السنوات المعدلة حسب الإعاقة أو العجز.

وتلقي نوبات الصداع النصفي بظلالها على الاقتصاد أيضا، فقد قدرت دراسة إجمالي عدد الأيام التي تغيبها الموظفون في المملكة المتحدة بسبب الصداع النصفي بنحو 25 مليون يوم في السنة.

ويعد هذا الاضطراب أيضا أكثر انتشارا بين النساء، حيث يصيب واحدة من بين كل خمس سيدات، بينما يصيب واحدا من بين كل 15 رجلا.

وفي أبريل/نيسان 2018، أجرت جامعة في أريزونا دراسة على فئران نصفهم من الذكور والنصف الأخر من الإناث، وتوصلت إلى أن سبب انتشار الصداع النصفي بين النساء قد يكون سببه ارتفاع مستويات الإستروجين وانخفاض نسب نواقل أيونات أو «شوارد» الصوديوم والبروتونات NHE1، التي تنظم نقل البروتونات وأيونات الصوديوم عبر أغشية الخلايا.

وإذا انخفضت مستويات هذه النواقل، ستزيد إشارات الألم التي يرسلها الجسم للدماغ.

وتقول إحدى الباحثات في الدراسة «إميلي غالوواي»: «استنادا إلى نتائج الدراسة، نرى أن النساء أكثر عرضة للإصابة بالصداع النصفي بسبب زيادة اضطرابات الهرمونات الأنثوية، وهذه التغيرات تؤثر على نواقل أيونات الصوديوم والبروتونات».

لكن مرض الشقيقة هو الأقل حظا بين الأمراض بحثا وتمويلا، حيث تشير إحصاءات إلى أن مرض الشقيقة، رغم ما يسببه من خسائر اقتصادية فادحة، يظل الأقل تمويلا بين الأمراض العصبية في أوروبا.

وفي الولايات المتحدة أنفق على أبحاث الربو ما يعادل 13 ضعف المبالغ التي أنفقت على الصداع النصفي، وأنفق على مرض السكري 50 ضعف المبالغ التي أنفقت على الصداع النصفي، رغم أنه يصيب 15% من السكان.

وكشأن سائر أبحاث الرعاية الصحية، فإن أغلب أبحاث الصداع النصفي أجريت على الذكور من الحيوانات، رغم أن الصداع النصفي أكثر انتشارا بين النساء.

وقد يعكس إهمال النساء في أبحاث الصداع النصفي اتجاها عاما في مجال الرعاية الصحية للاستهانة بآلام المريضات. وقد يجسد أيضا أشكال التعميم والتنميط الجنسي المرتبطة بالصداع النصفي الضاربة بجذورها في أعماق التاريخ.

 

تاريخ الصداع النصفي

ويعد هذا الصداع النابض من أقدم الأمراض التي سجلها البشر على الإطلاق. حيث عثر على مخطوطات مصرية قديمة تعود إلى عام 1200 قبل الميلاد تصف بالتفصيل حالات صداع تشبه أعراض الشقيقة. وكتب «أبقراط» أيضا عن الاضطرابات البصرية والقيء وهي أعراض تصاحب عادة الصداع النصفي.

وينسب الفضل في اكتشاف الصداع النصفي للطبيب الإغريقي «أريتايوس» من كبادوكيا، الذي وصف بدقة في القرن الثاني بعد الميلاد آلام الصداع النصفي التي تتركز في جانب واحد من الرأس والفترات التي لا يعاني فيها المريض من أعراض.

وارتبط علاج الصداع النصفي وأسبابه تاريخيا بالكثير من الخرافات والشعوذة، وظهرت ممارسات عديدة لعلاج الصداع النصفي في العصور الوسطى غير مثبتة علميا بداية من العلاج بالفصد أو الحجامة والسحر إلى إدخال فص ثوم في شق داخل المعبد.

وبعض الخبراء الطبيين أوصوا بعملية التربنة، أي حفر ثقوب في الجمجمة لعلاج الصداع النصفي. وكانت هذه العملية البشعة تُجرى عادة لإخراج الأرواح الشريرة من أشخاص كانوا أغلب الظن يعانون من أمراض نفسية، ولكنها ربما كانت بداية الربط بين الصداع النصفي والدماغ.

ولاحظ الأطباء للمرة الأولى أن الصداع النصفي أكثر شيوعا بين النساء منه بين الرجال في القرن التاسع عشر. واعتقدوا أن الدماغ هو أصل الداء، إذ وصفوا الحالة بأنها اضطراب يصيب «الأمهات من الطبقة الدنيا»، لأن عقولهن ضعفت بسبب العمل اليومي، وقلة النوم، والرضاعة وسوء التغذية.

وكثيرا ما كان الناس يسخرون من النساء اللائي يصبن بنوبات الصداع الحادة، ومن هنا بدأت وصمة الأمراض العصبية التي تلاحق المرضى حتى الأن.

