"هآرتس": بميزانية ضخمة.. "الموساد" يحول العالم إلى ساحة حرب

الجمعة 24 أغسطس 2018 01:08 ص

نشرت صحيفة "هآرتس" العبرية تقريرا حول التحولات في جهاز الموساد الإسرائيلي في عهد رئيس الجهاز  الجديد "يوسي كوهين"، حيث كشف التقرير عن تفاصيل جديدة حول عمليات الاغتيال التي قام بها الموساد خلال الأعوام الأخيرة وأهمها عملية اغتيال المهندس التونسي "محمد الزواري" عام 2016.

وسلطت الصحيفة الضوء على الزيادات المطردة في ميزانية الجهاز والعلاقة الوثيقة بين "كوهين" وبين رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" التي حولت الجهاز إلى ما يشبه ذراعا سياسيا لتنفيذ سياسات رئيس الوزراء.

ويستعرض الخليج الجديد في السطور القادمة ملخصا لما جاء في تقرير الصحيفة العبرية.

عملية في تونس

في ديسمبر/كانون الثاني 2016، التقى "محمد الزواري" المهندس التونسي المقيم في صفاقس، مع صحفية مجرية من أصل تونسي.

وعلى مدار سنوات قبل ذلك، كان "الزواري" -رغم أنه ليس فلسطينيا- ضالعا في جهود "حماس" لتطوير وتصنيع الطائرات بدون طيار، وكان حذرا للغاية بشأن الظهور علنا ولم يكن معروفا بشكل جيد.

ولكن عندما طلب منه صحفي إجراء مقابلة لفيلم حول بعض الشخصيات الفلسطينية فإنه ابتلع الطعم.

وسرعان ما تبين أن المقابلة كانت مصيدة مميتة، ومنذ اللحظة التي انتهت فيها تم وضع "الزواري" البالغ من العمر 49 عاما تحت المراقبة على ما يبدو.

وفي اليوم التالي، وبينما كان يقود سيارته إلى المنزل، اصطدمت سيارة بها من الخلف وخرج منها رجلان أطلقا النار على رأسه من مسافة قريبة، وبعد إعلان وفاته، اعترفت حركة "حماس" مباشرة أن "الزواري" كان ينتمي إليها.

في المساء السابق لقتل "الزواري"، أصبح معروفا علنا أن لجنة الخدمة المدنية الإسرائيلية تحقق في ما إذا كان رئيس الموساد "يوسي كوهين" قد قبل الإكراميات من الملياردير الأسترالي "جيمس باكر"، وكان "كوهين" متخوفا من تلطخ سمعته بفعل قضايا الفساد التي كان يجرى التحقيق فيها مع رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو"، والتي كان "باكر" مرتبطا بها ظاهريا.

ولكن اغتيال "الزواري" ملأ نفس "كوهين" بالرضا، وقال في حديث مع بعض أصدقائه: "يقولون إنها من فعلنا.. حسنا دعهم يعتقدون ذلك".

في تونس، تحركت السلطات بسرعة للتحقيق في الحادث. وخلال فترة وجيزة تم العثور على مركبات ومسدسات مزودة بكواتم صوت استخدمها القتلة. ولم تتمكن الصحفية المتورطة من مغادرة البلاد وتم اعتقالها من أجل الاستجواب، وكانت السلطات تأمل أن يؤدي اعتقالها إلى كشف الشبكة التي تعمل لحسابها.

 ولكن كلما توسعت التحقيقات كلما توسعت دائرة عملاء الموساد المحتملين الذين كان يعتقد أنهم وراء القتل.

كان المحققون يأملون في تحقيق انفراجة عند التحقق من لقطات الكاميرات الأمنية القريبة، لكنهم اكتشفوا أنها لم توثق شيئا لا عملية المطاردة بالسيارة ولا الاغتيال ولا حتى لحظة الهروب.

وقال مصدر مطلع على الأساليب التي تستخدمها وكالات التجسس لصحيفة "هآرتس": "هذا ليس صدفة. هناك قدر كبير من التخطيط للتعامل مع الكاميرات الأمنية، والنتائج تتحدث عن نفسها ولك أن تتساءل هل تم توثيق أي من الاغتيالات المنسوبة للموساد في السنوات الأخيرة من قبل الكاميرات؟".

