في مصر.. الشائعات تطور طبيعي لحجب المواقع وحظر النشر

الأحد 29 يوليو 2018 08:07 ص

«اصبروا قليلا.. وسترون العجب العجاب».. هكذا وعد الرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي» المصريين، دون أن يحدد ما هو «العجاب» الذي على الشعب انتظاره.

وخرج «السيسي» ليتحدث عن انتشار نحو 21 ألف شائعة في وقت حظرت فيه السلطات ما يقرب من 500 موقع وأصبح «حظر النشر» هو مصير قضايا الرأي العام حتى بات «المنع» هو الأساس.

ورأى العديد من المصريين أن هذا هو «العجب العجاب» ففي الوقت الذي أغلقت فيه السلطات كل الوسائل لمعرفة الأخبار، اشتكى «السيسي» من الشائعات.

وعقب حديث الرئيس المصري عن الشائعات، رد عليه العديد من الصحفيين والكتاب والسياسيين المصريين بأن «21 ألف شائعة تساوي 21 ألف حالة قمع وحجب للصحف»، مؤكدين أن «حرية الصحافة تنهي الشائعات».

ورأى العديد من الكتاب والسياسيين أن قمع الصحافة وسيطرة الصوت الواحد هي وحدها المحرك الرئيسي للشائعات في ظل غياب الحقائق، محملين «السيسي» مسؤولية الشائعات التي تحدث عنها.

حظر الحظر

أحدث القضايا التي حظر فيها النشر هي التحقيقات مع رئيس المجلس الأعلى للإعلام (حكومي) «مكرم محمد أحمد»، حول أحقية إصدار قرار حظر النشر في قضية فساد «مستشفى 57357» المتخصص في علاج سرطان الأطفال.

فعقب إصدار «مكرم» حظر النشر في قضية مستشفى سرطان الأطفال، قرر النائب العام المصري إحالته للتحقيق ثم حظر النشر في التحقيق معه ليصبح الحظر في تلك القضية مزدوجا.

وقرر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر حظر النشر في كل ما يتعلق بمستشفى سرطان الأطفال الشهير «57357»، معتبرا أن المستشفى يمثل إنجازا مهما في مصر.

وطالب المجلس، برئاسة الصحفى «مكرم محمد أحمد»، جميع الأطراف بالتوقف عن الكتابة فى الموضوع ووقف بث البرامج المرئية والمسموعة التي تتناول هذا الموضوع لحين انتهاء اللجنة الوزارية من التحقيقات التى تجريها حاليا وإعلان نتائجها. 

«عنان» وحظر النشر

أبرز القضايا التي أثارت جدلا واسعا، وتركت القضية للأقاويل والشائعات بالشارع المصري، ورغم أن القضية تتعلق برئيس أركان الجيش السابق وللغلط ترشحه للرئاسة، فقد أصدر المدعي العسكري في شهر يناير/كانون الثاني الماضي، قرارا بحظر النشر في القضية بكل من الصحف والمجلات القومية والحزبية واليومية والأسبوعية والمحلية والأجنبية لحين الانتهاء من التحقيق.

وفي شهر أبريل/نيسان الماضي، عاد المدعي العام وحذر من مخالفة حظر النشر في قضايا رئيس الأركان الأسبق الفريق «سامي عنان»، مؤكدا اتخاذ ما يلزم من إجراءات فيما يخص تنفيذ القرار.

وقال المدعي العسكري، في بيان صحفي: «يستمر العمل بحظر النشر في القضيتين رقم 1/2018 جنح المدعى العام العسكري ورقم 1/2018 جنايات المدعى العام العسكري والمقيدتين ضد فريق مستدعى سامي عنان».

وجاء ذلك الحظر «إلحاقا للقرار السابق صدوره بتاريخ 23 يناير/كانون الثاني الماضي بحظر النشر، ونظرا لما تناولته بعض المواقع الإعلامية في الساعات الأخيرة من أخبار عن هاتين القضيتين».

الرشوة الكبرى

في شهر يناير/كانون الثاني 2017، أمر النائب العام المصري المستشار «نبيل صادق» بفتح التحقيقات في انتحار المستشار «وائل شلبي» الأمين العام لمجلس الدولة سابقا، في قضية رشوة مجلس الدولة.

وقرر «صادق» حظر النشر في «القضية رقم 1150 لسنة 2016 حصر أمن دولة عليا»، والمعروفة إعلاميا بقضية «الرشوة الكبرى».

وشمل قرار الحظر «جميع وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، وكذلك جميع الصحف والمجلات القومية والحزبية والأسبوعية المحلية والأجنبية، وكذلك المواقع الإلكترونية لحين انتهاء التحقيقات»، بحسب بيان النائب العام.

