حفتر وسيف الإسلام.. رهان خطة روسية لليبيا يقودها قذافي جديد

الخميس 20 ديسمبر 2018 06:12 ص

بات "سيف الإسلام القذافي"، نجل الديكتاتور السابق، الأحدث فى سلسلة طويلة من الليبيين الذين يسعون للحصول على دعم موسكو، بينما يحاول الرئيس "فلاديمير بوتين" تعزيز دور روسيا فى البلد الغني بالنفط في شمال أفريقيا.

وفى ظل غياب الولايات المتحدة الأمريكية، انفتح الكرملين كي تكون موسكو صاحبة السلطة الرئيسية فى ليبيا، التي تعاني حالة انقسام منذ الإطاحة بـ"معمر القذافي" ومقتله فى 2011 .

ومن المرجح أن تتشجع روسيا فى المضي قدما للحصول على أهدافها بليبيا، فى ظل خطط الولايات المتحدة للانسحاب من سوريا.

وينظر إلى موسكو على أنها ذات علاقة كبيرة بـ "خليفة حفتر" (الرجل العسكري القوي الذي يسيطر على معظم ليبيا الشرقية المنتجة للنفط) لكنها تبني علاقاتها بهدوء مع كافة الفصائل المتناحرة، "وهذا يجعلها فى موقع تستفيد فيه بدرجة أكبر من القوى الخارجية الأخرى، التي تدعم جانبا واحدا"، وفقا لما نقلته وكالة بلومبرغ عن دبلوماسيين أوروبيين يدرسون استراتيجية الكرملين.

ورغم وجود عقبات رئيسية تواجه محاولة "سيف الإسلام" الوصول إلى السلطة، إلا أن روسيا ترى أن السيناريو الأفضل يتمثل في دعم شخص من النظام السابق، باعتبار أن ممثلي هذا النظام "يعرفون بعضهم البعض بشكل جيد، ولديهم عقود من التعامل والاحتكاك إبان حكم القذافي"، وفقا لمحللين ليبيين.

أما بالنسبة لـ"بوتين"، الذي استنكر الحملة العسكرية التي قادها الناتو للإطاحة بحكم "القذافي"، فكانت الحملة الروسية في سوريا بمثابة إعادة لظهور بلاده كلاعب رئيسي فى ليبيا، إذ سيمثل نجاحه في دعم نظام "الأسد" تعزيزا لثقل بلاده على حساب الولايات المتحدة بالمنطقة، كما يفتح الطريق لمليارات الدولارات عبر عقود إعادة الإعمار، وحصة من أكبر الموارد النفطية فى أفريقيا، إضافة إلى قاعدة بحرية محتملة على البحر المتوسط.

وعن تلك النتيجة، يقول مدير معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية "ألكسندر دينكين"، وهي مجموعة بحثية تدار من قبل الدولة الروسية، وتقدم الاستشارات للكرملين: "لقد بذل الغرب كل ما بوسعه لإغراق ليبيا فى الفوضي .. والآن كل أطراف النزاع لديهم ثقة بموسكو".

دعم حفتر

وبحسب دبلوماسيين، فإن استراتيجية روسيا بشأن ليبيا تحولت، العام الماضي، إلى جانب دعم الجنرال "خليفة حفتر"، إذ بذلت موسكو الكثير من الجهد فى التودد إلى منافسيه في حكومة طرابلس، المدعومة من قبل الأمم المتحدة.

ولم يصبح "حفتر" فقط زائرا متكررا لموسكو منذ 2016، لكن رئيس الوزراء "فائز السراج" وعددا من المسؤولين الحكوميين الليبيين، زاروا العاصمة الروسية بانتظام أيضا.

وإزاء ذلك يشير تقرير بلومبرغ إلى أن استراتيجية الكرملين تؤتي ثمارها، حيث تجري روسيا محادثات مع ليبيا بشأن استئناف تعاقد بقيمة 2.2 مليار يورو (2.5 مليار دولار) لبناء خط سكة خديد فائق السرعة من بنغازي إلى سرت، تم تعليق تنفيذه منذ مقتل "القذافي".

وبينما تضمن هذه الاستراتيجية لشركات التصنيع الدفاعي الروسية تعويض خسارتها 4 مليارات دولار، هي قيمة صفقات الأسلحة في عهد "القذافي"، تحصل موسكو على مكسب آخر بشراء ليبيا لنحو مليون طن من القمح الروسي بقيمة 700 مليون دولار.

أما مصالح الطاقة الروسية فتمضي قدما هي الأخرى، إذ ذهب الرئيس التنفيذي لشركة النفط الوطنية الليبية "مصطفى صنع الله" إلى موسكو في أكتوبر/تشرين الأول الماضي لإجراء محادثات مع شركتي: جازبروم وتاتنفت حول إعادة إطلاق مشاريع ليبية تعود إلى عهد "القذافي".

وأبرمت موسكو تلك الصفقات حصرا مع شركة نفط الشمال التي تتخذ من طرابلس مقرا لها، على الرغم من علاقاتها بـ"حفتر"، لأن الشركة الليبية لها الحق، وحدها، في توقيع اتفاقيات أجنبية.

ونقلت الوكالة الأمريكية عن "صنع الله" قوله: "إن الدعم الذي أبدته القيادة السياسية والتجارية الروسية لمؤسسة النفط الوطنية يدل على قوة توقعاتنا المستقبلية".

