تهديدات "حفتر" للجزائر.. سؤالان و5 أسباب تكشف الحقيقة

الثلاثاء 11 سبتمبر 2018 11:09 ص

لم تكن قضية التهديد "المفاجئ والغامض" الذي أطلقه الجنرال الليبي "خليفة حفتر" للجزائر بنقل الحرب إلى داخلها لتمر سريعا دون أن تثير عددا من الأسئلة، ومحاولة البحث عن إجابات لها.

تهديدات "حفتر" صنفها البعض على إنها إعلان حرب على الجزائر، لكن رد الأخيرة عليها كان مبالغا في إرسال رسالة واضحة إلى الجنرال الليبي بأن الجزائر لا تنظر إليه على أنه أكثر من مجرد "قائد ميليشيا" وأحد أمراء الحرب في ليبيا، ولا يرقى ليكون طرفا مكافئا لها، ليهدد بالحرب.

ومنذ أيام، نشرت قناة "الجزيرة" مقطع فديو لـ"حفتر" وهو يخاطب عدد من مؤيديه، شرقي ليبيا، قائلا إن "الجزائر تستغل الأزمة الأمنية ‎في ليبيا لدخول قوات من جيشها إلى الأراضي الليبية‎".

وأضاف "حفتر" أنه أبلغ السلطات الجزائرية بقدرته على "نقل الحرب داخلها في لحظات"، وزعم أن "السلطات الجزائرية اعتذرت وأخبرته أن دخول قوات تابعة لها إلى ليبيا عمل فردي سينتهي في غضون أسبوع".

تصريحات "حفتر" أثارت جدلا واسعا في الجزائر، حيث أطلق جزائريون وسماً حمل اسم "حفتر يهددنا" تعبيراً عن غضبهم من تهديدات اللواء الليبي بحق بلادهم، وطالب برلمانيون وسياسيون السلطات الجزائرية بالرد، كان أبرزهم "عبدالرازق مقري" رئيس "حركة مجتمع السلم" (أكبر حزب إسلامي بالجزائر).

تهديدات حفتر أثارت سؤالا "ميدانيا" سريعا، يتعلق بكيفية معرفته بحدوث اختراقات من جنود جزائريين للحدود الليبية، قياسا إلى أن تلك الحدود لا سلطان له عليها ولا تواجد له فيها، حيث يتركز تواجده في شرقي ليبيا، بعيدا بآلاف الكيلومترات عن الحدود مع الجزائر.

السؤال هنا قد يطرح بصيغة أوضح، هل يمتلك "حفتر" وسائل متطورة لرصد الحدود الليبية الجزائرية؟ والتي لا يمتلك أي تواجد عسكري بها؟ أم أن هناك من أمده بصور وإحداثيات من هناك أظهرت اختراقا جزائريا صمتت عنه حكومة الوفاق الوطني (هذا في حالة التسليم بصحة اتهامات "حفتر" من الأساس).

السؤال السابق قد يستتبع استنتاجا ويحيى فرضية أن هناك أطرافا إقليمية أو دولية تريد دفع "حفتر" ليدخل الجزائر في المعادلة الليبية بشكل يتجاوز ما تفعله حاليا من جهود للوساطة بين الفرقاء، باختصار يريد توريط الجزائر في الأحداث بشكل سريع ومؤثر.

ولأن الأسئلة تثير مزيدا من الأسئلة، هل يمتلك "حفتر" من الأساس المقدرة على نقل الحرب إلى الجزائر؟ الأمر أيضا يتعلق بطبيعة تواجده العسكري البعيد للغاية عن الحدود الجزائرية، أم أن هناك من سيكتفل بإنجاز هذه المهمة له؟ وهو ما يدفع إلى البحث عن احتمال وجود حلفاء ميدانيين لـ"حفتر" بتلك المنطقة، الواقعة تحت سيطرة حكومة الوفاق، والتي تدعمها الجزائر، أم أن الأمر برمته لا يعدو محاولة لإحراج تلك الحكومة؟

ثمة وجهة نظر أخرى في هذا الاتجاه تحديدا، ترى أن "حفتر" قد يكون له تواجد ونفوذ غير مباشر في الغرب الليبي، وهو ما قد يمكنه من تشكيل صداع في الخاصرة الجزائرية.

ومن المعروف أن "حفتر" يحظى بتأييد "جيش القبائل"، والذي يسيطر على بلدات ورشفانه، جنوب العاصمة الليبية، وهي الكتائب التي كانت مؤيدة لنظام "القذافي"، وهناك أيضا كتائب الزنتان (من القبائل الرئيسية في الغرب الليبي التي شاركت في الثورة)، والتي تسيطر على قاعدة الوطنية الجوية الاستراتيجية، غربي ليبيا، وجبل نفوسة الغربي، وهي - بحسب مصادر مطلعة - منقسمة الآن بين مؤيد لحكومة الوفاق وبين داعم لـ"خليفة حفتر".

