مع الانسحاب الأمريكي.. روسيا تبني وجودا عسكريا قويا بسوريا

الأربعاء 26 ديسمبر 2018 05:12 ص

في غضون 3 أعوام أو أقل قليلا، نقل "فلاديمير بوتين" روسيا من كونها لاعبا إقليميا ثانويا نسبيا، لتصبح قوة عسكرية مهمة في الشرق الأوسط، ولقد استخدم الحرب في سوريا لتحقيق نصر رائع، وهو ما فشل الغرب بشكل عام، والرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بشكل خاص، في إدراكه.

وكان التدخل العسكري الروسي الأولي في الصراع السوري، في سبتمبر/أيلول 2015، يهدف في جزء كبير منه لضمان ألا تقع قاعدتهم البحرية في "طرطوس"، وهي قاعدتهم الوحيدة في الخارج، في أيدي القوات المعارضة للنظام. وفي الواقع، في تلك المرحلة، لم يكن الروس يعتبرونها حتى قاعدة تشغيل كاملة، بل مجرد مرفق دعم فني لسفنهم الحربية العاملة في البحر المتوسط.

وبحلول عام 2017، كان الروس قد وقعوا صفقة مع الرئيس السوري "بشار الأسد"، تسمح بتطوير كبير لـ "طرطوس"، لتمكين 11 سفينة حربية من دخول الرصيف في وقت واحد، بما في ذلك السفن النووية. والأهم من ذلك، أنه تم منح السيادة الكاملة على القاعدة إلى روسيا فص صفقة تستمر لمدة 49 عاما كان نظام الأسد مضطرا للموافقة عليها في نهاية المطاف.

وتذكّر هذه الصفقة بصفقة أخرى وقعها الأمريكيون مع كوبا في ختام الحرب الإسبانية الأمريكية، والتي تضمنت الحصول على خليج "غوانتانامو" لإنشاء قاعدة بحرية.

وليس لهذه الصفقة، الموقعة عام 1903، تاريخ انتهاء محدد، لكن خلافا لاتفاق "طرطوس"، فإنها، من الناحية النظرية على الأقل، تترك السيادة للكوبيين.

وبالإضافة إلى القاعدة البحرية، قامت روسيا بشكل منهجي ببناء شبكة دفاع جوي متطورة ومتكاملة في سوريا.

وكما يشير معهد دراسات الحرب، ومقره واشنطن، فإن "روسيا أنهت بناء شبكة متطورة للاعتراض  تجمع بين أنظمة الدفاع الجوي والحرب الإلكترونية".

وردا على إسقاط إحدى طائراتهم العسكرية في سبتمبر/أيلول 2018 من قبل قوات الدفاع الجوي السورية، سيطر الروس على نظام الدفاع الصاروخي في سوريا بالكامل. 

وعلى الرغم من أنهم يدعون أن هذا مجرد تدبير مؤقت حتى يتم تدريب السوريين، إلا أن معهد دراسات الحرب يقول بأن هذا الادعاء بأنه "غير صحيح على الأرجح".

وتشمل الأنظمة الدفاعية التي يتم نشرها أنظمة "إس-300" بطول 300 كم كحد أقصى، وبعض وحدات نظام "إس-400" الذي يعتبره الخبراء العسكريون خارج المقارنة، حيث يصفه أحدهم بأنه "الأكثر قدرة وقتالية، والأطول نطاقا بين أنظمة الدفاع الجوي الصاروخي على كوكب الأرض".

ويبلغ مدى صواريخ "إس-400" 400 كيلومتر، وهي قادرة على استهداف أي هدف جوي تقريبا على ارتفاع عال جدا، من الصواريخ الباليستية إلى الطائرات المقاتلة الشبحية إلى المركبات الجوية غير المأهولة.