وبالفعل، في السنوات الثمان التي تلت اغتيال "محمود المبحوح"، المسؤول البارز في "حماس"، في أحد الفنادق بدبي، لم ترد أي تقارير عن ضربة نُسبت إلى الموساد تم ضبطها بواسطة كاميرات أمنية.

طرق جديدة

مرت سنتان ونصف السنة منذ أن تم اختيار "يوسي كوهين" ليكون رئيسا للموساد. وتحت إشرافه، خضعت الوكالة لسلسلة من التغييرات حيث حصلت على زيادة في ميزانيتها وأدخلت أساليب جديدة وانخرطت في المزيد من العمليات.

يوظف الموساد حاليا حوالي 7000 شخص مباشرة ما يجعله ثاني أكبر وكالة تجسس في الغرب بعد وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وهو يزيد عدد موظفيه بانتظام خاصة في الوحدات المتعلقة بالتكنولوجيا والإنترنت.

وتلزم التطورات التكنولوجية وكالات التجسس بتبني أساليب مختلفة للتشغيل بما في ذلك تجنيد أشخاص للعمل دون علمهم واستخدام المرتزقة والاعتماد على القدرات الجديدة مثل الهجمات الإلكترونية.

ولتجنب التعرف على الهوية البيولوجية، وكذلك للتهرب من الكاميرات الأمنية، تضطر منظمات التجسس إلى زيادة استخدام العملاء المحليين غير المعروفين، وفي بعض الحالات، تتم العمليات المعقدة التي تنطوي على عدد كبير من المشاركين من دون إرسال عميل محترف واحد إلى أراضي العدو.

كان "تامير باردو" سلف "كوهين" حذرا للغاية، وخلال فترة ولايته، كان الموساد أقل ميلا إلى المغامرة. ولكن عندما تولى "كوهين" المهمة، في أوائل عام 2016، كان هدفه هو بث حياة جديدة في الجهاز التشغيلي للموساد وتنويع أساليب عمله رغم أن الكثيرين شككوا في قابلية نجاح هذه الأساليب الجديدة.

ونُسب اغتيال المهندس "فادي البطش" قبل 4 أشهر إلى الموساد، وقد التقى به القتلة في العاصمة الماليزية كوالالمبور في 21 أبريل/نيسان، وقتلوه بطلقات نارية من مسافة قريبة. ومرة أخرى، لم يتم التقاط أي شيء من قبل الكاميرات الأمنية.

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي ترتبط فيها ماليزيا باغتيال ينسب إلى الموساد. قبل عام ونصف العام، كان الغطاء الذي استخدمته الصحفية المجرية الذي أجرت مقابلة مع "الزواري" في تونس هو صناعة فيلم لشركة إنتاج ماليزية.

ووفقا لمحققين في تونس، فقد قام عميلان من الموساد، زُعم أنهما يعملان من فيينا، بنشر إشعار على الإنترنت حول الحاجة إلى موظفين للعمل على سلسلة حول العلماء الفلسطينيين للبث على التلفزيون الماليزي. وقد لقي الإعلان ردا من عدة مواطنين تونسيين كلفوا بتأجير سيارات وشقق لموظفي الإنتاج المزعومين وتم تكليف الصحفية بإجراء اتصال مع الهدف، أما الاغتيال نفسه فقد نفذه مواطنون بوسنيون لم يكن أي منهم يعرف الهوية الحقيقية لمن يوظفه.

ويعتقد أن التخطيط لعملية اغتيال "الزوري" بدأت منذ عام 2010 على أساس الدروس المستقاة من قتل "المبحوح" الذي كان له دورا رئيسيا في إبرام صفقات الأسلحة لصالح حركة "حماس" قبل أن يعثر عليه مقتولا بالسم في غرفته الفندقية في دبي.

كانت هذه في الواقع المحاولة الثانية لاغتيال "المبحوح" بالطريقة نفسها. في المرة الأولى، تركت المادة السامة في غرفته لكي يستنشقها لكنه شعر بألم في صدره وتمكن من الوصول إلى المستشفى في الوقت المناسب لتلقي العلاج، أما في المرة الثانية فإن القتلة لم يتركوا أي فرصة للخطأ وقاموا بحقنه بالسم.

تتبعت شرطة دبي جميع الذين شاركوا في العملية، وفي مؤتمر صحفي تم الكشف عن سلسلة القتلة وجميعهم يحملون هويات مفبركة وجوازات سفر مزورة.

