«ديفيد هيرست»: مصر «السيسي» تدفع المهاجرين نحو البحر

الاثنين 27 أبريل 2015 12:04 م

ذرفت أوروبا دموع التماسيح على الحالة التي وصل إليها البحر المتوسط بكونه صار مقبرة جماعية. وتراوحت ردود الفعل من اعتراف مخادع من المسؤولين البريطانيين أنهم يجنون عواقب التدخل العسكري الخاطيء لحلف الناتو في ليبيا، وحتى إطلاق دعوات بتدخل آخر. وأظهر القليل إشارة محدودة أنهم سوف يتعاملون مع الغرق الجماعي على أنه كارثة إنسانية.

وتأتي الخطط العسكرية من الدبلوماسية الإيطالية فيديريكا موجيريني، الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي. ويريد مكتبها إرسال جنود من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لمكافحة تنظيم «الدولة الإسلامية» في ليبيا وحماية الحكومة والبرلمان في طبرق (الذي حلته المحكمة الدستورية)، وليست الحكومة المنافسة في طرابلس. وعاد الأعضاء المحافظون على هدوئهم ليقولوا إنهم يريدون أن يروا اتفاقا أولا بين المليشيات المتناحرة قبل أن يتم النظر في أي شكل من أشكال التدخل.

وبينما كان رئيس الوزراء البريطاني «ديفيد كاميرون» يمر بفترة صعبة تظهر تأرجحه بين حالة من الرأفة (عن طريق إرسال المزيد من السفن للقيام بدوريات في البحر الأبيض المتوسط) وحالة من التشدد (من يتم إنقاذهم لن يحصلوا على فرصة بطلب اللجوء)، فإن اجتماع الاتحاد الأوروبي كان غير قادر على الاتفاق على عدد من اللاجئين الذي على دول الاتحاد أن تقبله.

ويخنق الخوف من الأرقام استجابة أوروبا لحجم الكارثة الإنسانية. وكان الغرق الجماعي في بعض الدوائر سببا لاحتفال علني. وتلخص تغريدتان في إيطاليا مزاج أوروبا الكاره للأجانب: «700 من الضحايا ... من الجيد أن يكون الرقم صحيحا»، و طالبت الأخرى: «لو تغرق إفريقيا بالكامل وحدها». ووصف كاتب العمود البريطاني «كاتي هوبكنز» المهاجرين بــ«الصراصير»، ودعا إلى إرسال الزوارق الحربية لتقوم بإغراق القوارب التي تقل هؤلاء المهاجرين.

وكما قال مدير منظمة العفو الدولية في المملكة المتحدة «كيت ألين» أنه إذا كان الغرقى هم المصطافون بدلا من المهاجرين، فكيف ستختلف الاستجابة عندئذ.

ولم يتم الاعتراف حتى الآن، ناهيك عن الدراسة والتحليل، بالمصدر الحقيقي لأكبر موجة من الهجرة تضرب أي بلد عضو بالاتحاد منذ أن خرج الاتحاد إلى الوجود. الحقيقة والواقع مدفونان في أرقام الاتحاد الأوروبي الخاصة، لكن هناك عزوف عن الحديث عن ذلك، ولسبب وجيه.

والسبب في حالة الفوضى على طول السواحل الشرقية والجنوبية للبحر الأبيض المتوسط يرجع إلى حلفاء أوروبا بصورة لا تقل عن تلك التي يتسبب بها أعداؤها. هذا هو السبب في تزايد أعداد العرب، وكذلك الأفارقة، الذين يركبون القوارب مخاطرين بفقدان حياتهم غرقا، ولماذا هذا التدفق الملحوظ الآن، وبعد أربع سنوات من الثورات العربية؟

لقد انخفضت تدفقات المهاجرين في أعقاب الربيع العربي وتضاءلت بشكل ملحوظ، حيث إنه كانت هناك بارقة أمل تلوح في الأفق. لقد اعتقد الملايين أن هناك فرصة لمستقبل أفضل.

عقب الإطاحة مباشرة بمعمر القذافي في أغسطس / آب 2011، انخفض ضغط الهجرة بشكل كامل تقريبا وفقا لوكالة «فرونتكس» المختصة بمراقبة حدود دول الاتحاد الأوروبي:

«مع انهيار نظام القذافي في أغسطس/آب من عام 2011، انخفض ضغط الهجرة بشكل كامل تقريبا، وأظهرت الدلائل أن عام 2012 شهد حالات قليلة جدا. ولكن في العام التالي شهد ذروة الخروج الثانية من ليبيا».

تأمل ما أوردته الوكالة من كلمات: «عام 2013»، ومصطلح «الذروة الثانية». وتضيف «فرونتكس»:

«وفي عام 2014، وصلت الحالات التي تم اكتشافها في حوض البحر الأبيض المتوسط إلى مستوى مذهل. لقد وصل أكثر من 170 ألف مهاجر إلى إيطاليا وحدها، ما يمثل أكبر تدفق في بلد واحد في تاريخ الاتحاد الأوروبي. وغادر العديد من المهاجرين من ليبيا؛ حيث تسود هناك حالة من انعدام سيادة القانون وإنفاذ القانون الأساسي، والتي تسمح بانتعاش شبكات التهريب. ومن بين الجنسيات المتعددة التي تهاجر عن طريق المتوسط إلى إيطاليا، كان السوريون والأريتيريون أحد أكبر الجنسيات عددا، كما استخدم العديد من الأفارقة القادمين من مناطق جنوب الصحراء هذا الطريق».