ومن أبرز القضايا التي حظر فيها النشر كان قضية اقتحام نقابة الصحفيين في شهر مايو/أيار 2016.

وأثار قرار النيابة حينها بحظر النشر أزمة كبيرة بين قطاع من الصحفيين المصريين ووزارة الداخلية المصرية، إذ حظرت النقابة الحظر في القضية عقب اقتحام قوات من الداخلية لمقر النقابة واعتقال اثنين من أعضائها من داخلها.

وفي شهر مارس/آذار 2016، أصدرت السلطات القضائية في مصر، قرارا بحظر النشر في القضية المعروفة إعلاميا باسم «التمويل الأجنبي»، والتي يعود تاريخها إلى عام 2011، وأعيد فتح التحقيقات فيها الشهر الجاري.

وقالت وكالة أنباء الشرق الأوسط، المصرية الرسمية إن قرار حظر النشر أصدره «هشام عبدالمجيد»، قاضي التحقيق في القضية، ويشمل «جميع وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، وكذلك الصحف والمجلات القومية والحزبية اليومية والأسبوعية المحلية والأجنبية، وغيرها من النشرات أيا كانت، وكذا المواقع الإلكترونية».

ويستمر نفاذ القرار حتى انتهاء التحقيقات في القضية، ويستثنى من حظر النشر البيانات التي تصدر عن قضاة التحقيق، حسب الوكالة المصرية.

وفي يناير/كانون الثاني 2016، قرر النائب العام المصري، المستشار «نبيل صادق»، حظر النشر في قضية تقرير «الجهاز المركزي للمحاسبات» بشأن حجم الفساد في مصر والبالغ 600 مليار جنيه.

وطالب النائب العام وسائل الإعلام بعدم النشر في القضية رقم 75 لسنة 2016 حصر أمن الدولة العليا المعروفة إعلاميا بتقرير الجهاز المركزي للمحاسبات بشأن حجم الفساد، وكذلك تصريحات المستشار «هشام جنينة» رئيس الجهاز بوجود فساد بـ600 مليار جنيه خلال عام 2015، ورد اللجنة المشكلة من الرئاسة المصرية بالنفي وعدم صحة التقرير.

وذكر بيان للنيابة العامة أن قرار حظر النشر سيستمر لحين انتهاء التحقيقات فيها، باستثناء البيانات التي تصدر من مكتب النائب العام بشأنها.

الحظر أو الفرم

خلال الأسابيع الماضية، تعرضت صحف مصرية كبرى مثل «المصري اليوم»، و«الوطن»، و«الشروق»، لأزمات كبيرة بوقف طباعتها للاعتراض على بعض المحتوى، وطلب استبداله دون أدنى مبرر، حتى طال الحظر مصطلحات سياسية، وأسماء قيادات في الدولة، بشكل بات مثار تندر وسخرية.

ووفق مصادر مطلعة، فقد أوقفت السلطات مؤخرا طباعة صحيفة «الوطن» (يومية خاصة) رغم أن الصحيفة شديدة التأييد للنظام، ومعروفة بدعمها الانقلاب العسكري وعدائها الشديد للإسلاميين، وتمحور الرفض حول كلمات وردت في محتوى الصحيفة مثل «السلطة» حيث طالبوا باستبدالها بكلمة الحكومة أو أي شيء آخر، وكذلك عند انتقاد «فشل السياسات» مطالبين باستبدالها بـ«فشل الإجراءات».

وفي أبريل/نيسان الماضي، وعلى خلفية خطأ في صورة والدة «السيسي»، تقرر إيقاف 4 صحفيين عن العمل وتغريمهم مبالغ مالية؛ ومصادرة عدد مجلة الهلال (حكومية) من الأسواق.

وفي مارس/آذار الماضي، تقرر إحالة رئيس تحرير «المصري اليوم» «محمد السيد صالح»، ومحررة بالموقع الإلكتروني إلى نقابة الصحفيين، للتحقيق معهما، وتوقيع غرامة قدرها 150 ألف جنيه (8 آلاف دولار)، على خلفية صدور مانشيت الجريدة بعنوان «الدولة تحشد الناخبين»، الذي نشرته الصحيفة عن ثالث أيام الانتخابات الرئاسية التي فاز بها «السيسي».

ولاحقا، تم إقالة رئيس تحرير الصحيفة «محمد السيد صالح» واختيار الكاتب الصحفي «حمدي رزق» خلفا له.

