موقع بريطاني: قضية خاشقجي أظهرت إتقان تركيا للقوة الناعمة

الجمعة 9 نوفمبر 2018 03:11 ص

"الصديق الحقيقي يروي الحقيقة المرة".. بهذا المثل الشعبي القديم في تركيا صدرت الصحفية الكندية "تانيا جودسوزيان" تحليلها بموقع "ميدل إيست آي" البريطاني لما اعتبرته إتقانا من جانب تركيا لاستخدام قوتها الناعمة في إدارة أزمة اغتيال الكاتب الصحفي السعودي "جمال خاشقجي".

وفي هذا الإطار، سلطت الكاتبة الضوء على أسلوب الأتراك في تسريب الحقائق المريرة للجريمة "بالتنقيط" وعبر وسائل الإعلام الأمريكية أولا.

كانت هذه الوسائل متعطشة للحصول على معلومات حول الجريمة، إذ لم يكن لديها من الحقائق المتاحة سوى أن "خاشقجي" دخل القنصيلة السعودية بمدينة إسطنبول التركية في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ولم يخرج.

في هذه الأثناء، حظرت تركيا على جميع مسؤوليها الإدلاء بأي تصريحات حول الجريمة، بينما كانت التحقيقات مستمرة.

ونسبت التقارير الأكثر إثارة لمصادر تركية (لم تسمها) أنها سمعت تسجيلا صوتيا (لم تؤكد الحكومة وجوده بعد) للحظات وقوع الجريمة بعد أسابيع من اغتيال "خاشقجي".

وفي العاشر من أكتوبر/تشرين الأول، كانت "الصباح" أول صحيفة تركية تنشر معلومات عن الجريمة، تضمنت صور وهويات فرقة الاغتيال السعودية التي دخلت قنصلية المملكة باسطنبول.

وظلت وسائل الإعلام التركية هادئة للغاية حتى نشرت صحيفة "يني شفق" تفاصيل شنيعة عن الجريمة، وبحلول منتصف الشهر كانت الصحف الأمريكية تتحدث عن تمزيق أوصال "خاشقجي".

التسريب بالتنقيط

وأشارت الكاتبة إلى أن أحد الأسباب المحتملة لاتباع الأتراك أسلوب تسريب المعلومات المروعة للصحافة الأمريكية "بالتنقيط" هو الضغط على الإدارة الأمريكية باستمالة الرأي العام ضد الرئيس "دونالد ترامب" ذي العلاقة الوطيدة بولي العهد السعودي "محمد بن سلمان".

كما تجنبت تركيا بهذا الأسلوب مواجهة اتهامات من السعودية بتغذية الإعلام ضد "بن سلمان" بشكل رسمي، مشيرة إلى أن هذه الدراما يكمن وراءها التنافس الإقليمي بين تركيا من جانب والسعودية والإمارات من جانب آخر، وهو التنافس الذي نما بشكل مطرد منذ عام الثورات العربية (2011) التي دعمت حكومات بالخليج القوى المضادة لها وأجهضت بعضها.

وتنقل الكاتبة الكندية عن السفير الأمريكي السابق لدى أذربيجان، "ماثيو بريزا"، قوله إن أسلوب الحكومة التركية في تسريب أجزاء من المعلومات التفصيلية لمسؤولين لم يكشف عنهم، أكسبها تطوير نفوذها على نظيرتها السعودية وتحسين سمعتها في واشنطن.

وأشارت إلى أن هذه الاستراتيجية كانت وسيلة جديدة لمعالجة تدهور علاقات تركيا مع الولايات المتحدة بعد يوليو/تموز 2016 عندما أبدت الأخيرة رد فعل سلبي إزاء آلاف الاعتقالات التي تلت محاولة الانقلاب الفاشلة في أنقرة، وهو ما تفاقم، هذا العام، بسبب اعتقال ومحاكمة القس الأمريكي "أندرو برونسون"، وفرض عقوبات على تركيا من قبل إدارة "ترامب" في أغسطس/آب الماضي.

ففي أعقاب اغتيال "خاشقجي"، أطلقت تركيا سراح "برونسون" (12 أكتوبر/تشرين الأول)، وفي المقابل رفعت العقوبات الأمريكية بداية نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.

بوابة الدراما

ويمكن إرجاع أوضح مظهر لعودة القوة الناعمة التركية إلى عام 2007، حسب التحليل، عندما بدأت دبلجة المسلسلات التركية باللهجة السورية أكثر من العربية الفصحى، وحتى "حريم السلطان"، الذي وصفته الكاتبة بـ"مسلسل القرن العظيم".

وكان ذلك إشارة واضحة للجمهور على عودة نفوذ تركيا الثقافي والاجتماعي من جديد على مناطق سيطرتها العربية السابقة، إلى أن وصلت المجوهرات المستوحاة من الطراز العثماني إلى المحلات التجارية في الشرق الأوسط وحتى في أوروبا.

كما نجح النفوذ التركي في اختراق خدمة نتفليكس الأمريكية (لبث المسلسلات والأفلام حسب الطلب) بمجموعة من العروض، أشهرها مسلسل "أرطغرل"، وهو دراما من العهد العثماني اجتذبت الاهتمام العالمي، حتى باتت الشركة توصي بها كبديل لمسلسل "صراع العروش الشهير" (Game of Thrones).

وبذلك، انضمت تركيا إلى نخبة من البلدان القادرة على تصدير تاريخها وثقافتها عبر صناعة الدراما والسينما، ويقوم الساسة الأتراك بالاستفادة من هذا التأثير عبر استخدامه كأداة للدبلوماسية.

وعلى المستوى الإعلامي، أشارت الكاتبة إلى إطلاق شبكة (TRT) التركية قناتها باللغة الإنجليزية؛ حيث قدمت لجمهور الأخبار مصدرا بديلا للمعلومات من تركيا بفضل عرضها رسومات جرافيك متقنة ومقاطع فيديو قصيرة متميزة، ما مكن تركيا من الوصول إلى المشهد الإعلامي الدولي.

وخلص التحليل إلى أن المستويات العليا من السلطة في تركيا فهمت عيوب عرض وجهة نظر أنقرة في القرن العشرين، وتعتمد الآن على أسلوب أكثر حداثة، يعتمد على الدراما ووسائل الإعلام الاجتماعية في تقديمها.

  كلمات مفتاحية

تركيا السعودية خاشقجي القوة الناعمة تانيا جودسوزيان محمد بن سلمان ترامب أرطغرل