ميدل إيست آي: المصريون يعانون التقشف والسيسي يغدق على جيشه

الاثنين 26 نوفمبر 2018 04:11 ص

في أوائل ديسمبر/كانون الأول، من المتوقع أن تتدفق شركات الأسلحة العالمية إلى مصر.

ولمدة 3 أيام، سوف يجتمع ممثلو المئات من شركات الدفاع الدولية مع جنرالات مصر، لعرض بضائعهم على أحد كبار المشترين العالميين للأسلحة المتقدمة.

وسينعقد معرض مصر الأول للأسلحة، "إديكس 2018"، في الفترة من 3 إلى 5 ديسمبر/كانون الأول، في مركز المعارض الدولي الجديد في البلاد، وهو امتداد من الكتل الخرسانية التي تتصاعد من الصحراء في العاصمة الإدارية الجديدة للبلاد، والتي تقوم الحكومة المصرية ببنائها في ضواحي القاهرة بتكلفة تقديرية تبلغ 300 مليار دولار.

ويجمع الحدث بين اتجاهين للرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي"، مشاريع البناء الحكومية واسعة النطاق، والإنفاق العسكري الهائل.

وفي الأعوام الـ5 التي أعقبت الانقلاب العسكري الذي أوصل حكومة "السيسي" إلى السلطة عام 2013، ارتفع الإنفاق العسكري بنسبة 215% مقارنة بالأعوام الـ5 السابقة.

واشترت السلطات ما مجموعه 6.6 مليار دولار من الأسلحة، ما يجعل مصر ثالث أكبر مستورد للأسلحة في العالم بعد الهند والمملكة العربية السعودية.

وفي الوقت نفسه، شرعت الحكومة المصرية في مشاريع البناء الكبرى التي انتقدها النقاد كمشاريع لم يتم التخطيط لها جيدا، وبالإضافة إلى العاصمة الإدارية الجديدة، بنت الحكومة توسعة بقيمة 8 مليارات دولار لقناة السويس.

وتتزايد تكاليف الإنفاق الحكومي الضخم، وفي أوائل نوفمبر/تشرين الثاني، أعلن البنك المركزي المصري أن إجمالي الديون الخارجية للبلاد تجاوزت 92 مليار دولار، بزيادة قدرها 17.2% في العام.

وتضاعفت الديون الأجنبية تقريبا منذ 2015، ويبلغ إجمالي مدفوعات الفائدة على ديون مصر الآن نحو 30 مليار دولار سنويا، أي 38% من ميزانية الحكومة للفترة 2018-2019.

الدين الصاعد كالصاروخ

وتعترف الحكومة المصرية بمشكلة الديون، وفي سبتمبر/أيلول، صرح "محمد معيط"، وزير المالية، علانية أن تكاليف خدمة الديون أصبحت "مشكلة كبيرة".

وقد أدى الإنفاق على المشروعات الضخمة إلى ارتفاع ديون مصر، حسب "أحمد غنيم"، وهو اقتصادي ودبلوماسي مصري، وقال: "إن مشكلة مصر كانت دائما في زيادة الدين الداخلي، لكننا نشهد على مدى الأعوام الثلاثة الماضية ظهور مشكلة حقيقية في مستوى الديون الخارجية".

كما تم التشكيك في حكمة الإنفاق العسكري الباهظة للحكومة، وشملت عمليات الشراء الأخيرة الطائرات المقاتلة، وسفينة "ميسترال" الهجومية البرمائية، وفرقاطة "فريم" للعمل مع البحرية المصرية.

وتعد الفائدة من المشتريات الكبيرة في المجال البحري مثيرة للجدل بشكل خاص، فالحملة العسكرية الرئيسية للقوات المسلحة المصرية هي معركة ضد التمرد المسلح في شمال شبه جزيرة سيناء.

ومع ذلك، يقول بعض الخبراء العسكريين إن عدم الاستقرار في بلاد الشام، واكتشاف الهيدروكربونات، قد دفعتا الحكومة إلى تحويل تصوراتها التهديدية نحو شرق البحر المتوسط ​​والبحر الأحمر، الأمر الذي قد يفسر الرغبة في تحديث البحرية.