لم يفعل الموساد أي شيء لتبديد الضباب المحيط حول الاغتيال في دبي. وفي حوارته الداخلية يصر "كوهين" أن عملية اغتيال "المبحوح" لم تفشل: "إذا تمت تصفية الرجل ولم يتم الكشف عن أي شخص أو وعاد جميع الوكالة إلى منازلهم بأمان، فإنها لا يمكن أن تصنف كعملية فاشلة".

ولكن التحقيق المكثف الذي أجرته شرطة دبي أدى إلى إحراج دبلوماسي بين الدول التي تم تزوير جوازات سفرها، وكشف عن أساليب تشغيلية منسوبة إلى الموساد. بالإضافة إلى ذلك، كشف نشر صور المشتبه بهم عن بعض العملاء الذين شاركوا في العملية.

اليد الطولى

تدفقت المزيد من المياه -والدماء- منذ اغتيال "المبحوح". وتحت قيادة "كوهين"، تحول الموساد إلى هيئة كبيرة تستخدم مجموعة متنوعة من الوسائل وتنشط في العديد من البلدان.

ومن جانبه، يعطي رئيس الوزراء "نتنياهو" الحرية لـ"كوهين" لفعل كل ما يريد حيث نمت ميزانية الوكالة بشكل هائل خلال فترة ولايته. وفي عام 2019، ستصل ميزانية الخدمات السرية -أي جهازي الموساد والشين بيت- إلى 10 مليارات شيكل (حوالي 2.73 مليار دولار) وهو ضعف ما كان عليه قبل عقد من الزمن، عشية عودة "نتنياهو" إلى السلطة وهي زيادة كبرى حتى بالمقارنة بميزانية عام 2018 البالغة 8.67 مليار شيكل.

لا تفصح (إسرائيل) عن التفاصيل المتعلقة بحجم الأموال المخصصة للوكالتين لكن مصدرا على دراية بإجراءات التمويل يقول إن "الزيادة الرئيسية كانت في ميزانية الموساد. في وقت من الأوقات كان الموساد منظمة صغيرة وكان الشين بيت جسدا كبيرا لكن الموساد اليوم يلاحق الشين بيت بوتيرة مذهلة".

لكن زيادة الموازنة أو حتى زخم النشاط لا يعدان وحدهما مؤشرا على الفاعلية في تحقيق الأهداف. بعد سلسلة من عمليات الاغتيال التي قام بها علماء الطاقة النووية الإيرانيون، والتي نسبت إلى الموساد، اعتقد الخبراء الدوليون أن عمليات التصفية أثبتت عدم فعاليتها وينبغي وقفها، لكن السرية التي تحيط بهذه العمليات تجعل من الصعب إجراء نقاش عام، سواء فيما يتعلق بفعالية الموساد والارتفاع الحاد في الإنفاق العام الذي يكفل نشاطه.

ولكن حتى نقاد "كوهين" القلائل في مؤسسة الدفاع الإسرائيلية يعترفون أن قدرات الوكالة التشغيلية قد تم ترقيتها، حيث ينشط الموساد اليوم في آسيا وأفريقيا وكل بلد في العالم تقريبا.

ولد "يوسي كوهين" لأسرة متدينة في القدس عام 1961 وتم تجنيده للعمل في الموساد في سن الثانية والعشرين وتدرج في المناصب حتى أصبح رئيسا لقسم "تسوميت" ثم نائيا لرئيس الموساد في عهد رئيسه السابق "تامير باردو". وبسبب الخلاف بين الرجلين غادر "كوهين" الموساد ليتولى رئاسة مجلس الأمن القومي.

خلال تلك الفترة وقع لقاءان هامان أثرا في مسيرة "كوهين" المهنية. الأول هو لقاؤه للمرة الأولى مع "سارة نتنياهو"، زوجة رئيس الوزراء حيث طورا لاحقا علاقة مهنية وثيقة، والثاني لقاؤه مع الملياردير الأسترالي "جيمس باكر" المقرب من "نتنياهو" في واشنطن عام 2015 على هامش خطاب "نتنياهو" الشهير في الكونغرس، حيث أسس الرجلان علاقة وثيقة امتزجت بالهدايا وأنشطة الأعمال، وقبل "كوهين" من "باكر" هدية ممثلة في 4 تذاكر رفيعة المستوى لحفل لصديقته المغنية "ماريا كاري"، ما وضع اسمه مع "نتنياهو" على قائمة المتورطين في قضية الفساد المشتهرة باسم القضية 1000.

