ماذا يجب أن تفعل أوروبا للسيطرة على بن سلمان؟

الخميس 29 نوفمبر 2018 10:11 ص

بدأ الضغط الدولي من أجل المساءلة حول مقتل "جمال خاشقجي"، الصحفي السعودي الذي كان ينتقد ولي العهد "محمد بن سلمان"، يؤتي ثماره.

وأصدر وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الـ 28، تحت إشراف مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد، "فيديريكا موغيريني"، بيانا في 19 نوفمبر/تشرين الثاني، أشار إلى انفتاحهم على النظر في فرض عقوبات محددة ضد المملكة العربية السعودية.

وفي الوقت نفسه، ذهبت بعض الدول الأعضاء إلى أبعد من ذلك، من خلال البدء في تنفيذ تدابير خاصة.

وانضمت الدنمارك وفنلندا وهولندا إلى ألمانيا في وقف مبيعات الأسلحة إلى المملكة (وأيضا إلى دولة الإمارات العربية المتحدة في حالة فنلندا)، بسبب حرب اليمن وقضية "خاشقجي". كما فرضت ألمانيا وفرنسا عقوبات على 18 سعوديا متورطين في مقتل "خاشقجي"، رغم أن باريس لم تبد بعد أي نية لتعليق مبيعات الأسلحة إلى الرياض.

وتعد هذه خطوات في الاتجاه الصحيح. ومع ذلك، سيكون لها تأثير دائم فقط إذا كانت بمثابة نقطة انطلاق لإعادة النظر في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والسعودية، وليس مجرد رد فعل مؤقت للغضب قبل العودة إلى العمل الهادئ كالمعتاد.

وقدم النقاش حول السعودية، في 19 نوفمبر/تشرين الثاني، في اللجنة الفرعية المعنية بحقوق الإنسان التابعة للبرلمان الأوروبي، بعض الدلائل الهامة على مثل هذا التفكير.

وعلى الرغم من أنه ركز على انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة، وضعت إحدى المتحدثات، وهي"مضاوي الرشيد" من مركز الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد، وضعت المناقشة في إطار استراتيجي أوسع.

بن سلمان وأوروبا

و"مضاوي الرشيد"، التي تعيش في المنفى في لندن، هي مؤلفة للعديد من الكتب الأكاديمية عن المملكة العربية السعودية، ومن بينها كتاب "حداثيون مكتومون"، وهو دراسة عن الإسلاميين السعوديين، وقامت مؤخرا بنشر من المقالات حول تراث "آل سلمان".

وقد اكتسبت سمعة، ليس فقط باعتبارها باحثة في المقام الأول في شؤون المملكة، ولكن أيضا كناقدة لاذعة لنظام "بن سلمان". وفي أغسطس/آب 2018، دعت بجرأة إلى تغيير النظام في المملكة.

ويوجد لدى الغرب سجل سيء في تغييرات النظم، وبالتأكيد فإن تحديد شكل من أشكال الحكم في المملكة العربية السعودية، أو أي بلد آخر في هذا الشأن، ليس مهمة الاتحاد الأوروبي. لكن تحليل "الرشيد" ونصائحها لصانعي السياسة في الاتحاد الأوروبي تستحق أن تؤخذ على محمل الجد.

أولا، تبدو "الرشيد" أقل تفاؤلا بكثير بشأن حملة التحديث المفترضة من "بن سلمان"، من تفاؤل الغرب.

وفي تقديرها، فإن بعض الإصلاحات التجميلية إلى حد كبير، مثل السماح بدخول دور السينما ورفع حظر القيادة على النساء، لا تخفي سوى القمع المتفاقم لأي معارضة، سواء كان ذلك من الليبراليين أو الإسلاميين أو الشيعة أو أي مصدر آخر.

وإذا لم يكن ذلك كافيا، فإن الكشف المفاجئ عن تعذيب النشطاء في مجال حقوق المرأة أدى إلى تحطيم ما تبقى من الصورة "التقدمية" لـ "بن سلمان". وعلى الرغم من أن بعض الخطوات السطحية نحو "علمنة" مبدئية قد تبدو جذابة للمراقب الغربي، إلا أنه لا ينبغي أن ينظر أحد لتلك الخطوات على أنها إصلاح حقيقي حتى ولو بمنظور ضيق.

ثانيا، حول الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط، كان من المتوقع أن يساعد نظام "بن سلمان" في تحقيق هدفين رئيسيين. أولهما التوسط في اتفاق سلام إسرائيلي فلسطيني عن طريق شراء الإذعان الفلسطيني لأي اتفاق تطرحه الولايات المتحدة و(إسرائيل). وثانيهما، العمل على دحر نفوذ إيران في المنطقة.

ولم تؤكد إدارة "ترامب" هذه الأهداف وحدها، بل تم تقاسمها من قبل البعض في الاتحاد الأوروبي، خاصة في مؤسسات السياسة الخارجية البريطانية والفرنسية، رغم عدم التوافق حول انسحاب الولايات المتحدة من الصفقة النووية مع إيران.

