صدمة صلاح.. كواليس مغربية لتصويت آل الشيخ العقابي بالفيفا

الجمعة 28 سبتمبر 2018 09:09 ص

"أطالب كل السعوديين والعرب والجاليات العربية في الخارج والأصدقاء في آسيا وأفريقيا بالتصويت لابننا النجم محمد صلاح للحصول على جائزة أفضل لاعب في العالم"..

هكذا أعلن رئيس الهيئة العامة للرياضة السعودية "تركي آل الشيخ" دعمه للنجم المصري العالمي، ولاعب فريق ليفربول الإنجليزي، في الثالث من سبتمبر/أيلول الجاري، عبر حسابه على "فيسبوك"، ورغم ذلك فوجئت الجماهير بأن ممثل السعودية "أسامة هوساوي" اختار "كريستيانو رونالدو" كأفضل لاعبي العالم، وفقا لما كشفه إعلان الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) لخريطة التصويت الرسمية.

أثارت هذه المفارقة علامة استفهام لدى المراقبين، فالمتعارف عليه عربيا أن التصويت على جائزة أفضل لاعب في العالم يتم من خلال التنسيق بين المصوت واتحاد الكرة أو الجهة المسؤولة عن إدارة الرياضة في دولته، باعتبار أن تصويت الدعم الرياضي يمثل جزءا من استراتيجية للدعم المتبادل بين الدول العربية، خاصة أن ترشح "صلاح" هو الأول لعربي على جائزة أفضل لاعب في العالم.

بدا مفتاح الإجابة على التساؤل مغربيا، خاصة بعد إعلان "آل الشيخ"، عبر فيسبوك، دعمه لاستضافة المملكة المغربية كأس الأمم الأفريقية 2019 بدلاً من دولة الكاميرون، رغم توتر العلاقة بين رئيس هيئة الرياضة السعودية ومسؤولي كرة القدم المغربية على خلفية دعم السعودية لملف الولايات المتحدة والمكسيك وكندا لاستضافة بطولة كأس العالم 2026، ضد المغرب.

كواليس مفارقة المغرب تحمل في طياتها الإجابة على مفارقة "صلاح"، إذ أن السعودية باتت تستخدم التصويت الرياض كـ"عصا غليظة" ضمن أوراقها للضغط السياسي على دول العالم، ومن هنا جاء تصعيد مشاركتها في الهيكلية الحاكمة لكرة القدم العالمية اعترافا منها بشعبية هذه الرياضة من جانب، وبوصفها أداة للقوة الناعمة، من جانب آخر، حسبما يرى الباحث في معهد بيكر للسياسات العامة في جامعة رايس الأمريكية "كريتسيان أولريخسن".

رفض الانحياز

 

تعود كواليس المفارقة الأولى إلى رفض المغرب الانحياز لأي من طرفي الأزمة الخليجية، وتفضيلها لعب دور "عارض الوساطة" بينهما لحل الخلاف، وهو ما لم تقبله القيادة السعودية.

وبينما كانت قطر تتدافع في يونيو/حزيران 2017 لضمان الواردات الغذائية في الأيام التي أعقبت إعلان السعودية والإمارات والبحرين ومصر مقاطعتها وفرض الحصار الجوي والبحري عليها، أرسلت المملكة المغربية عدة طائرات محملة بالإمدادات الغذائية إلى الدوحة، ما انتقل بالموقف السعودي من عدم القبول إلى التوعد بالعقاب.

من هنا نقلت صحيفة نيويورك تايمز، في تقرير مفصل، أن "تركي آل الشيخ" وعد القائمين على الملف الأمريكي بأن لا يكتفي فقط بالتصويت لصالح ملف الولايات المتحدة لاستضافة كأس العالم 2026، بل بحث عدد من الدول المقربة من السعودية - خاصة العربية منها والآسيوية - على التصويت لواشنطن وحشد دعمها ضد الرباط.

لم يكن ذلك سرا، بل أعلنه "آل الشيخ" صراحة بعدة تغريدات عبر "تويتر"، جاء فيها: "إذا أردت الدعم فعرين الأسود في الرياض هو مكان الدعم، ما تقوم به هو إضاعة للوقت.. دع الدويلة تنفعك".

وتعمد رئيس هيئة الرياضة السعودية نشر تغريداته في نفس توقيت اجتماع مساعده في العاصمة المغربية (الرباط) مع رئيس الاتحاد المغربي لكرة القدم "فوزي لقجع"، ما أثار حفيظة المسؤولين المغاربة.

وبعد نحو شهرين ونصف، برر "آل الشيخ" التصرف السعودي بتصريحات جديدة في مقابلة مع شبكة "بلومبرغ" الأمريكية، قال فيها: "أمريكا حليفتنا وطرقت بابنا منذ 2017، ولن نغلق الباب في وجه من طرق بابنا، ولن نرد أمريكا خائبة، ولو على حساب المغرب".

 

منهج عقابي

 

وبمحاولة المملكة المغربية تلطيف الأجواء المشحونة برفضها إعادة العلاقات الدبلوماسية مع إيران، من جانب، وبمعاقبتها خطباء مساجد انتقدوا مواقف السعودية على الصعيدين الإقليمي والحقوقي، عادت قليل من المياه إلى مجاريها، ليأتي إعلان "تركي آل الشيخ" دعمه استضافة المغرب لكأس الأمم الأفريقية 2019 في هذا السياق، بحسب مراقبين.