وقال محلل عسكري مصري لـ"ميدل إيست آي"، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته: "المشكلة هي أنهم يسيئون إدارة التوسع والتحديث، لذا فمن المرجح أن ينتهي بهم المطاف ببعض الاستعراضات المبهرة بدلا من الحصول على سلاح بحرية قادر على القيام بعمليات قتالية طويلة الأمد".

التقشف للفقراء

وفي الوقت نفسه، يعاني الاقتصاد المصري من المرض، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2016، حصلت مصر على خطة بحزمة إنقاذ بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، تهدف إلى إعادة التوازن إلى اقتصادها وتفادي انهيار كارثي.

وجاء هذا البرنامج، الذي ثبت عدم شعبيته في مصر، بنظام تقشف مالي، تم بموجبه تخفيض دعم الطاقة والمواد الغذائية، وخصخصة الشركات المملوكة للدولة، وخفض المرتبات والأجور وأعداد الموظفين في الخدمة المدنية، وتعويم الجنيه المصري، ما أدى إلى انخفاض حاد في قيمة العملة.

وفي 7 نوفمبر/تشرين الثاني، أعلنت الحكومة أن سعر تذاكر المترو في القاهرة سيرتفع مرة أخرى في ديسمبر/كانون الأول. وفي المرة الأخيرة التي ارتفعت فيها أسعار المترو، في شهر مايو/أيار، تم تنظيم احتجاجات ضد الخطوة التي أدت إلى الاعتقالات.

وفي 11 نوفمبر/تشرين الثاني، قال وزير التموين "علي المصيلحي" إن الحكومة ستتلقى أيضا بطاقات تموين غذائية من بعض العاملين في القطاع العام. وفي يونيو/حزيران، رفعت الحكومة المصرية أسعار الغاز بنسبة 50%.

وقد فشل برنامج التقشف الحكومي بشكل كبير في تلبية احتياجات 50% من السكان المصريين الذين يعيشون بالقرب من خط الفقر أو تحته، وفقا لـ"عبدالحميد مكاوي"، الخبير الاقتصادي في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وهي مجموعة أبحاث لحقوق الإنسان.

وقال "مكاوي": "أضف إلى ذلك خلق الوظائف المتدني، والبطء في الصادرات، وابتعاد نمو مصر عن مصالح الفقراء بسبب إجراءات التشديد المالي، وتراجع الإنفاق على التعليم والصحة والخدمات العامة".

وقد دعم صندوق النقد الدولي، الذي أوصى بالتغييرات، خطوات الحكومة. وقال الصندوق في أحدث تقييم لبرنامج مصر: "لا تزال خطة الدمج المالي للسلطات على المسار الصحيح".

لكن على الرغم من الإشادة من قبل صندوق النقد الدولي، فإن اقتصاد مصر يخضع في الواقع "لعدم اليقين والتقلب"، وفقا لـ"أسامة دياب"، وهو زميل غير مقيم يركز على قضايا التنمية والقضايا الاقتصادية في معهد دراسات الشرق الأوسط في معهد التحرير.

وقال "دياب": "لقد ترك ارتفاع مستويات التضخم، والزيادات غير المسبوقة في أسعار المرافق العامة، معظم المصريين متأثرين سلبا بالبرنامج".

الاقتصاد المتداعي

وتشير تقديرات المنظمة الدولية للهجرة إلى أن الاقتصاد المصري بحاجة إلى توفير 750 ألف وظيفة جديدة كل عام؛ لدعم الزيادة السكانية في البلاد. لكن الاقتصاد فشل في خلق فرص عمل، وظلت مستويات البطالة عند نحو 10%.

ولقد كافحت أكبر شركات البلاد أيضا. ومنذ العام الجديد، انخفض مؤشر البورصة المصرية الرئيسي، EGX 30، بنسبة 7.41%.

وهذا العام، نما الاقتصاد، وإن كان من خط الأساس المنخفض الذي تراجع إليه في الأعوام التالية للانقلاب العسكري عام 2013، وفي الفترة ما بين 2017 و2018، بلغ معدل نمو إجمالي الناتج المحلي في مصر 5.3%، وهو أعلى معدل خلال عقد من الزمن.