ويعود تدخل روسيا في ليبيا إلى عام 1969، عندما تولى "معمر القذافي" السلطة كضابط عسكري يبلغ من العمر 27 عامًا في انقلاب ضد النظام الملكي المدعوم من الغرب، وحينها قام الاتحاد السوفييتي بتسليح نظامه،، لكن بعد الإطاحة به تفككت ليبيا إلى فصائل متنافسة مع عجز الحكومة المركزية عن السيطرة حتى على العاصمة.

نجل القذافي

وقبض من أطاحوا بـ "القذافي" على نجله "سيف الإسلام" (46 عاما)، الذي درس في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، وقدموه للمحاكمة ثم أطلق سراحه في منتصف عام 2017.

ونقلت بلومبرغ عن مصدر، قالت إنه على دراية بالسياسة الليبية، أن الممثلين الروس أجروا اتصالات مع "سيف الإسلام"، الذي ظهر مرة واحدة بعد إطلاق سراحه مباشرة، عبر مقطع فيديو تحدث فيه من مكان مجهول.

والتقى ممثل عن نجل "القذافي" نائب وزير الخارجية الروسي "ميخائيل بوغدانوف" في أوائل ديسمبر/ كانون الأول الجاري، وألقى خطاباً نيابة عنه، تتضمن تحية "بوتين" والحكومة الروسية، وتوضيح رؤيته السياسية لليبيا، طالبا الدعم السياسي.

ولم تكن زيارة مبعوث "سيف الإسلام" الأولى من نوعها، إذ يتطلع نجل "القذافي" إلى روسيا للحصول على مساعدة مالية، ووساطة مع مراكز القوى الليبية الأخرى؛ لدعم محاولته كي يصبح رئيسًا، إذ قد يرشح نفسه بالانتخابات التي تريد الأمم المتحدة تنظيمها العام المقبل، في إطار خطتها لتوحيد ليبيا مجددا، بحسب المصدر.

يأتي ذلك رغم أن "سيف الإسلام" مطلوب للمحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية منذ عام 2011 على خلفية تهم، من بينها تهمتين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، ولذا فإن عودته تبدو صعبة إلا إذا تم حل قضيته في إطار مصالحة وطنية.

 "حفتر" أيضا لديه طموحاته الرئاسية الخاصة، لكن روسيا لم تقرر بعد دعم مرشح معين، وتبقي خياراتها مفتوحة، بحسب المصدر.

وقالت خبيرة شؤون الشرق الأوسط في نادي فالدي، الذي يدعمه الكرملين، "ماريا المكاحلة" إن نجل "القذافي" ربما يحظى بدعم روسيا في حال وفاة "حفتر"، البالغ من العمر 75 عاما، أو اعتلال صحته.

 وفي هذا الإطار، قال "ليف دينغوف"، وهو مبعوث روسي إلى ليبيا، في نوفمبر/ تشرين الثاني إن حكومته كانت على اتصال مع "سيف الإسلام"، واصفة إياه بأنه "مشارك في العملية السياسية، ومتفائل للغاية بشأن مستقبله".

اتصالات متوازنة

كما شجعت روسيا "رمضان قديروف"، زعيم الشيشان ذات الأغلبية المسلمة، على إجراء اتصالات غير رسمية داخل ليبيا، منذ أن أكمل إطلاق سراح البحارة الروس المحتجزين هناك في عام 2015، وهو على اتصال بكل من طرابلس وقوات قبلية مهمة في أماكن أخرى من البلاد.

وفي الشرق الليبي، حيث سيطرة الجيش التابع لـ"حفتر"، يقدم العسكريون الروس خدمات التدريب وصيانة الأسلحة، في ظل مؤشرات على إرسال قوات روسية خاصة تشارك في العمليات هناك، وفقا لما نقلته بلومبرغ عن مسؤولين غربيين.

ولذا اعتبر الملياردير الروسي "كونستانتين مالوفيف"، ذو العلاقات الوثيقة بـ "بوتين"، أن بلاده  لديها ميزة رئيسية واحدة في ليبيا، تتمثل في "حفتر".

لكن لازالت روسيا تواجه عقبات كبيرة في التعامل مع الفصائل الليبية المسلحة، غير القادرة على الاتفاق على كيفية تقاسم السلطة، في ظل مراهنة إيطاليا وقطر على حكومة طرابلس من جانب، والمملكة المتحدة ومصر وفرنسا على "حفتر" من جانب آخر.

وأيا ما كان المنتصر في هذا النزاع، فإن روسيا تضمن مصالحها في ليبيا، عبر التحوط في رهاناتها والحفاظ على قنوات اتصالها مفتوحة مع جميع الأطراف، وفقا لما نقلته بلومبرغ عن خبير شؤون الطاقة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا "ريكاردو فابياني"، الذي أكد أن كل الأطراف الليبية "لم يعد يمكنها تحمل استعداء روسيا".

  كلمات مفتاحية

روسيا حفتر ليبيا سيف الإسلام القذافي بوتين الكرملين إيطاليا قطر فرنسا مصر طرابلس فايز السراج

ليبيا.. هجوم مسلح على مقر اللواء العاشر للجيش

رئيس رابطة مهجري بنغازي يطالب بمحاكمة حفتر

المشري يتهم مصر والإمارات وفرنسا بإطالة الأزمة الليبية

سيف الإسلام القذافي يستعد للترشح بانتخابات الرئاسة في ليبيا