 

العلاقة بين الدماغ والصداع

وبحسب «بي بي سي فيوتشر»، لا أحد ينكر أن اضطراب الصداع يرتبط بالصحة النفسية. وأكدت دراسات عديدة وجود علاقة بين الصداع النصفي ومجموعة من الاضطرابات النفسية.

وخلص استعراض لمجموعة دراسات أجريت عام 2016 إلى أن أغلب المصابين بالاضطراب الوجداني ثنائي القطب يعانون من الصداع النصفي، وأن المصابين باضطراب الصداع النصفي أكثر عرضة بمقدار مرتين ونصف للإصابة باضطراب القلق العام، وأن المصابين بالاكتئاب أكثر عرضة من غيرهم بثلاثة أمثال للإصابة بنوبات الصداع النصفي.

وخلصت دراسة أخرى إلى أن نحو واحد من بين كل ستة مصابين باضطراب الصداع النصفي قد هموا بالانتحار في مرحلة ما من حياتهم.

من جانبه، يقول «مسعود أشينا»، أستاذ طب الأعصاب ومدير وحدة أبحاث الصداع النصفي لدى البشر بمركز الصداع الدنماركي: «لا نعرف بعد طبيعة العلاقة بين الصداع النصفي وهذه الأمراض النفسية. فإن الصداع النصفي اضطراب واسع الانتشار، ولذا، فإن احتمالات تزامن الإصابة بهذا الاضطراب وأمراض نفسية أخرى مرتفعة أيضا».

ورغم ذلك، لا شك أن المعاناة من الصداع النصفي قد تؤدي إلى تدهور الصحة النفسية. كما يؤدي الشعور بالعجز والوهن المصاحبين للصداع النصفي إلى تفاقم أعراض الاكتئاب.

إلا أن اضطراب الصداع النصفي لا يزال في نظر الكثير من علماء الأعصاب وأفراد المجتمع، على حد قول «أشينا»، «مرضا حميدا». ويتابع: «ولكن إذا نظرت إلى انعكاسات هذا الاضطراب على حياة المصاب والمجتمع ككل، ستجد أن الصداع النصفي يمثل مشكلة جسيمة».

وتقول أستاذة مساعدة لطب الأعصاب بمؤسسة «مايو كلينيك» بولاية أريزونا، وتدعى «أمال ستارلنغ»، إن بعض المختصين لا يصنفون الصداع النصفي كمرض عصبي حقيقي. ولهذا عجز أخصائيو الصداع عن إيجاد مسوغ مقبول لإجراء أبحاثهم وإقناع الأخرين بضروروة الحصول على التمويل.

وقد يكون التحيز ضد المرأة هو أحد أسباب صعوبة الحصول على تمويل لإجراء أبحاث عن اضطراب أكثر انتشارا بين النساء. إذ تعاني النساء لإقناع الأطباء بأن آلامهن ليست وهمية، وتزيد نسبة الخطأ في تشخيص حالاتهن مقارنة بالرجال.

 

حالة شائعة

يقول خبراء إن حجم المصابين بمرض الشقيقة كفيل بأن يجعل الأخصائيين على دراية واسعة بهذا الاضطراب.

لكن علاجا جديدا من المتوقع أن يطرح قريبا للحد من نوبات الصداع النصفي، وهو دواء يسمى «إيرنوماب»، يؤخذ عن طريق الحقن مرة شهريا، ويعمل على حجب مستقبل الببتيد المرتبط بجين كالسيتونين في الدماغ، والمعروف بأنه يحفز نوبات الصداع النصفي.

وفي مايو/ أيار عام 2018 وافقت هيئة الغذاء والدواء الأمريكية على عقار أخر يستهدف نفس المستقبل في الدماغ.

وتقول «ستارلنغ»: «الجديد في هذا العقار أنه معدّ خصيصا لاستهداف الصداع النصفي، وهذا يزيد من فعاليته في علاج المرض ويقلل من أعراضه الجانبية».

وقد اكتشف الأطباء أن «حاصرات البيتا» التي توصف لعلاج الذبحة الصدرية وارتفاع ضغط الدم، تمنع أيضا نوبات الصداع النصفي.

غير أن «حاصرات البيتا»، رغم فعاليتها في علاج الصداع النصفي، فإنها تسبب أعراضا جانبية عديدة، بداية من الإنهاك والدوار، ووصولا إلى السكتة القلبية إذا توقفت فجأة عن تناولها.

وظهرت أيضا أجهزة حديثة كهربائية ومغناطيسية، منها أجهزة محمولة ترسل نبضات مغناطيسية إلى الدماغ لتغيير البيئة الكهربائية للألياف العصبية والحد من استجابتها المفرطة للمثيرات.

  كلمات مفتاحية

صداع مرض الصداع النصفي الشقيقة علاج أعراض خطر