باتت السعودية إذن تعتبر التصويت الرياضي بشكل عام، وفي كرة القدم بشكل خاص، أحد أدوات القوة الناعمة للضغط والمساومة السياسية، وهو ما تعلمته من درس فوز قطر باستضافة كأس العالم 2022، الذي أكسبها ثقلا استراتيجيا كبيرا، حسبما يرى أستاذ الدراسات الدولية "جيمس دورسي" في مقال نشره المركز الإسرائيلي "بيجن – السادات" للأبحاث والدراسات الاستراتيجية في مايو/أيار الماضي.

وبذات المنهج كان التصويت السعودي ضد "مو"، (محمد صلاح) كما تسميه الجماهير الإنجليزية، وسيلة ضغط يمارسها "آل الشيخ" لكسب تأييد الدولة المصرية في صراعات يخوضها ضد أطراف رياضية وسياسية.

 

تأديب الألتراس

 

فما أبداه رئيس هيئة الرياضة السعودية من غضب إزاء سباب جماهير "ألتراس النادي الأهلي" له في مدرجات استاد السلام بالقاهرة، الأسبوع الماضي، اختلط فيه الرياضي والسياسي، إذ يمثل الموقف السعودي من "الألتراس" انحيازا سياسيا منذ أحداث ثورة يناير/كانون الثاني 2011، التي تبنت فيها روابط الجماهير مظاهرات أمام السفارة السعودية بالقاهرة تنديدا بأوضاع المصريين العاملين في المملكة.

كما تمثل منافسة ريادة "الأهلي" الرياضية هدفا أساسيا لمشروع نادي وقناة بيراميدز، الذي أسسه "آل الشيخ" في غضون شهرين فقط بعد إعلانه الانسحاب من الرئاسة الشرفية للنادي الأكثر شعبية في مصر إثر خلافات مع مجلس إدارته.

استخدم "آل الشيخ" كل أوراق الضغط هذه المرة، إذ أعلن سحب استثماراته الرياضية في مصر، كما أعلنت شركة "صلة" السعودية فسخ تعاقدها مع النادي الأهلي، بسبب تجاوزات جماهيره.

وجاء التصويت ضد "صلاح" في اختيار أفضل لاعب بالعالم إنذارا بأن إعلان سحب الاستثمارات قد ينتقل من التهديد بالمجال الرياضي إلى عقود الأعمال بالمجال الاقتصادي، على غرار ما فعلته السعودية في خلافها الدبلوماسي مع ألمانيا مؤخرا.

 

جرس إنذار

 

هذا ما دفع المجلس الأعلى للإعلام في مصر (حكومي) لإصدار بيان يطالب فيه المسؤولين المصريين والسعوديين؛ بـ "سرعة التحرك لوأد فتنة إهانة رئيس هيئة الرياضة السعودية".

وحذر البيان من أن فتنة "آل الشيخ"  قد "تمس علاقات دولتين ترتبط بهما مصالح المنطقة بأسرها"، في إشارة واضحة إلى تأثير سياسي ضار بالدولة المصرية، خاصة في ظل دخول "الديوان الملكي" السعودي على خط الأزمة، بإعلان إدانة نشره المستشار بالديوان "سعود القحطاني" عبر تويتر.

وإزاء ذلك، جاء تحرك السلطات المصرية سريعا تجاه تحركات من شأنها إرضاء المسؤول الرفيع، الذي يرتبط بعلاقات صداقة وثيقة مع ولي العهد السعودي، حيث اعتقلت أجهزة الأمن 21 على الأقل من مُشجعي النادي الأهلي، قبل أن تخفيهم قسريا.

وشن الإعلامي بقناة بيراميدز "مدحت شلبي" هجوما عنيفا على روابط الألتراس و"ثورة يناير" التي أطلقتهم ليعيثوا فسادا في الحياة الرياضية والسياسية المصرية، على حد قوله.

وطالت الإجراءات الأمنية أطرافا أخرى في حالة صراع "شخصي" مع "آل الشيخ"، بينهم زوجته السابقة، المطربة "آمال ماهر" التي شكت من تعرضها وأسرتها لتهديدات وإجراءات تعسفية، خلال الفترة الأخيرة، وصلت إلى حد إغلاق استوديو خاص بها، علاوة على صيدلية مملوكة لأخيها.

 

استراتيجية سلمانية

 

ولذا اعتبرت "إيلين وولد"، مؤلفة كتاب "سعودي انك"، أن كل ما يقوم به "تركي آل الشيخ" ليس سوى جزء من استراتيجية ولي العهد السعودي الأوسع للضغط السياسي باستخدام النفوذ الرياض في كل مناسبة ممكنة.

في هذا الإطار، توسعت السعودية، ممثلة بالهيئة العامة للرياضة، مؤخرا، في توقيع اتفاقيات لاستضافة بطولات دولية مثل منافسات المصارعة الأمريكية ومنافسات الرياضات الالكترونية، ونهائي كأس السوبر الإيطالية، ما كلف الهيئة أمولا طائلة.

فمعيار المكسب والخسارة لا علاقة له بالمال لدى "آل الشيخ".. بل بإخضاع الرجال، والدول إن لزم الأمر.. إنه مكسب سياسي أكبر من قيمة الكلفة والإنفاق، بحسب تعبير "إيلين".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تركي آل الشيخ السعودية محمد صلاح المغرب مصر كريستيانو رونالدو أسامة هوساوي