استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

مقتل خاشقجي وتحالف الثورات المضادّة

الأحد 28 أكتوبر 2018 06:10 ص

في لحظة ما من لحظات التحول التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، خصوصا بعد ما يعرف بالربيع العربي، وفي إطار إعادة صياغة نظام دولي وعربي جديد، وإعادة تركيب التحالفات داخل المنطقة العربية، تأتي قضية قتل الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده في إسطنبول، لتلعب دورا أقرب إلى دور الانتفاضات الثورية في أثناء الربيع العربي.

التوقيت الذي حدثت فيه تلك القضية أخل بحسابات كثيرة. وفي الوقت نفسه، عجل بتغيير أمور كثيرة، كان يمكن أن يستمر الوضع عقودا لتغييرها.

بعد الانقلاب الذي حدث في مصر في 30 يونيو/حزيران 2013، والذي تشكل، على أثره، ما يعرف بتحالف الثورة المضادة في المنطقة (يضم السعودية، الإمارات، البحرين إلى جانب الدولة العميقة في مصر متمثلة في السلطة العسكرية).

بدأ هذا التحالف في عملية انتقام من كل من ساهم، ولو بالقليل في عملية التحول الديمقراطي بعد الانتفاضات الثورية، فبدأ على الطريقة الكولونيالية في تفتيت المفتت، وتقسيم المقسم، وعرقلة المسار الديمقراطي ووأده في مهده.

فجهز التحالف عدته وعتاده، متسلحا بالمال والسلطة في عملية حصار لتلك التجارب الوليدة والانقضاض عليها، فارتكب، في سبيل ذلك مجازر، بدءا من مصر، مرورا بالحرب الدموية في اليمن، وفرض حصارا على قطر، وأخيرا وليس آخرا اختطاف وقتل المعارضين والتمثيل بجثثهم.

ثمة تشابهات أفرزتها تلك الحقبة بين أقطاب تحالف الثورة المضادة في المنطقة، فبالطريقة نفسها التي قفز بها الجنرال في مصر علي السلطة في انقلاب عسكري، جاء ولي العهد السعودي بطريقة أقرب إلى الانقلاب.

فبعد إنشاء هيئة البيعة في فترة حكم الملك عبد الله، لتنظم أمور الحكم وولاية العهد، استغل محمد بن سلمان وجود والده في السلطة، فألغي دور هيئة البيعة وانقض علي السلطة، وسعى إلى تأسيس نظامه الخاص، ليحكم قبضته على مفاصل الحكم في المملكة، ويطيح كل من يقف في طريقه.

بل امتد قمعه، ليشمل من هم أعضاء في الأسرة المالكة نفسها، وأصبح كما يقول هو عن نفسه إنه لن يمنعه أحد من أن يكون ملكا سوى الموت.

الإرهاصات نفسها أطلقها الجنرال في مصر فقال إنه لن يسمح لأحد أن يجلس على كرسي السلطة، طالما أنه على قيد الحياة، (ثمة تشابه بين عبد الفتاح السيسي ومحمد بن سلمان في بناء الأجهزة الأمنية الخاصة).

في المقابل، يلعب ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، دور العراب في تسويق هذه الديكتاتوريات لدى واشنطن، فبذلك يضمن السيطرة عليها، ثم السيطرة على المنطقة لإرضاء أحلامه التوسعية، أو كما يقول هو لا يقاس تأثير الدول بأحجامها!

في إشارة منه إلى أن صغر حجم دولة الإمارات لا يمنعه من التمدد، ولعب أدوار كبرى في المنطقة والعالم، حتى لو كان التورط في دعم انقلابات، أو التدخل في الانتخابات الرئاسية لأكبر دولة (كما ذكرت تقارير صحافية أميركية).

ما أثاره حادث مقتل خاشقجي من تداعيات ستلقي بظلالها وآثارها على أطراف متعددة، أولها نظام السيسي. ففي واشنطن دفعت الملايين من أجل تقديم السيسي، وتحسين صورته لدى الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترامب، من خلال الوسطاء السعوديين والإماراتيين الذين أنفقوا على ذلك، لضمان الدعم الأميركي لرجلهم في المنطقة، والذي أحكم قبضته على مصر.

في المقابل، دفعت تكلفة صفقات السلاح المختلفة لدى الأوروبيين، من أجل فتح الأبواب أمامه، لإكساب الشرعية الدولية على حكمه. في مقابل ذلك، قدم الجنرال تنازلات ضخمة.

وفي مقدمتها التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، أحد بنود صفقة القرن، والتي ستخدم الشريك الإسرائيلي، العضو الفاعل في التحالف السني بقيادة السعودية ضد التمدد الشيعي بقيادة إيران.

هنا السؤال المطروح منذ فترة: أي تحالف سني هذا الذي يمكن أن يشمل إسرائيل؟

فبتشكل هذا التحالف في المنطقة تم الإعلان عن نهاية النظام العربي الذي تشكل لمواجهة إسرائيل، وبالتالي، تثمن حكومة إسرائيل اليمينية المتطرفة جيدا دور هذا التحالف الذي دمجها داخل النظام السياسي للمنطقة.

وغير وضعها من كونها عدوا لصديق، وبالتالي ستعمل ما في وسعها لإنقاذ حليفها ولي العهد السعودي لدى الإدارة الأميركية، وإن كانت الشكوك تتزايد الآن في ظل الضغوط المتزايدة على الإدارة الأميركية من أطراف سياسية وإعلامية مختلفة داخل الولايات المتحدة.

