هشاشة تحالفات الشرق الأوسط أصبحت أكثر وضوحا.. والأمور تتعقد

السبت 29 سبتمبر 2018 09:09 ص

تكشف ثلاثة تطورات حديثة، هشاشة التحالفات الشرق أوسطية، وإعادة التوازن لأولوياتها، يتمثل ذلك في التسوية الروسية - التركية حول هجوم النظام السوري على "إدلب" التي تخضع لسيطرة المعارضة، ومصير شركة طيران الاتحاد المتعثرة والتي تمتلكها أبوظبي بالكامل، والمعارك حول إعادة إعمار سوريا.

وتسلط هذه التطورات الضوء على حقيقة أن التنافس بين الغرماء في الشرق الأوسط، و القوة المطلقة بين التحالفات المختلفة في المنطقة آخذه في التزايد بنفس المقدار اقتصاديا وتجاريا، كما هو الحال عسكريا وجيوسياسيا، فالمعارك تخاض على الجبهات الجيوسياسية، بالقدر ذاته في ساحات المعارك الاقتصادية والثقافية.

ونتيجة لذلك، فإن خطوط الصدع لتلك التحالفات المتخلفة عبر الشرق الأوسط - وهي المنطقة التي تمتد من شمال أفريقيا إلى شمال غرب الصين-  سوف تأتي للواجهة.

وقد تكون تلك الشقوق في التحالفات أكثر وضوحا في التحالف الروسي التركي الإيراني، لكنها أيضا تكمن في خلفية التعاون الخليجي مع (إسرائيل) في مواجهة إيران، والجبهة الموحدة التي طرحتها السعودية والإمارات.

ومنعت روسيا، على الأقل حتى الآن، تمزق تحالفها مع تركيا، بتأخير هجوم شامل على "إدلب" من قبل النظام السوري، على الرغم من التأييد الإيراني للهجوم.

وتضم تركيا بالفعل ثلاثة ملايين سوري، ويخشي أن يدفع الهجوم بمئات الآلاف، إن لم يكن الملايين من السوريين، إلى عبور الحدود إلى تركيا.

وإذا كانت إيران هي الحلقة الأضعف في الجدل الدائر حول "إدلب" ، فإنها تعد أقوي في التنافس القادم مع روسيا في غنائم إعادة إعمار سوريا التي دمرتها الحرب.

وبالمثل، تبدو روسيا متناقضة تجاه استمرار الوجود العسكري الإيراني في سوريا ما بعد الحرب، وهي نقطة انفجار محتملة؛ نظرا لمعارضة (إسرائيل) لذلك، والهجمات الإسرائيلية التي أدت في وقت سابق من هذا الشهر إلى إسقاط طائرة روسية.

وعلى نفس المنوال، فإن تركيا - على الرغم من دعمها لقطر في نزاعها المستمر منذ 15 شهرا ضد تحالف تقوده السعودية لمقاطعة الدوحة دبلوماسيا واقتصاديا - ربما تشكل أكبر تحد للجهود القطرية الرامية على تقديم  نفسها على الصعيد العالمي، من خلال إدارة أفضل شركات الطيران في العالم ووضع نفسها كمركز (محور) رياضي.

فتركيا، على الرغم من فشلها هذا الأسبوع في الفوز بحق استضافة يورو 2024، وافتقارها إلى القوة المالية الخليجية، فإنها تتنافس بشكل إيجابي على كل الجبهات مع قطر، بالإضافة إلى الإمارات التي تسعي هي الأخرى لتقديم نفسها من خلال القوتين الناعمة، الصارمة، وتعارض "أردوغان" بسبب ميوله الإسلامية، وعلاقاته مع إيران ودعم قطر.

وتفوز تركيا بسهولة ضد دول الخليج عندما يتعلق الأمر بالحجم، والسكان والموقع والقاعدة الصناعية والقوة العسكرية، والأداء الرياضي.

ومن المحتمل أن يكون ذلك، مقرونا، بالتصميم على تقويض قطر، وكان أحد الأسباب المتحملة على الأرجح، في أن شركات الطيران الرئيسية في الإمارات (شركتي الإمارات والاتحاد للطيران) المتعثرتان، يسعيان - على الرغم من الانكار الرسمي -  بهدوء للاندماج المحتمل الذي من شأنه أن يخلق أكبر شركة طيران في العالم، ومواجهة المنافسة من الخطوط الجوية التركية، التي تطوق الناقلتين الجويتين الإماراتيتين، بـ309 طائرة ركاب وتقدم خدماتها لحوالي 302 وجهة في 120 دولة.

وتشير هذه التطورات الأخيرة إلى أن التحالفات، وخاصة التي تضم روسيا وتركيا وإيران، قابلة للانكسار ومعقدة، قائمة على المعاملة، ومسخرة في اتجاه استغلال (الاستفادة) من المصالح المشتركة الفورية، بدلا من الأهداف المشتركة طويلة الأجل، ناهيك عن القيم.

 هذا صحيح، إذا وجدت روسيا وتركيا بشكل متزايد على أرضية مشتركة في مفاهيم اليوروآسيوية، كما ينطبق على تركيا وقطر اللتين تدعمان الجماعات الإسلامية، وكذلك الحال بالنسبة للسعودية والإمارات ولكنها يرون أهدافهما المتعارضة مطروحة في اليمن.