علاقات وثيقة

واليوم، يكمن الفارق الرئيسي بين "كوهين" وأسلافه في الموساد في العلاقات الوثيقة والحميمة التي تربطه برئيس الوزراء، حيث كان "نتنياهو" مريبا في تعاملاته مع الرؤساء السابقين للجهاز مثل "باردو" و"مائير داغان". لكن الوضع يبدو مختلفا مع "كوهين" الذي يتشارك مع "نتنياهو" نفس الرؤية تجاه إيران باعتبارها تهديدا يجب محاربته بكل وسيلة ممكنة.

بعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران قبل 3 أعوام حولت بعض أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية تركيزها إلى ساحات أخرى، على افتراض أن السلاح النووي الإيراني لم يعد مدرجا على جدول الأعمال.لكن "نتنياهو" استمر في معارضته للاتفاق، وقرر "كوهين" جعل إيران تحتل الأولوية الأولى في خططه وهو القرار الذي ساعد في إطلاق عملية جلب الأرشيف النووي الإيراني إلى (إسرائيل).

وقد أيد "كوهين" الخطوة غير العادية التي اتخذها "نتنياهو" عندما أعلن علانية الاستيلاء على الأرشيف الإيراني حيث كان يرى أن هذا النوع من الدعاية يمكن أن يسهم في زيادة الردع الإسرائيلي رغم أن العديدين في الموساد عرضوا هذه الخطوة باعتبارها استغلالا لإنجاز مهني للجهاز لتحقيق أغراض سياسية.

من ناحيته يرى "كوهين" أن هذا النوع من التغطية الإعلامية يساعد على زيادة التأثير الاستخباراتي. وهو يستمتع بمشاركة التلميحات حول العمليات الناجحة مع الصحفيين، فقبل حوالي ثلاثة أسابيع، بعد اغتيال مهندس الصواريخ السوري "عزيز عابر" قال مسؤول استخباراتي لصحيفة "نيويورك تايمز" إن الموساد هو المسؤول عن عملية القتل، ويمكن للمرء أن يتوقع بسهولة هوية المسؤول الذي يمتلك معلومات حول هذه العملية.

فيما يتعلق بموضوع سوريا أيضا، يسعى "كوهين" إلى اتخاذ موقف متشدد، حيث يعتقد أن (إسرائيل) يجب أن تتصرف بقوة ضد الأهداف الإيرانية في سوريا، وهو يعتقد أنه في أعقاب الاتفاق النووي، استثمرت طهران تمويلا كبيرا في عملياتها في سوريا، وأنه من الضروري اتخاذ إجراء ضدها بحزم وثبات.

يقوم "كوهين" أيضا بالعديد من البعثات الدبلوماسية نيابة عن "نتنياهو" في أوروبا والولايات المتحدة وأفريقيا والدول العربية ولديه علاقات وثيقة مع رؤساء منظمات الاستخبارات الأجنبية، وكثيرا ما يستضيفهم في "فيلا" منعزلة مملوكة للموساد حاملا الرسالة المفضلة لرئيس الوزراء حول الخطر القادم من إيران.

وباستثناء الاتصالات مع مصر، والتي يتولاها مدير الشين بيت "نداف أرجمان"، يعمل "كوهين" بصفته مبعوثا شخصيا لرئيس الوزراء. وفي حين أصبح أسلافه في الموساد منتقدين شرسين لـ"نتنياهو" بعد مغادرتهم المؤسسة الدفاعية، فليس من المرجح أن يحدث هذا مع "كوهين" الذي لا يؤمن بالتمييز بين الدولة ورئيس الوزراء.

ويقول منتقدو "كوهين" في مجلس الوزراء ​​والكنيست أن علاقاته الوثيقة برئيس الوزراء تخلق ثقافة غير صحية تجعل من الصعب التعبير عن وجهات نظر أخرى. يقول عضو في لجنة العلاقات الخارجية والدفاع: "لا يرى كوهين نفسه رئيسا لجهاز يعمل بشكل مستقل، بل كجزء من جهاز ينفذ سياسة رئيس الوزراء".

  كلمات مفتاحية

محمد الزواري فادي البطش الموساد يوسي كوهين نتنياهو محمود المبحوح