إلى ذلك، يقف ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، عاريا، بعد أن أنفقت السعودية مليارات الدولارات في واشنطن، لتسويقه (الوافد الجديد الذي لم يكن يعرفه أحد)، وتقديمه المصلح والرجل الحداثي وقائد ثورة ما بعد النفط للمملكة العربية السعودية.

لكن كل هذه المليارات التي أنفقت ذهبت سدى، وانهارت تلك الصورة المرسومة لولي العهد علي إثر حادث القتل البشع الذي تعرض له خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول.

فانتفض الجميع شرقا وغربا، ليدين الحادث البشع، وليرفض استخدام السفارات والقنصليات في مثل هذه العمليات البشعة، أو أن ينتهك سيادة الدول ويخرق المعاهدات الدولية.

في المقابل، أصبح الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، نفسه في موضع حرج شديد من هذا، فقد استثمر كثيرا في ولي العهد، وراهن عليه. وكانت أول زيارة خارجية له بعد تنصيبه إلى العربية السعودية!

إلا أن الأمر الآن تغير، وتغيرت معه لهجة الرئيس الأميركي الذي أصبح يشير بوضوح إلى إمكانية تورط ولي العهد في مقتل خاشقجي.

ويحتاج ولي العهد السعودي أضعاف ما أنفقه من قبل ليعيد جزءا ولو بسيطا مما فقده، فقد انكشف تماما، وأصبح يقال بكل وضوح عنه إنه دموي وقمعي، وإنه لا خبرة له بالحكم وغير موثوق فيه. بهذه الطريقة، أصبح مصير المملكة وحكمها على المحك، في وجود هذا الرجل.

والسؤال: كيف ستنقذ المملكة سمعتها؟

في المقابل، هناك الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي يجيد استخدام الفرص واللعب السياسية، فقد جاءت قضية مقتل خاشقجي في توقيت بالغ الأهمية للرجل وبلده.

فتركيا التي يقف اقتصادها في خضم أزمات، إلى جانب توتر في العلاقات مع عدد من الدول، منها الولايات المتحدة، لعبت تلك القضية دورا مهما في عودة تركيا إلى الساحة، فقد نجح الأتراك في تدويل القضية، وصناعة رأي عالمي حولها.

من خلال ذلك، اكتسب الأتراك مصداقية، وأصبحوا بؤرة الحدث في العالم كله، ومن خلالها أيضا هدف الرئيس التركي إلى العودة إلى الوضع الإقليمي وبقوة، وهو هدفه، ليصبح رجل المنطقة القوي.

فبعد هذه الواقعة أيضا، انتهت ما تعرف بمركزية السنة، وهوما كانت تمثله السعودية، وكان مفترضا أن تتقاسمه مصر مع تركيا، إلا أن النظام المصري غير قادر على ذلك، لتحالفه مع نظام الثورة المضادة في المنطقة (السعودية والإمارات)، فانفردت تركيا بذلك.

ولدى تركيا أيضا معلومات كاملة عن اغتيال خاشقجي، وما زالت تقوم بالتسريب، من حين إلى آخر، للإعلام، خصوصا الأميركي منه. وهذا يعني أن الأتراك يعلمون أن العربية السعودية تواجه أكبر أزمة دولية، منذ الكشف عن أن مواطنيها خططوا ونفذوا هجمات "11 سبتمبر" في العام 2001.

من ناحية أخرى، يعرف أردوغان أنه لم يعد هناك إخفاء لهذه الحقائق بالنسبة للناخبين الأميركيين، فهو يسعى من أجل تشكيل رأي عام ضد محمد بن سلمان وتحالفه مع ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، الذي تورط في محاولة الانقلاب في 15 يوليو 2016، وأيضا تحالفه مع الثورة المضادة في مصر.

ويهدف أردوغان أيضا إلى الضغط على الإدارة الأميركية لإزالة بن سلمان من ولاية العهد، بالإضافة إلى تفكيك تحالف الثورة المضادة في المنطقة بقيادة ولي عهد أبوظبي.

وقد بدا هذا الأمر واضحا في خطابه في البرلمان التركي عن مقتل خاشقجي، حينما طالب بالكشف عن الدول الخارجية المتورطة في الحادثة.

هذه أعنف هزة يتعرض لها تحالف الثورة المضادة في المنطقة، منذ سيطرته عليها بعد انقلاب مصر في 2013، ثم اندلاع الحرب في اليمن وتدميره.

لو استطاع الخروج منها فسيخرج متوحشا أكثر بقمع أكثر دموية مما سبق!

أما إذا تمت إزاحة بن سلمان من ولاية العهد فهذه بداية النهاية لذلك التحالف. وهذا ما ستجيب عنه الأيام المقبلة.

  • تقادم الخطيب - أكاديمي مصري، باحث بجامعة برلين، شارك في الحراك السياسي المصري منذ 2006؛ مسؤول ملف الاتصال بالجمعية الوطنية للتغيير سابقا

  كلمات مفتاحية

السعودية أبوظبي ثورة مضادة تصفية خاشقجي بن سلمان يمين إسرائيلي تطرف ترامب بن زايد السيسي أردوغان محمد كوثراني