علاوة على ذلك، يستخدم الروس المسرح السوري لاختبار أنظمة الحرب الإلكترونية الجديدة، ويلاحظ معهد دراسات الحرب أنه من بين الأسلحة التي يتم نشرها، يتم استخدام المركبات الجوية بدون طيار "كراسوخا-4" في تشويش الهواتف المحمولة وألواح الكمبيوتر داخل دائرة نصف قطرها 100 كيلومتر، وكذا تعطيل الملاحة عبر الأقمار الصناعية، وشبكات الاتصالات، وأنظمة الإنذار المبكر المحمولة جوا، والرادارات الأرضية، في نطاقات يصل حتى 300 كيلومتر.

ويتم نشر كل من "إس-400" و"كراسوخا-4" في قاعدة "حميميم" الجوية بالقرب من مدينة اللاذقية الساحلية على البحر الأبيض المتوسط.

وقد تم بناء القاعدة الجوية بسرعة عام 2015، وفي ذروة الحرب كانت تنفذ 70 طلعة جوية في اليوم.

وكما هو الحال مع طرطوس، منحت القاعدة مجانا للروس. ومع ذلك، لم يتم تحديد مدة في الاتفاق.

ومن بين بنود عقد القاعدة، التي كانت جميعها مواتية للغاية لروسيا، هناك بند ينص على أن "تتحمل سوريا المسؤولية عن تسوية جميع المطالبات التي يمكن أن تطرحها أطراف ثالثة نتيجة للأضرار الناجمة عن الأنشطة الجوية الروسية".

ويجب أن يكون الثمن الذي دفعه "بشار الأسد" للاحتفاظ بالسلطة واضحا تماما حيث وقع السوريون بالتنازل عن سيادتهم الجوية والبحرية إلى "فلاديمير بوتين" بلا شك.

وفي ظل هذه الخلفية، أعلن الرئيس "ترامب"، فجأة، دون استشارة حلفاء الولايات المتحدة، البدء في سحب القوات البرية الأمريكية من سوريا. وفي قيامه بذلك، ذهب "ترامب" ضد نصيحة جميع كبار مستشاريه، بما في ذلك حليفيه المخلصين، مستشار الأمن القومي "جون بولتون"، ووزير الخارجية "مايك بومبيو".

وقد استقال وزير دفاعه "جيم ماتيس" اعتراضا على القرار. وكتب في خطاب الاستقالة: "من الواضح أن الصين وروسيا، على سبيل المثال، ترغبان في تشكيل عالم يتناسب مع نموذجهما الاستبدادي، بالحصول على حق النقض (الفيتو) على القرارات الاقتصادية والدبلوماسية والأمنية للدول الأخرى، والترويج لمصالحهما الخاصة على حساب جيرانهما، أمريكا وحلفائها".

ومن جهة أخرى، لا يستطيع "فلاديمير بوتين" أن يخفي فرحته حيث قال: "إذا قررت الولايات المتحدة الانسحاب، فهذا أمر جيد". والأمر جيد بالتأكيد بالنسبة لروسيا. وبانسحاب الولايات المتحدة، القوة العظمى الأكبر في العالم، من سوريا بصورة مخزية، يمكن لروسيا أن تتوقع المزيد من المكاسب الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية، كما تفعل الآن عبر وجود عسكري قوي تم بناؤه حرفيا تحت أنف أمريكا.

ويعد قرار "ترامب" هو الحل الأمثل الذي يخدم تدخل "بوتين" الاستراتيجي في الصراع السوري، الذي اتسم بالدهاء البارع، والبنية الجيدة، والبراغماتية التي لا ترحم، وكلها صفات تفتقر إليها رئاسة "دونالد ترامب".

  كلمات مفتاحية

انسحاب الولايات المتحدة من سوريا روسيا إس-400 دونالد ترامب قاعدة حميميم

روبرت فورد: أؤيد الانسحاب الأمريكي من سوريا لهذه الأسباب

الخارجية الأمريكية تعترف بخطأ ترامب بشأن السعودية وإعمار سوريا

انسحاب ترامب من سوريا يثير ذعر حلفاء واشنطن بالخليج