ومع ذلك، أثبتت هذه الاستراتيجية أنها فاشلة ومكلفة. وبحسب ما ورد، حجب الملك "سلمان" أي خطوات سعودية كبيرة على مسار "السلام" الأمريكي، وفيما يتعلق بمواجهة النفوذ الإيراني، فإن التدخل السعودي في سوريا ولبنان واليمن أدى إلى إذكاء نار الصراع الذي أفاد إيران في نهاية المطاف. وأصبحت أوروبا معرضة لخطر تدفق اللاجئين بسبب زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط.

ثالثا، شككت "الرشيد" في فكرة أن السعودية شريك موثوق في التعاون في مكافحة الإرهاب، عبر الإشارة إلى الوهابية، العقيدة الرسمية للمملكة، باعتبارها مصدر إلهام لمعظم العنف الجهادي في العالم. ويدعم قضيتها أحدث تقرير لفرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية، وهي هيئة رقابة حكومية، اتهمت المملكة بالفشل في معالجة تمويل الإرهاب الدولي بشكلٍ كافٍ.

رابعا، يشكل حكم "بن سلمان" نوعا جديدا من التهديدات الأمنية للاتحاد الأوروبي، فالقمع المتزايد في الداخل يدفع بالمزيد من المعارضين السعوديين إلى المنفى. وقد لا يكون "خاشقجي" قد قتل على تراب الاتحاد الأوروبي، ولكن إذا لم يمر دون عقاب، فما الذي يمكن أن يمنع النظام من القيام بأعمال مماثلة في لندن أو باريس أو مدريد، مثلما يرسل "فلاديمير بوتين" العملاء الروس لتصفية خصومه في الغرب؟

استراتيجية الاتحاد الأوروبي

ولم تتطرق "الرشيد" أبدا للدعوة إلى قطع العلاقات الدبلوماسية وغيرها من العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والمملكة العربية السعودية. وبدلا من ذلك، توصي بالعمل على تهميش "بن سلمان" والدفع باتجاه ملكية دستورية في المملكة.

وهي ترفض المخاوف من أن المملكة سوف تتفكك إذا تم تنحية "بن سلمان" جانبا. وفي الواقع، لن يكون عزله من منصبه حدثا غير مسبوق في التاريخ السعودي.

وقد عزل والده الملك "سلمان" بالفعل اثنين من أولياء العهد، الأمير "مقرن" والأمير "محمد بن نايف".

وفي عام 1964، أجبرت العائلة المالكة والعلماء الملك "سعود بن عبد العزيز" على التنازل عن العرش والذهاب إلى المنفى. ومع ذلك، لم تزعزع هذه الاضطرابات استقرار المملكة إلى حد كبير، حتى مع بيئة جيوسياسية أكثر صعوبة من الوقت الحالي.

وكانت مصر الثورية العربية تحت حكم "جمال عبد الناصر"، المدعوم من قبل القوة العظمى السوفييتية، تتحرك باستمرار ضد النظام الملكي السعودي "الرجعي".

أما اليوم، فلدى المملكة علاقة جيدة مع روسيا، وريثة الاتحاد السوفيتي، أما النظام "الثوري" اليوم هو إيران غير العربية، التي أضعفتها العقوبات، ويكتنفها عدد لا يحصى من المشاكل الداخلية.

يتفق الكثيرون في الاتحاد الأوروبي مع تحليل "مضاوي الرشيد".

ومع ذلك، فغياب أي رؤية سعودية حول إعادة ترتيب الخلافة من المرجح أن يدفع حكومات الاتحاد الأوروبي للسير بحذر في علاقاتها مع المملكة، وهم ينظرون إلى "بن سلمان" على أنه شخص عليهم العمل معه، سواء أعجبهم ذلك أم لا، وربما لفترة طويلة قادمة.

ولكن حتى ضمن هذه القيود، تظهر أمثلة ألمانيا والسويد والدنمارك وفنلندا أن اتباع نهج أكثر واقعية في العلاقات مع المملكة أمر ممكن.

وقد لا يدفع الاتحاد الأوروبي صراحة من أجل ملكية دستورية، كما تقترح "الرشيد"، لكن يمكنه أن يؤكد بوضوح، من الآن فصاعدا، أن التجاوزات الأسوأ من قبل العائلة المالكة السعودية، مثل الحرب في اليمن، وقتل المعارضين، والقمع المحلي، سيتم الرد عليها بعقوبات فورية.

وبالطبع، تعد وحدة القرار من جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أمر حيوي لجعل هذه التدابير فعالة.

المصدر | إلدار ماميدوف - لوب لوج

  كلمات مفتاحية

مضاوي الرشيد الاتحاد الأوروبي جمال خاشقجي حرب اليمن