هل حان الوقت لنقل الأسطول الأمريكي الخامس من البحرين؟

الأحد 26 أغسطس 2018 09:08 ص

قامت قوات الأمن الحكومية البحرينية بقمع شديد للاحتجاجات الشعبية ضد أسرة "آل خليفة" الحاكمة في فبراير/شباط من العام 2011، ومنذ ذلك الحين، درست وزارة الدفاع الأمريكية بهدوء خيارات بديلة للأسطول الخامس، المتمركز بشكل دائم في البحرين منذ عام 1995.

لكن هذه الأفكار سرعان ما تم تعليقها مع عودة النظام إلى المملكة الخليجية الصغيرة، بعد تدخل القوات السعودية والإماراتية. ومع ذلك، فإن العودة إلى الأوضاع الطبيعية في البحرين لم تمنع نقاشا قويا في واشنطن حول مستقبل السياسة الأمريكية تجاه ذلك الشريك الرئيسي في الخليج، وهو نقاش مستمر حتى يومنا هذا، على الرغم من انخفاض حدته.

وكان البعض في الطبقة السياسية في واشنطن، بمن في ذلك "إليوت إبرامز" و"توبي سي جونز"، يؤيدون الانسحاب أو التهديد بسحب الأسطول الخامس، بينما حذر آخرون، بمن فيهم نائب الأميرال "تشارلز مور"، من مثل هذه الأساليب. ويتفق كلا المعسكرين على أن مصلحة الولايات المتحدة في البحرين يمكن خدمتها بشكل أفضل من خلال جعل المنامة تلتزم بالانتقال إلى ملكية دستورية، كما وعد حكامها ذات مرة، لكنهم يختلفون حول الدور الأمريكي في هذه العملية.

ويجادل أنصار نقل أو حل الأسطول الخامس بأن البحرين تعد موطنا غير آمن لأصول أمريكية استراتيجية وآلاف من أفراد الولايات المتحدة، لأن حكومتها فشلت في معالجة الأسباب الجذرية لانتفاضة عام 2011، ويقولون إنها مسألة وقت فقط قبل عودة الاضطرابات إلى المملكة، لذا من الحكمة أن تغادر واشنطن الآن بطريقة منظمة. وبالنسبة لأهداف أمريكا الأمنية في المنطقة، فلا تحتاج واشنطن إلى قاعدة أرضية ضخمة لسلاحها البحري في البحرين. ويمكن أن تعتمد بدلا من ذلك على استراتيجيات أخرى يقول أصحاب هذا المنطق إنها أكثر استدامة من الناحية السياسية، وأكثر فعالية من حيث التكلفة.

فيما يرى منتقدو هذا المنطق أن معاقبة البحرين من خلال الرحيل لا يفعل شيئا لدفع المنامة إلى القيام بالشيء الصحيح. وفي الواقع، فإنها ستفعل عكس ذلك، وقد يجبر ذلك حكامها على تبني عقلية عدوانية. كما أن النهج العقابي من شأنه أن يحرم الولايات المتحدة من الوصول الحرج إلى جزء حيوي من العالم للتجارة والأمن العالميين، ويلحق الضرر بعلاقة الولايات المتحدة مع السعودية، ويدعو روسيا والصين إلى تعميق مشاركتهما في الخليج العربي. وقد يسعد ذلك بشكل كبير إيران، التي لديها مطالبات إقليمية تجاه البحرين منذ احتلال بريطانيا للجزيرة عام 1820.

وفي النهاية، بالطبع، فاز أولئك الذين يؤيدون استمرار الوضع الراهن، داخل وخارج حكومة الولايات المتحدة، في هذا النقاش. ولم تحتفظ الولايات المتحدة بوجودها العسكري في البحرين فحسب، بل قررت مضاعفة خطط التوسع هناك.

ومع ذلك، تواجه البحرين خطر تجدد النزاع الأهلي مرة أخرى، بالنظر إلى أن دوافع عدم الاستقرار في المملكة لم تختف أبدا، وهو ما يجعلنا في حاجة إلى فهم أفضل بكثير لتكاليف وصعوبة حركة الأسطول الخامس. وهذا التقييم الموضوعي مفقود بشدة في المحادثات حول البحرين في واشنطن.

كابوس هيكلي

وأدت زيارات متعددة إلى مقر الأسطول الخامس في المنامة، في الأعوام الأخيرة، والمشاركة الشخصية المنتظمة من قبل 3 من القادة السابقين للقيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية، إلى الاعتقاد بأن إعادة إنشاء أسطول الولايات المتحدة في البحرين في مكان آخر قد يصبح كابوسا هيكليا ولوجستيا يكلف عشرات المليارات من الدولارات.

ويعني نقل القاعدة نقل مركز دعم اللوجستيات للأسطول، وشبكات المعلومات الضخمة، ومركز الاتصالات بأكمله، ومقر الأسطول، والأرصفة، فضلا عن إجراءات مضادة للألغام وقواعد دورية ونشر دوريات السفن، وإنشاء منصة انطلاق لدعم هذه القوات، بما في ذلك جميع الأطقم، والمعالين، والموظفين.

وستحتاج الولايات المتحدة أيضا إلى الحصول على قاعدة أخرى لدعم سرب من سلاح البحرية التكتيكي، بما في ذلك طائرات "بوسيدون" و "بي أيرون" للدوريات البحرية، والطائرات المضادة للغواصات. بالإضافة إلى ذلك، قد تضطر الولايات المتحدة إلى العثور على موقع آخر لبطاريات الباتريوت الدفاعية الصاروخية، التي لا تدعم البحرين فقط، بل تسهم أيضا، على الأقل بشكل غير مباشر، في الدفاع عن السعودية.