يمتلك "حفتر" أيضا تأييد بعض القوى في الجنوب الغربي الليبي، أبرزهم قبائل التبو، والتي تنتشر أقصى الجنوب على الحدود مع تشاد، لكن لها تواجد أيضا على الحدود مع الجزائر، وهناك أيضا قبيلة القذاذفة (التي ينحدر منها الزعيم الليبي الراحل) والمقارحة (ينحدر منها عبدالله السنوسي رئيس مخابرات نظام القذافي)، والتي لا تزال تنظر بعدم ارتياح لحكومة الوفاق الوطني الليبية، باعتبارها حكومة ثورية.

بعد تلك المعطيات الميدانية، قد يكون من المفيد البحث في أسباب تهديد "حفتر" الأخير للجزائر..

1- (إيعاز من أطراف أخرى): يرى مراقبون أن حديث "حفتر" عن إمكانية شنه حربا على دولة بحجم الجزائر، لا يحتمل إلا أن يكون الأمر برمته تم بإيعاز من طرف دولي (فرنسا) وأطراف إقليمية (مصر والإمارات) لإيصال رسالة انزعاج واضحة إلى الجزائر، بسبب إصرارها على دعم المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق الوطني، ورفضها بشكل عام مبدأ إقصاء الإسلاميين في ليبيا، مستشهدة بتجربتها في استيعابهم داخل مفاصل المجتمع السياسي الجزائري، بعد حقبة العشرية السوداء وما تلاها من أحداث عنف.

2- (الجزائر وإيطاليا): هناك تطابق في وجهات النظر بين الجزائر وإيطاليا حول الملف الليبي، حيث ترفض روما إجراء الانتخابات الليبية في ديسمبر/كانون الأول المقبل، وانتقدت باريس بعنف، لإصرارها على الأمر، رغم حالة الحرب والانقسام التي تعيشها ليبيا. (طالع المزيد).

3- (غضب فرنسي): هذا التطابق الجزائري الإيطالي يغضب فرنسا بشدة، وهي التي تمتلك تقاربا مع مصر والإمارات حول مقاربتهما لحل الأزمة الليبية القائمة على إقصاء الإسلاميين والبطش بهم وتمكين "حفتر".

4- (التهديد للحصول على مشروعية الرد): إحدى أكبر مشكلات "حفتر" مع الجزائر هو أن الأخيرة تصر على عدم معاملته كمخاطب رسمي، لكن مجرد طرف في الأزمة وقد يكون طرفا في الحل، بعكس تعاملها مع حكومة الوفاق الوطني بأنها الممثل الشرعي لليبيين، ويرى مراقبون أن "حفتر" كان يريد من الجزائر الرد رسميا على تهديده الأخير، حيث يكسبه ذلك مشروعية سياسية كمخاطَب في مستوى الدولة الليبية، ويكرسه كوصيٍّ على التراب الليبي.

5- (الدستور الليبي): يرى الكاتب والصحفي الجزائري "محمد بلعليا" أن ثمة هدف سياسي مهم وراء تهديدات "حفتر"، وهو تأييد الجزائر للمصادقة على الدستور الليبي الجديد، وهو الإجراء الذي بدأ منذ ساعات، حيث يعتبر "حفتر" أن الوقت غير مناسب لهذا الأمر، وأنه يجب أن يتم بعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي تريد فرنسا إجراءها في نهاية هذا العام.

وبالفعل، جاء الرد الجزائري ليحرم "حفتر" من هذه الغاية، وفق مراقبين، حيث اكتفت الجزائر بإعلان تبرؤ حكومة الوفاق الليبية من تصريحاته.

ويرى مراقبون أن الحكومة الجزائرية استهدفت من خلال نشرها للاعتذار الليبي الرسمي بالطريقة السابقة، إلى تصغير "حفتر"، ووضعه في حجمه كـ"أمير حرب" و"زعيم ميليشيا" في منطقة في شرق ليبيا التي تبعد آلاف الكيلومترات غرباً عن الحدود مع الجزائر .

كما استهدفت أيضا التهكم على زعم الجنرال المتقاعد بقدرته على نقل الحرب إلى الجزائر، التي لا وجود لقوات تابعة له على حدودها.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

ليبيا الجزائر خليفة حفتر تهديدات الأزمة الليبية العلاقات الليبية الجزائرية