وقبل أشهر صادرت السلطات صحيفة «البوابة» الموالية للنظام، لاحتوائها على تقرير ينتقد عدم تمكن الأجهزة الأمنية من القبض على وزير الداخلية الأسبق، «حبيب العادلي»، الهارب منذ مايو/أيار قبل الماضي، قبل تسليم نفسه وإعادة محاكمته من جديد.

والعام الماضي، منعت السلطات المصرية طباعة وتوزيع صحيفة «المصرية» الأسبوعية المستقلة، بمطابع دار «أخبار اليوم» الحكومية، بسبب غلاف العدد الذي كان يتضمن قصيدة زجل لمواساة لاعب «النادي الأهلي» السابق، «محمد أبوتريكة»، بسبب وفاة والده.

وجراء تمسكها بمصرية جزيرتي «تيران وصنافير»، التي أقر البرلمان اتفاقية نقل السيادة عليها إلى السعودية، أوقفت السلطات طباعة صحيفة «الصباح» (خاصة)، يونيو/حزيران قبل الماضي.

كذلك صحيفة «المصريون» (مستقلة)، التي دعمت بقوة أحداث 30 يونيو/حزيران 2013 التي أطاحت بحكم جماعة «الإخوان»، تم إيقاف طباعتها أكثر من مرة لاستخدام كلمة «المخابرات العامة»، أو الإشارة إلى رئيس الجهاز اللواء «عباس كامل»، مع تعليمات واضحة بعدم الإشارة إلى الجهاز من قريب أو بعيد.

اللافت أن حظر النشر طال قضايا رياضية وفنية، آخرها أزمة رئيس هيئة الرياضة السعودية «تركي آل الشيخ» مع إدارة النادي الأهلي، وزواجه من المطربة المصرية «آمال ماهر»، وبلغ الأمر فرم أعداد صحيفة «المصري اليوم» التي خرقت حظر النشر، الذي بات من صلاحيات جهات أمنية، دون الرجوع إلى النائب العام، المختص قانونيا ودستوريا بإصدار مثل هذا القرار.

ما هو حظر النشر؟

والمقصود بحظر النشر، منْع النشر في الصحف والمطبوعات وكافة الوسائل العلانية الأخرى، سواء أكان بالكتابة أم بالقول عن طريق خطاب عام أو عن طريق الإذاعة أو بالصور، أو بغير ذلك من وسائل العلانية.

وتتعلق فلسفة حظر النشر، بما ذهب إليه جانب من الفقه إلى حظر النشر في القضايا التي تحظى باهتمام الرأي العام، وذلك لحماية إجراءات التحقيق والمحاكمة وحماية أطراف المنازعة، فضلا عن تجنب إثارة الجمهور وعدم التأثير على عقيدة القضاة، مما يضر بالعدالة.

وحرية الصحافة تعد من صور حرية التعبير الأكثر أهمية، ومن ثم فقد كفلها الدستور، وحظَر فرْض الرقابة على الصحف ووسائل الإعلام أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها. ولئن كان قد أجاز فرض رقابة محدودة عليها، فذلك في الأحوال الاستثنائية، كما ألزم الدولة بضمان استقلال المؤسسات الصحفية ووسائل الإعلام المملوكة لها، بما يكفل حيادها وتعبيرها عن كل الآراء والاتجاهات السياسية والفكرية والمصالح الاجتماعية، باعتبار أن حرية الصحافة هي السياج لحرية الرأي والفكر.

وحظر النشر إجراء استثنائي عن الأصل العام وهو حرية الصحافة، وهذا ما أكدت عليه محكمة النقض بأن حصانة النشر مقصورة على الإجراءات القضائية العلنية، والأحكام التي تصدر علنا، وأن هذه الحصانة لا تمتد إلى ما يجرى في الجلسات غير العلنية ولا إلى ما يجرى في الجلسات التي قرر القانون أو المحكمة الحد من علانيتها.

ويتعارض حظر النشر مع إتاحة المعلومات، والحق في المعرفة وجه من وجوه حرية الرأي والتعبير، فهي تعد من أكثر الأوجه جوهرية في الحوار السياسي المعتمد على المعلومات.

أقر الدستور المصري بملكية المعلومات والبيانات والوثائق الرسمية للشعب والتزام الدولة بإتاحتها بكافة الأشكال، مثل رقمنتها والإفصاح عنها للمواطن، كما قرر المشرّع الدستوري معاقبة من يحجب معلومة، أو يقوم بالتضليل بإعطاء معلومات مغلوطة.

أما الجهات المخوّل لها إصدار قرارات حظر النشر، فهي النيابة العامة أو هيئة التحقيق القضائية.

ويُصدر القرار أثناء سير التحقيق وينتهي حظر النشر بمجرد التصرف فيه من جانبها، سواء بحفظه أو إحالته إلى المحكمة.

