كيف حول "السيسي" حكومة الجنرالات إلى حكومة الرجل الأوحد؟

الأحد 19 أغسطس 2018 04:08 ص

في 14 يونيو/حزيران، عين الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" وزيرا جديدا للدفاع، دون الحصول على موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، المؤسسة التي جلبته إلى السلطة، وفي الوقت نفسه، عين رئيس الوزراء دون موافقة البرلمان اللازمة.

وقد تبدو هذه بمثابة مناورات سياسية صغيرة، لكنها تكشف عن اتجاه السياسة المصرية. ومنذ توليه السلطة عام 2013 في انقلاب عسكري ضد "محمد مرسي"​​، قام "السيسي" بإزالة العقبات بشكل منهجي أمام سلطته. ويمثل توسيع هذا النمط في وزارة الدفاع وتجاهل السلطات الدستورية تصعيدا مهما وجديرا بالرصد.

 المجلس العسكري

عند النظر في السياسة المصرية المعاصرة، يجب توجيه الأنظار نحو المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وقد رسخ المجلس، الذي أسسه "جمال عبدالناصر" عام 1954، آليات قوية للتأثير على الحكومة. وعاد المجلس الأعلى للقوات المسلحة للظهور خلال المظاهرات ضد "حسني مبارك" أوائل عام 2011، وسيطر على الحكومة حتى انتخاب "مرسي" عام 2012.

وفي فبراير/شباط 2014، أصدر قاضي المحكمة العليا السابق والرئيس المؤقت "عدلي منصور" القانون رقم 02 لعام 2014، وحدد القانون عضوية المجلس العسكري، ومنحه صلاحية الموافقة على اختيار وزير الدفاع. وتنص المادة 234 من دستور عام 2014 على أن تعيين وزير الدفاع، حتى عام 2020، يتطلب موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وأصر المجلس الأعلى للقوات المسلحة على هذا البند على الرغم من أنه تسبب في صراعات سياسية مثيرة للانقسام وأحيانا معارك شوارع بين عامي 2011 و2014.

وخشيت القوات المسلحة المصرية على سلطتها السياسية منذ أواخر عام 2011. وفي عام 2012، أطاح "مرسي" بأعلى ضباط الجيش، بمن فيهم وزير الدفاع، واستبدلهم بأشخاص آخرين اعتقد أنهم أكثر جدارة بالثقة على رأسهم "السيسي" الذي انقلب على "مرسي" لاحقا، قبل أن يستبدل داعميه القدامى ويضع محلهم أقرب المقربين له.

ويبدو أن ما جري هي لعبة معقدة للكراسي الموسيقية قامت فيها مجموعة صغيرة من الضباط ذوي العلاقة الوثيقة بالسيطرة على الدولة ومع انتهاء اللعبة، كانت المؤسستان الرئيسيتان -البرلمان والقوات المسلحة- اللتان تمتلكان نفوذا دستوريا على الرئيس قد تنازلتا عن ممارسة حقوقهما الدستورية ليتحول الدستور المصري المكتوب حديثا إلى ورق لا قيمة له. وإذا لم يستطع الجيش ولا الهيئة التشريعية المنتخبة ممارسة حقوقهما، فما هي الفرصة التي يتمتع بها المصريون الآخرون، سواء كانوا أفرادا أم مؤسسات؟

 الدستور

تمنح المادة 146 من الدستور الرئيس الحق في تعيين رئيس للوزراء، لكن يجب على البرلمان أن يمنح الحكومة الجديدة الثقة. وفي 14 يونيو/حزيران، أدت حكومة جديدة اليمين الدستورية. وشملت هذه الحكومة، التي تقدمها رئيس الوزراء الجديد "مصطفى مدبولي" تعيين "محمد زكي" كوزير للدفاع بدلا من الوزير السابق "صدقي صبحي". ولم يوافق المجلس الأعلى للقوات المسلحة على تعيين "زكي" علانية، ولم يقبل البرلمان بعد حكومة "مدبولي". فلماذا صمتت هاتان المؤسستان حتى الآن؟

يعود جذور هذه الإشكالية المؤسسية إلى قرار "السيسي" لعام 2016 بتحويل السيطرة على جزيرتين صغيرتين في البحر الأحمر، وهما "تيران وصنافير"، إلى السيادة السعودية. وتمنع المادة 151 من الدستور التنازل عن أراضي الدولة، وقد صمت الجميع، عدا بعض الحراك الشعبي، عن هذا التحرك غير الدستوري.