لكن التضخم تجاوز النمو بكثير، وفي أكتوبر/تشرين الأول، وصل التضخم إلى 17.7%، وهي زيادة تعتمد على الارتفاع السريع في الأسعار التي شهدتها البلاد على مدار العامين الماضيين، والتي شهدت تضاعف التضخم إلى أعلى مستوى له منذ 30 عاما، إلى أكثر من 30% عام 2017.

وتتوقع وزارة المالية المصرية نموا أقوى للناتج المحلي الإجمالي، بنسبة 6.5 إلى 7.3% على مدى الأعوام الثلاثة المقبلة، وهو ما من شأنه دعم خطط الحكومة، لكن خبراء الاقتصاد يشككون في إمكانية استمرار معدلات النمو المرتفعة.

وقالت "علياء المهدي"، أستاذ الاقتصاد في جامعة القاهرة: "هذه أرقام متفائلة، آمل أن تكون صحيحة، لكن القضية هي أن الاستثمار في الناتج المحلي الإجمالي ما زال منخفضا للغاية في مصر".

وتبلغ نسبة إجمالي الاستثمار إلى إجمالي الناتج المحلي في اقتصاد مصر حاليا نحو 15%، وهو رقم متواضع لبلد منخفض الدخل يطمح إلى معدلات نمو مرتفعة.

ومن أجل الحفاظ على توقعات النمو التي تريدها الحكومة المصرية، لابد من ارتفاع إجمالي الاستثمار إلى أكثر من 20% من الناتج المحلي الإجمالي، وفقا لما قالته "المهدي".

وأضافت "المهدي": "علينا العمل على زيادة مستوى الاستثمار في الاقتصاد لنرى نموا حقيقيا، والطريقة الوحيدة للقيام بذلك هي تشجيع المستثمرين المحليين وكذلك المستثمرين الدوليين ذوي الأموال الساخنة".

التعويل على الغاز

وتأمل الحكومة المصرية أن تصبح صناعة الغاز، أحد القطاعات الرئيسية في البلاد، الحل لمشاكلها، وفي يوليو/تموز، زعمت وزارة النفط والغاز أن مصر سوف تكون مكتفية ذاتيا في مجال الغاز، حيث كانت مصر قد أصبحت مستوردا صافيا للغاز عام 2014.

وتهدف السلطات إلى زيادة الإنتاج في حقل "ظهر" البحري للغاز، الذي يقع على بعد 200 كيلومتر شمال بورسعيد في البحر المتوسط​​، لتقديم مساهمة كبيرة في الاقتصاد.

وفي أكتوبر/تشرين الأول، قدر وزير البترول والموارد المعدنية "طارق الملا" أنه يمكن لحقل "ظهر" مساعدة الحكومة بما يصل إلى 3 مليارات دولار في العام.

ومع ذلك، فإن تقريرا خاصا صدر عن "بنك الاستثمار المصري سي أي كابيتال"، والذي تم نشره في الأصل من قبل "مدى مصر"، يقدر أن الاكتفاء الذاتي من الغاز في مصر سوف يستمر لمدة لا تزيد على عامين قبل أن تصبح البلاد مرة أخرى مستوردا للغاز.

وقال "غنيم"، الخبير الاقتصادي والدبلوماسي: "لا أعتقد أن التطورات في قطاع الغاز قد يكون لها تأثير كبير على الاقتصاد. فلقد كانت إعلانات الحكومة دائما متفائلة بشكل مفرط حول الاكتشافات الجديدة من النفط والغاز، ولم يخفف ذلك أبدا العبء عن الشعب المصري".

ومن غير المرجح أن يحمل الغاز مفتاح إصلاح الاقتصاد المصري، وفقا لـ"المهدي"، الأستاذة بجامعة القاهرة، وأضافت: "لا يمكن لمصر أن تصبح دولة تعتمد على مورد واحد، مثل الدول المنتجة للنفط".

  كلمات مفتاحية

الاقتصاد المصري عبد الفتاح السيسي الإنفاق العسكري التقشف الحكومي

رغم التقشف.. بناء قصرين رئاسيين جديدين للسيسي