وقد تبدو فكرة تأسيس العديد من هذه المكونات في البحر جذابة سياسيا في واشنطن، لكنها لن تكون مجدية أو ممكنة من الناحية العملية بتكلفة معقولة. والحقيقة هي أن الولايات المتحدة ليست على وشك إنشاء مثل تلك القدرة في البحر، على الأقل ليس مع قاعدة بالفعل تسمح لها بالقيام بجميع مهامها الاستراتيجية والتشغيلية الأساسية في الخليج، بما في ذلك ردع الأعداء، وطمأنة الشركاء، والإشراف على السفن الحربية والطائرات المقاتلة التي تنفذ بعثات بعيدة المدى عبر أفغانستان والعراق والمملكة المتحدة، بالإضافة إلى دوريات مكافحة القرصنة قبالة القرن الأفريقي.

كما أن الرسو الدائم في البحر ليس مقترحا عمليا؛ لأن القوات البحرية تتطلب القيام بزيارات إلى الموانئ المحلية للحصول على قطع الغيار والوقود والطعام بشكل منتظم. بالإضافة إلى ذلك، فهي تتطلب صيانة محلية (إصلاحات في منتصف الرحلة)، وزيارات للمرافئ للراحة، خاصة بعد أسابيع من المشاركة في البحر في عمليات حاملات الطائرات التي تعمل بالطاقة النووية.

ومن الناحية السياسية، فمع الانسحاب من البحرين، سيكون من الصعب للغاية الحصول على مثل الدعم الذي توفره البحرين بالوصول إلى القواعد العسكرية، والاستعدادات، والتحليق، ومنح الإذن بسرعة للقوات الأمريكية للقيام بعمليات عسكرية، حتى من أقرب شركائنا في المنطقة. ببساطة، توفر لنا البحرين وصولا سريعا ومستمرا وغير مشروط.

في الواقع، من المستحيل المبالغة في تقدير مدى أهمية هذا الوصول لأنشطة الجيش الأمريكي في الخارج. ولا يمكننا ببساطة في أماكن أخرى أن ننتظر أذونات الدولة المضيفة للتحليق والوصول. أما في المنامة، فلا داعي للقلق بشأن البحرينيين، حيث يسمحون لفرق أمن الأسطول الأمريكي لمكافحة الأرهاب بالاستجابة الأولى السريعة في حالة وقوع هجوم ضد مصالح الولايات المتحدة. لذا، إذا غادرت الولايات المتحدة البحرين، فإنها ستفقد كل هذه المزايا الفريدة.

موجات صادمة

وعلى نطاق أوسع، فإن رحيل عسكري أمريكي من البحرين سيؤدي إلى حدوث موجات صادمة في أنحاء المنطقة، وإقناع شركائنا الإقليميين الآخرين بأنه حتى المستوى المرتفع للغاية من الدعم السياسي العسكري منهم قد لا يكون كافيا للاحتفاظ بالتزام أمريكا الأمني ​​تجاههم. وعلى سبيل المثال، إذا انسحبت الولايات المتحدة من البحرين، نتوقع أن تتدهور العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية بسرعة، وربما تتغير إلى الأبد، حيث وينظر السعوديون إلى الوجود العسكري الأمريكي في البحرين كجزء لا يتجزأ من أمنهم وعلاقتهم الأمنية مع واشنطن.

وأخيرا وليس آخرا، فإن أي تغييرات جذرية في البصمة الأمريكية في البحرين سيكون لها آثار هائلة على استراتيجيتها وموقفها حيال إيران. ومن بين جميع الأصول العسكرية التي تحتفظ بها الولايات المتحدة لردع إيران ومواجهتها، ربما لا يكون أي منها أكثر أهمية من الأسطول الخامس. وتقوم البحرية الأمريكية في البحرين بأداء العديد من الوظائف المهمة، وتغطي مساحة كبيرة تصل إلى أكثر من 20 دولة على طول الخليج العربي والبحر الأحمر وخليج عمان، وأجزاء من المحيط الهندي. لكن الأولوية الرئيسية للأسطول الأمريكي الخامس هي المراقبة المستمرة، وإذا لزم الأمر، مواجهة الأنشطة الإيرانية الضارة في البحر.

وإذا تصادمت الولايات المتحدة وإيران، فإن مسرح المواجهة الأكثر احتمالا، على الأقل في البداية، لن يكون سوريا أو العراق أو اليمن، وإنما مياه الخليج العربي، حيث يمتلك الإيرانيون ثقة مفرطة في قدراتهم. ومثل العادة التي مارسوها في الآونة الأخيرة، فهناك احتمالات مستمرة بالتهديد بعرقلة أو إعاقة شحنات النفط في مضيق هرمز وباب المندب، واستفزاز السفن الحربية الأمريكية من خلال تكتيكات المضايقة.

ولا ينبغي لأي من هذه الاعتبارات السياسية والعملية أن تدفعنا إلى الاعتقاد بأن ترك البحرين أمر لا يمكن تصوره. فإذا لم يفز الرئيس "دونالد ترامب" بفترة رئاسية ثانية، أو حتى أقل من ذلك، إذا فاز الديمقراطيون بنسبة كبيرة في انتخابات التجديد النصفي، فإن الدعوات إلى معاقبة البحرين، أو على الأقل خلق مسافة معها (وربما شركاء آخرين في الخليج)، من المحتمل أن يطفو على السطح مرة أخرى لكن تلك الخطوة لن تخلو من تحديات ومخاطر حقيقية.

  كلمات مفتاحية

الأسطول البحري الخامس البحرين المنامة الخليج العربي انتخابات التجديد النصفي