"فورين بوليسي": لماذا أخطأت واشنطن باستئناف مساعداتها لمصر؟

الأحد 12 أغسطس 2018 08:08 ص

مرة أخرى، تراجعت واشنطن في مواجهة مع القاهرة بخصوص المساعدات العسكرية، ففي 25 يوليو/تموز، كشف مسؤولون أمريكيون ومصريون أن وزير الخارجية "مايك بومبيو" أفرج عن 195 مليون دولار من المساعدات العسكرية، والتي كان قد تم تجميدها منذ أغسطس/آب الماضي.

وجاءت هذه الخطوة على الرغم من حقيقة أن مصر لم تستوفِ أيًا من الشروط الثلاثة التي قرن بها وزير الخارجية السابق، "ريكس تيلرسون" الإفراج عن المساعدات: وهي إعادة النظر في محاكمة لناشطي منظمات المجتمع المدني بما في ذلك 17 أمريكيًا، والذين أدينوا بتهم مسيسة بالعمل دون ترخيص والحصول على تمويل أجنبي غير قانوني؛ وإلغاء أو إعادة النظر في قانون المنظمات غير الحكومية 2017 في مصر، ووقف التعاون الدبلوماسي والعسكري والاقتصادي لمصر مع كوريا الشمالية.

نجاح الضغط عبر المساعدات

هذه ليست المرة الأولى التي تغض فيها الولايات المتحدة الطرف في مواجهة مع حكومة الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي".

في الحقيقة، كنت مديرًا لشؤون مصر في مجلس الأمن القومي في عام 2015 عندما رفعت إدارة "أوباما" في النهاية قبضتها عن تسليم العديد من أنظمة الأسلحة على الرغم من أن القاهرة لم تستوفِ شروط الإدارة الأكثر طموحًا، وقد أدى هذا القرار لقول أحد المسؤولين السابقين في إدارة "أوباما": "لقد خضعنا".

في هذه الحالة، قام حلفاء مصر الإقليميون – (إسرائيل)، والسعودية، والإمارات - بممارسة ضغوط قوية ضد تعليق المساعدات، وكان كل منهم أكثر أهمية لمصالح الولايات المتحدة من مصر، فلا عجب في أن آراءهم كانت تحمل ثقلاً لدى الرئيس "باراك أوباما"، كذلك فإن عدم ارتياح بعض الوكالات الحكومية الأمريكية، بما في ذلك وزارة الدفاع، مع ممارسة الضغط على "صديق" مفترض، قد جعل الموازين تميل.

ألقت مثل هذه الضغوط بثقلها على وزارة الخارجية هذه المرة، ولكن هناك اختلاف رئيسي واحد: ففي حين أن تعليق إدارة "أوباما" لأنظمة الأسلحة لم تنتج تغييرات في السياسة المصرية، يبدو أن ضغط إدارة "ترامب" يعمل.

بعد التوقف لمدة 5 سنوات، في أبريل/نيسان، أمرت أعلى محكمة استئناف في مصر أخيراً بإعادة المحاكمة في قضية المنظمات غير الحكومية لعام 2013، وفي غضون ذلك، ترددت الحكومة في فرض بعض أحكام قانون 2017 الذي ينظم عمل المنظمات غير الحكومية في مصر، مثل فرض ضريبة على المنح الأجنبية، وبالمثل، أكد مسؤولو الإدارة أن مصر أجبرت كوريا الشمالية على خفض حجم سفارتها في القاهرة (التي كانت في السابق أكبر سفارة من نوعها في الشرق الأوسط)، كما أوقفت على ما يبدو العمليات العسكرية مع حكومة "كيم جونغ أون".

ومع هذا، فإن الإفراج عن المساعدات العسكرية قبل أن تلبي مصر شروط الولايات المتحدة كاملة ربما يدفع الحكومة المصرية إلى الانتكاس.

انتكاس مصر

لم يتم تبرئة أي متهم واحد في محاكمة المنظمات غير الحكومية، ومن المهم التشكك في أن مصر سوف تشعر بأنها مجبرة على القيام بذلك الآن، وطالما بقي قانون المنظمات غير الحكومية لعام 2017 بشكله الحالي، فإن احتمال أن تنفذ الحكومة المصرية أسوأ أحكامها يلوح في الأفق.

فبعد كل شيء، كسر "السيسي" التزامه للرئيس "دونالد ترامب" بعدم تمرير القانون خلال اجتماع المكتب البيضاوي في العام الماضي، كما أن القاهرة قد تستأنف التعاون العسكري مع كوريا الشمالية بمجرد أن تكون واثقة من أن واشنطن تنظر إلى الاتجاه الآخر.

