"جيوبوليتيكال فيوتشرز": الليرة تنهار.. وليس بسبب أمريكا وحدها

الأحد 12 أغسطس 2018 10:08 ص

بينما كانت الخلافات تدب بين الولايات المتحدة وتركيا حول قضايا مثل القس الأمريكي المحتجز لدى أنقرة، وتعطيل صفقة طائرات إلى تركيا من طراز "إف-٣٥"، والنقاط الخلافية في الحرب الأهلية السورية، انتقلت الليرة التركية من الانخفاض المستمر إلى الهبوط الحاد، وقد انخفضت بنسبة تقترب من النصف تقريبا منذ بداية العام، و14% تقريبا في يوم واحد وهي تواصل الانخفاض. 

وألقى الكثيرون باللوم في هذه الكارثة المالية على إدارة "ترامب". فبعد كل شيء، تم فرض عقوبات على عدد قليل من المسؤولين الأتراك، وهددت الإدارة بإزالة تركيا من برنامج يسمح لها بتصدير بعض المنتجات المعفاة من الرسوم الجمركية إلى الولايات المتحدة، ومنذ يومين، أعلنت أنها ستضاعف تعريفة الصلب والألومنيوم.

ومن المؤكد أن الإجراءات التي فرضتها واشنطن ليست جيدة بالنسبة للاقتصاد التركي. لكن مشاكل تركيا الاقتصادية ليست وليدة اليوم، وتعد مشاكل هيكلية، والليرة آخذة في الانخفاض منذ بداية العام. وتعد تحركات واشنطن ضد تركيا إجراءات عقابية، لكنها ليست سبب المشكلات الاقتصادية في تركيا. وترجع مشكلة تركيا إلى اعتمادها على الديون الخارجية، وبالتالي على الاحتياطيات الأجنبية. وكل ما في الأمر أن الولايات المتحدة ترى نقاط ضعف الاقتصاد التركي وتسعى إلى استغلالها.

وبالفعل، فإن النمو الاقتصادي لتركيا منذ عام 2002 تغذيه إلى حد كبير الديون الخارجية، أي الديون المقومة بعملة أجنبية. ويعني انخفاض معدل الادخار في تركيا أنه حتى مع رفع أسعار الفائدة، لن يكون هناك ما يكفي من رؤوس الأموال المحلية في النظام المالي التركي لتقديم قروض كافية لتحفيز النمو، ولذلك اقترضت أنقرة من دول أجنبية. والمشكلة مع الديون المقومة بعملة أجنبية هي أنه يصبح من الأصعب سدادها عندما تضعف العملة المحلية، وهذه هي معضلة تركيا.

وللتحوط من مخاطر الديون الخارجية، قامت تركيا بتكوين احتياطيات أجنبية كبيرة، لكنها فعلت ذلك بطريقة جديدة؛ حيث يسمح البنك المركزي التركي للبنوك التركية بالاحتفاظ باحتياطيات رأس المال، ليس فقط بالليرة التركية، بل بالعملات الأجنبية (والذهب)، ومع ذلك، إذا استبدلت البنوك العملات الأجنبية لصالح الليرة كاحتياطي لها، فعليها أن تودع تلك العملة الأجنبية في البنك المركزي.

ويعني هذا أن جزءا كبيرا من احتياطيات النقد الأجنبي الموجودة في البنك المركزي لا يمكن للبنك التصرف فيها حسب رغبته حيث تضم ​​جزءا من احتياطيات رأس المال للنظام المصرفي التركي.

ومع انخفاض الليرة هذا العام، قام البنك المركزي بتخفيض نسبة الصرف الأجنبي الاحتياطي، مما يعني أنه سمح باحتجاز كمية أقل من العملة الأجنبية كاحتياطيات في البنك المركزي كبديل لاحتياطيات الليرة. وفي مايو/أيار، تم تخفيض هذا الرقم من 55% إلى 45%، وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، تم تخفيضه إلى 40%. ويمكن اعتبار هذا أساسا بمثابة بيع احتياطي العملات الأجنبية لتعزيز الليرة، وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، بدا أنه يجدي مع اكتساب الليرة قوة لفترة وجيزة. ولكن بما أن العديد من هذه الاحتياطيات الأجنبية الرئيسية يتم اقتراضها من قبل البنك المركزي من البنوك التركية العاملة، يمثل هذا الانخفاض أيضا إضعافا عاما للنظام المصرفي التركي.

ومع تقدم الأسبوع، واصلت الليرة انخفاضها، مما يثبت أن تلك الآلية لم تكن فعالة، وبالتالي يثبت فشل أداة اعتقدت الحكومة أنها تسمح لها بالاحتفاظ باحتياطيات أجنبية أكبر. وكانت احتياطيات تركيا الأجنبية قد تقلصت من 95 مليار دولار إلى 78 مليار دولار منذ بداية عام 2017. ولوقف تراجع الليرة، قد تضطر أنقرة إلى اتخاذ قرار غير شعبي سياسيا برفع أسعار الفائدة، وقد عمد الرئيس "رجب طيب أردوغان" إلى تثبيط زيادات أخرى في الفائدة خوفا من أن يقلل ذلك من توافر الائتمان الذي تحتاجه تركيا للنمو.

وبالطبع، لا شيء من هذه التطورات يأتي ضمن الإطار الاقتصادي البحت؛ حيث يؤثر ضعف الاقتصاد على القدرات العسكرية لتركيا وسياساتها. وتعني العملة الضعيفة أنه مع تكريس المزيد من الأموال لخدمة الدين الخارجي، فإن أموالا أقل ستذهب إلى مجالات أكثر إنتاجية في الاقتصاد. وسيؤثر تراجع النشاط الاقتصادي على عائدات الضرائب، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى الضغط على الإنفاق العسكري التركي، ومن هنا تبرز الحاجة الملحة لتركيا لتطوير صناعة دفاع محلية تعتمد بشكل أقل على الواردات. 

ولن تؤدي جهود "أردوغان" في هذا الصدد إلا إلى تفاقم التوترات بين الولايات المتحدة وتركيا، وهي استراتيجية غريبة، بالنظر إلى الضعف العام للاقتصاد التركي. وبهذا، يبدو أن التحالف بين هذين الشريكين يصبح أكثر هشاشة كل يوم.

  كلمات مفتاحية

العقوبات الأمريكية ضد تركيا انهيار الليرة التركية أردوغان ترامب العلاقات التركية الأمريكية