ويكون قرار حظر النشر من جانب القاضي بوقائع جلسة معينة أو كل الجلسات أو الأحكام؛ وللمحكمة أن تأمر بذلك من تلقاء نفسها، أو بناء على طلب الخصوم، ما دامت ترى أن في الحظر محافظة على النظام العام والآداب.

وبشأن التنظيم القانوني لقرارات حظر النشر، فإن أهم القوانين المنظمة لحظر النشر، «هو منْع النشر في الصحف والمطبوعات وكافة الوسائل العلانية الأخرى، سواء أكان بالكتابة أم بالقول عن طريق خطاب عام أو عن طريق الإذاعة أو بالصور، أو بغير ذلك من وسائل العلانية نشر أخبار تنتهك حرمة الحياة الخاصة».

وقد حصّن الدستور الحياة الخاصة طبقا للمادة (57)، والتي أرسى لها مبدأ لصيانتها، وحظَر على وسائل الإعلام نشر أية أخبار أو مواد تنتهك حرمة الحياة الخاصة أو المراسلات البريدية والبرقية والإلكترونية والمحادثات الهاتفية. فضلا عن حظر النشر في أسرار الدفاع والأسرار المتعلقة بأمن الدولة، وفقا لنص المادة (85) من قانون العقوبات.

كما نصت المادة (188) من قانون العقوبات على أنه «يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من نشر بسوء قصد بإحدى الطرق المتقدم ذكرها أخبارا أو بيانات أو شائعات كاذبة أو أوراقا مصطنعة أو مزورة أو منسوبة كذبا إلى الغير، إذا كان من شأن ذلك تكدير السلم العام أو إثارة الفزع بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة».

كما حظر القانون المصري نشْر الجلسات السرية لمجلس الشعب، إذ تنص المادة (192) من قانون العقوبات على أنه «يعاقب بنفس العقوبات كل من نشر، بإحدى الطرق المتقدم ذكرها، ما جرى من المناقشات في الجلسات السرية لمجلس الشعب، أو نشر بغير أمانة وبسوء قصد ما جرى في الجلسات العلنية في المجلس المذكور»

إلى جانب حظر النشر في شؤون القضاة والقضاء، حيث قرر مجلس القضاء الأعلى، في 9 يناير/كانون الثاني 2017 «حظر نشر أية أخبار تتعلق بشؤون القضاء والقضاة، على كافة المواقع الإلكترونية على شبكة الإنترنت، أيا كانت طبيعتها أو القائمين عليها، ومخالفة هذا الحظر سيترتب عليه توقيع الجزاءات التأديبية الواردة في قانون السلطة القضائية، أو إخطار جهات التحقيق إذا لزم الأمر».

وعلى الرغم من غموض القرار وعدم تحديد مَن المعني به، لم يصدُر بعدُ أي توضيح للقرار.

وحذر «السيسي» المصريين، خلال كلمة ألقاها، الأحد الماضي، بحفل عسكري، مما وصفه بـ«الخطر الحقيقى وهو تفجير الدول من الداخل، عن طريق الضغط، والشائعات، والأعمال الإرهابية، وفقد الأمل، والإحساس بالإحباط، بهدف تحريك الناس».

وقال: «التدمير لبلادنا مش هيكون (لن يكون) غير من جوانا (داخلنا)، ننتبه تماما لما يحاك بنا.. عاوز (أريد) أقولكم سرا، واجهنا 21 ألف شائعة في 3 شهور الهدف منها بلبلة وعدم استقرار وتضييع وإحباط».

ولم يقدم «السيسي» تفاصيل أكثر بخصوص الشائعات غير أن مركز معلومات مجلس الوزراء المصري (رسمي) أصدر بيانات عديدة في الشهور الثلاثة الأخيرة تفند ما اعتبره «شائعات» أغلبها متعلق بارتفاع الأسعار، وحذف سلع مدعمة، وظهور أطعمة فاسدة.

وتحتل مصر المرتبة 161 على مؤشر حرية الصحافة من إجمالي 180 دولة، في تراجع عن المرتبة 159 لعام 2016، حيث حجبت مصر نحو 500 موقع إلكتروني، أغلبيتها مواقع صحفية وحقوقية.

ويسمح قانون الطوارئ في مصر، الذي يتم تمديده باستمرار، بإصدار أوامر رئاسية (كتابة أو شفاهية)، تشمل مراقبة الصحف والنشرات والمطبوعات والمحررات والرسوم ووسائل التعبير والدعاية والإعلان، قبل نشرها، وضبطها ومصادرتها وإغلاق أماكن طباعتها.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر حظر النشر الصحف المصرية قضايا الرأي العام السيسي