ومن الخطر أن تفقد الولايات المتحدة نفوذها في هذا الوقت، خلال الـ11 شهرًا التي توقفت فيها المساعدات العسكرية الأمريكية، تدهور الوضع السياسي في مصر بشكل ملحوظ، وفي مارس/آذار، نظم "السيسي" انتخابات هزلية حيث تم اعتقال أو إبعاد كل منافس ذي مصداقية خارج السباق.

وخلال الأشهر القليلة الماضية، واصل "السيسي" حبس الناشطين الإسلاميين والعلمانيين، وبدأ يستهدف المدونين والمعلقين السياسيين الآخرين كذلك، واستغلت الجماعات الإرهابية – بما فيها "الدولة الإسلامية"- القمع الذي لم يسبق له مثيل لتكثيف جهود تجنيدهم في السجون المصرية، التي كانت أرضاً خصبة للعديد من أعضاء القاعدة قبل جيل.

وتؤدي سياسات "السيسي" إلى عدم الاستقرار الذي زاد من تدفق اللاجئين إلى أماكن أخرى في الشرق الأوسط وأفريقيا، وعلى الرغم من أن حجب المساعدات لن يحول مصر بين ليلة وضحاها، لكن الضغط المتواصل يمكن أن يخدم حماية وتوسيع المساحة المتاحة للمجتمع المدني المصري، والذي تعتبر صحته عنصراً أساسياً في مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية.

"الكونغرس" قد يتدارك الأمر

مع أن إدارة "ترامب" تبدو غير راغبة في محاسبة "السيسي"، يجب على الكونغرس أن يأخذ زمام الأمور حيثما يستطيع، وقد أظهر بعض الاستعداد للقيام بذلك في السنوات الأخيرة، مع قيام السيناتور "ليندسي غراهام" والسيناتور "باتريك ليهي" من لجنة الاعتمادات الفرعية التابعة لمجلس الشيوخ حول الدولة والعمليات الخارجية، بالسعي لجعل حزمة من المساعدات العسكرية الأمريكية السنوية لمصر مشروطة بتحقيق معايير حقوق الإنسان.

ولسوء الحظ، سمح الكونغرس أيضاً للإدارة بسهولة تجاوز هذه الشروط بإعفاء لدواعي الأمن القومي.

مثل هذه الإعفاءات قد تكون منطقية في حالة الطوارئ الأمنية الوطنية، ولكن لم تكن هناك حالة طوارئ في مصر، إن تعليق 195 مليون دولار من المساعدات العسكرية على مدى الأشهر الـ11 الماضية لم يقض على قدرة مصر على حماية نفسها، ولم يكن له حتى له تأثير كبير على القدرات العسكرية للبلاد.

كما كانت معاهدة السلام الإسرائيلية المصرية متماسكة بالمثل، ولم تمنع القاهرة الولايات المتحدة من الوصول إلى قناة السويس أو المجال الجوي المصري.

ومع ذلك، فإن حجب المعونة كان ينجح، لأن "السيسي" يقدّر رمزية كونه متلقيًا للمساعدات العسكرية الأمريكية، ولأن هذا التمويل مهم للحفاظ على شبكات المحسوبية العسكرية.

ومن المرجح أن تستمر إدارة "ترامب" في إساءة استغلال إعفاءات الأمن القومي، وإصدار أمر آخر في الأسابيع القادمة لتحرير 195 مليون دولار إضافي في المساعدات العسكرية قبل نهاية العام المالي 2018.

وقد يخضع "ترامب" للضغط المصري المتواصل لاستعادة تمويل برنامج التدفق النقدي، وهو ترتيب فريد يسمح لمصر بشراء معدات عسكرية على أساس الوعد بالدفع في المستقبل في مرحلة ما، وهي ميزة تم إيقافها في عهد "أوباما"، بما يعني أن مصر ستفوز بكلا المكسبين، وستمنح القليل في المقابل.

بالنسبة للكونغرس، فإن الرد المناسب واضح: إذا كان يساورهم القلق فعلاً بشأن الاتجاه الحالي لمصر، فلن تكون الكلمات القاسية كافية.

يجب أن تخرج قرارات المساعدات المصرية من أيدي الرئيس من خلال حرمان إدارته من إعفاء الأمن القومي، والتمسك بتحقيق شروط حقوق الإنسان المقترنة بالمساعدات العسكرية لمصر.

وإن لم يفعل الكونغرس ذلك، فإن شروط المساعدة لن تكون أكثر من ضجيج، وسيستمر البلد في التدهور مع كل الأذى الذي يلحق بمواطنيه، والمنطقة، والمصالح الأمريكية.

المصدر | أرون ديفيد ميلر - فورين بوليسي

  كلمات مفتاحية

السيسي ترامب العلاقات المصرية الأمريكية المساعدات الأمريكية