وتعزز هشاشة التحالفات، من قبل التطلعات التركية والروسية والإيرانية لإعادة إحياء كل واحدة منهم إمبراطوريتها في القرن  الحادي والعشرين، وسعي السعودية للهيمنة الإقليمية.

مفاهيم الإمبراطورية، معروفة منذ فترة طويلة، عبر سياسيات إعادة تنظيم أوراسيا؛ نتيجة للتركيز من الولايات المتحدة  للتحول من الشرق الأوسط إلى آسيا في ظل صعود الصين.

وسبق أن قال لي الرئيس التركي السابق "سليمان ديميرل"،  في التسعينيات، في أعقاب زوال الاتحاد السوفيتي وظهور جمهوريات آسيا المستقلة ذات الأغلبية العرقية التي غالبيتها من العرقية التركية في آسيا الوسطي، إن "عالم تركيا يمتد من البحر الإدرياتيكي إلى سور الصين العظيم".

وفى عالم تتشكل فيه العولمة من قبل مناطق جيوسياسية بدلا من الدول الفردية، فإن روسيا مضطرة لأن تعرف نفسها كآسيوي بدلا من قوة أوروبية.

الاتحاد الاقتصادي الآسيوي، الذي يضم روسيا وكازاخستان وقرغيزستان وبيلاروسيا وأرمينيا، هو وسيلة تسمح لروسيا بتأسيس نفسها ككتلة في المنطقة الحدودية بين أوروبا وآسيا.

وبالمثل، تركيا مع الرئيس "رجب طيب أردوغان"، الذي مكنه انهيار الاتحاد السوفيتي وعودة العالم التركي إلى الظهور، أن يقدم بلده كتقاطع طرق بين أوروبا وأفريقيا وآسيا بدلا من مجرد جسر أوروبي إلى آسيا.

ومن هذا المنطلق، يتوقع الكاتب التركي "سنان بايكنت"، أن تكون زيارة "أردوغان" هذا الأسبوع إلى ألمانيا واقتراحه بعقد قمة حول سوريا من القادة الأتراك والروس والألمان والفرنسيين، انعكاسا لنهج أوراسيوي لحل المشكلة.

ويقول "بايكنت" إن اللقاء بين "ميركل" و "أردوغان" يعني تمهيد الطريق لحل أوراسيوي للمنطقة، وهناك محور جديد يتشكل اليوم بين برلين وموسكو وأنقرة وطهران وربما باريس، كل هذه الدول سئمت الأحادية الامريكية والسياسات المبالغ فيها التي فرضها "ترامب".

وإذا تم تحديد رؤية تركيا وروسيا لمكانهما في العالم إلى حد كبير من خلال الجغرافيا، فإن طُوبُولُوجيَا إيران توجب رؤية أكثر للداخل على الرغم من الاتهامات بأنها تسعي لتثبت نفسها باعتبارها المهيمنة على الشرق الأوسط.

ويشير مركز ستراتفور الأمريكي للدراسات الأمنية والاستراتيجية إلى أن "إيران حصن محاط من ثلاثة جوانب بالجبال والرابع بالمحيط ".

إن مخاوف الخليج متجذرة، ليس فقط في انعدام الثقة في النظام الإسلامي في إيران، ولكن أيضا في حقيقة أن تأسيس الإمبراطورية الفارسية السابقة اعتمد على السيطرة على السهول في المنطقة التي يقع عليها العراق حاليا.   

وكنتيجة لذلك، فإن المناورة في دول الخليج، على النقيض من تركيا وروسيا، تنحرف بدرجة أقل من خلال تأطير مفاهيمي لمكانها في العالم لكي تكون أكثر اعتمادا على التنافس الإقليمي وبقاء النظام.

وتسير دول، مثل قطر والسعودية والإمارات، عل خط رفيع يركز جيوسياسيا على الولايات المتحدة، وبصورة اقتصادية على الصين وبقية دول آسيا، بما فيها روسيا وكوريا واليابان.

محنة إدلب المتمثلة هي التغير المتحمل في مجال الطيران والمنافسة على عقود الإعمار.

هنا تبرز هشاشة تحالفات الشرق الأوسط التي تهدد بزيادتها من قبل الاقتصاد ليصبح عاملا إضافيا متزايد في الأهمية إلى جانب الجغرافيا السياسية.

وتقول الكاتبة التركية "نوراي ميرت"، التي كانت تعلق على الوضع في إدلب: "بدأت المخاطر بالنسبة لجميع الأطراف فى سوريا تتحول من بعضها البعض، وأصبحت آفاق التعاون بين روسيا وإيران أكثر تحديا".

إن تحليل الكاتبة التركية صحيح بالنسبة لإدلب، كما هو الحال بالنسبة لآفاق العديد من التحالفات في الشرق الأوسط.

المصدر | مودرن دبلوماسي

  كلمات مفتاحية

روسيا إيران تركيا اتفاق إدلب الشرق الأوسط تحالفات

مسؤولون خليجيون وعرب شاركوا بمؤتمر تحالف الشرق الأوسط بأمريكا