السيطرة المطلقة

منذ البداية، ركز "السيسي" على منع أي تحدٍ سياسي لرئاسته. وفي أواخر عام 2017، أعلن ترشحه لفترة ثانية. وكان "أحمد شفيق"، آخر رئيس وزراء في مصر ما قبل ثورة ٢٠١١، والجنرال السابق الذي خسر الانتخابات الرئاسية عام 2012، قد أعلن أنه سيعارض "السيسي". واختفى "شفيق" في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث كان يعيش في المنفى منذ خسر السباق الرئاسي عام 2012 لصالح "مرسي"، مما أدى إلى مزاعم بأن "شفيق" قد تم اختطافه أو ترحيله. وفي أوائل شهر يناير/كانون الثاني، أعلن "شفيق" عبر "تويتر" انسحابه من السباق.

وبعد أيام، أعلن رئيس أركان القوات المسلحة السابق "سامي عنان" أنه سيخوض الانتخابات الرئاسية قبل أن يتم اعتقاله في 23 يناير/كانون الثاني، وهو معتقل منذ ذلك الحين. وكانت علاقات "عنان" بالمؤسسة العسكرية أحدث وأكثر قوة من "شفيق" حيث عمل كنائب لرئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة حتى وقت قريب. ولم يدخر "السيسي" أي وقت أو جهد في سحق ترشيح "عنان" المقترح، وتم إلقاء القبض عليه بزعم انتهاكه القوانين العسكرية، لأن القوات المسلحة ادعت أنه لم يحصل على إذن رسمي لترشيح نفسه لمنصب الرئاسة كما هو مطلوب بموجب مرسوم صدر في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2011. وقد تم احتجاز "عنان" منذ ذلك الحين، ونقل لاحقا إلى وحدة العناية المركزة في مستشفى القوات المسلحة.

وكان إلقاء القبض على جنرالين سابقين، والإطاحة بوزير الدفاع بدون موافقة عامة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وتعيين حكومة جديدة دون موافقة برلمانية، دليلا على تعزيز سيطرة "السيسي" الشخصية وإحكام قبضته على السلطة.

ولم يصادق البرلمان بعد على الحكومة الجديدة، لكنه أقر قانونا في 3 يوليو/تموز في جلسة مغلقة. ويسمح القانون للرئيس بمنح مزايا خاصة (وغير محددة) لأعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الآن وفي المستقبل. ويمنع القانون تحميل أعضاء المجلس العسكري المسؤولية القضائية عن الأفعال التي تم ارتكابها في الفترة بين 3 يوليو/تموز 2013 (تاريخ الانقلاب) و10 يناير/كانون الثاني 2016 (عودة البرلمان). كما يمنح القانون كبار الجنرالات حصانة دبلوماسية حال سافروا إلى الخارج.

النظام الجديد

ويبين معدل التغييرات في صفوف المسؤولين الأمنيين الرئيسيين، والإجراءات القانونية ضد "عنان" و"شفيق"، حدود المقاومة العسكرية لسلطة "السيسي".

وأظهر "السيسي" أن لديه العديد من الطرق لتهديد الجنرالات الحاليين والسابقين. وفي ضوء ذلك، فإن الإطاحة بوزير الدفاع، وتشكيل حكومة جديدة، والتشريعات التي تحمي بعض -ليس بالضرورة جميع- الضباط، هي مؤشر على كيفية قيام "السيسي" بتحويل حكومة الجنرالات إلى حكومة الرجل الواحد.

وفي أغسطس/آب 2013، بعد أقل من شهرين من الانقلاب الذي أطاح بـ"مرسي"، قامت قوات الأمن المصرية بتفريق المتظاهرين في ميدان رابعة في القاهرة بالقوة، مما أسفر عن مقتل المئات. ومن الشائع أن تقوم الأنظمة الاستبدادية بقمع خصومها، ومن الشائع أيضا -وإن كان من الأسهل نسيان ذلك- أن تقوم بقمع الموالين لها.

  كلمات مفتاحية

عبد الفتاح السيسي سامي عنان صدقي صبحي المجلس الأعلى للقوات المسلحة مصر