وكان ثلث عدد المهاجرين الذين جاءوا إلى أوروبا في عام 2014 ، من الإجمالي المقدر بـ220 ألف شخص، هم من السوريين الفارين من جحيم الحرب الأهلية في بلادهم. وقد رفع هذا الأمر عدد طلبات اللجوء إلى مستوى قياسي. وسجلت المفوضية الأوروبية عدد المتقدمين بطلبات لجوء من سوريا إلى أكثر من الضعف، مقارنة بعام 2013، محققة 123 ألف طلب. ويستحوذ السوريون على 20% من الطلبات الإجمالية.

ولا تختلف الصورة في العام الحالي عن العام السابق. فقد عبر البحر 36.390 مهاجر إلى إيطاليا واليونان ومالطا، وفقا لوكالة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ولقى 1.750 حتفهم، وفقد مثلهم تقريبا. وإذا أردنا الحديث عن الرقم من حيث الجنسية، فقد احتل السوريون المركز الأول بعدد بلغ 8.865 حتى الآن، ثم إريتريا 3.363، والصومال 2.908، وأفغانستان 2.371.

كيف يتم الوصول إلى أوروبا؟

هناك سبعة طرق يسلكها المهاجرون عبر البر والبحر إلى حدود الاتحاد الأوروبي. منهم طريق حوض البحر الأبيض المتوسط من ليبيا إلى مالطا وإيطاليا؛ والذي شهد أكبر ارتفاع في حركة المرور، من 15.900 مهاجر في عام 2012، إلى 17.760 في العام الماضي. ولا تملك سوريا حدود برية مع ليبيا، ولذلك، فإن أحد الطرق التي يسلكها المهاجرون هي الدخول إلى مصر، ومن ثم بدء الرحلة.

وصلنا الآن إلى البلد الذي يمر من خلاله المهاجرون، كما عرفنا السنوات التي شهدت طوفان الهجرة عبر البحر. إذن لم تكن بداية ثورات الربيع العربي في عام 2011 هي بداية التدفق في الهجرة، لكن بعد ذلك بعامين.

وتشير الأرقام وحدها بأصابع الاتهام إلى الانقلاب العسكري في مصر في عام 2013، على اعتبار أنه كان صاحب الأثر الأكبر في تدفقات المهاجرين العرب اليوم.

الانقلاب وتدفق الهجرات غير الشرعية

لقد كان للانقلاب تأثير مباشر، بطريقة ما على حوالي 250 ألف إلى 300 ألف لاجئ سوري فروا إلى مصر، وعلى ليبيا نفسها؛ نظرا لوجود حدود طويلة مع مصر يسهل اختراقها. وقد رحب الرئيس المعزول «محمد مرسي» بالسوريين في مصر. وسمح لهم بالبقاء بمجرد إشهار جوازات سفرهم، وفتحت المدارس لأطفالهم. وفي غضون أيام من الانقلاب، بات هؤلاء اللاجئون خطرا على الأمن القومي في مصر، وتم ربطهم، صدقا أو زورا، بجماعة الإخوان المسلمين. ومن هنا بدأت عمليات ترحيلهم والقبض عليهم، وقامت الشركات بفصل أي موظف سوري. وادعت وزارة الخارجية المصرية أنه بحلول نهاية عام 2014 تم تسجيل 250 ألف لاجئ سوري. ولكن الكثير، مما لا شك فيه، أجبروا على الفرار.

وفي 6 سبتمبر/أيلول من العام الماضي انطلق قارب من ساحل دمياط في مصر إلى مالطا. وقد صدم هذا القارب سفينة أخرى بعد أن رفض المهاجرون الانتقال إلى قارب أصغر قابل للنقل عبر البحر. وادعت المنظمة الدولية للهجرة استنادا على شهادات اثنين من الناجين الفلسطينيين أن 500 لقوا حتفهم، كانوا قد جاءوا من سوريا والسودان ومصر.

الانقلاب وليبيا

كان التأثير الثاني المباشر للانقلاب على ليبيا نفسها. فبعد وقت قليل من انقلاب يوليو/تموز 2013، تم تحديد شرق ليبيا، وكذلك قطاع غزة، من قبل برامج التلفزيون المصري والمقرب أصحابها من الاستخبارات العسكرية على أنها أهداف محتملة للتدخل العسكري المصري. وقد رسم الإعلام المصري ليبيا على أنها أوكار للمتطرفين الإسلاميين الذي يهددون مصر نفسها. وجعل هذا الادعاء المراقبين في حيرة من أمرهم، لأن العدد الفعلي للتكفيريين الإسلاميين في شرق ليبيا كان قليلا للغاية، وبعيدا عن المكان الذي تم تحديده في درنة وليس بنغازي. ولم يكن تنظيم «الدولة الإسلامية» في ليبيا قد ظهر بعد، كما لم يكن هناك ما يسمى بــ «الجيش المصري الحر» محتشدا على الحدود، كما ادعت وسائل الإعلام المؤيدة للانقلاب في القاهرة بشكل هستيري.

ولكن التنبؤ بتدخل مدعوم من مصر جاء صحيحا. في 14 فبراير/شباط من العام الماضي، بثت قناة العربية الإخبارية شريط فيديو لـ«خليفة حفتر»، وهو جنرال سابق بنظام «القذافي»، يعلن تعليق عمل البرلمان والحكومة وتقديم خريطة طريق من خمس نقاط للبلاد. ورفض رئيس الوزراء آنذاك، «علي زيدان»،  انقلابه، وعلق قائلا: «يمكن لحفتر أن يقول ما يريد أو ما يحلم بالقيام به».

لقد كان تلك هي أولى محاولات حل البرلمان في طرابلس. واندلع القتال بين مليشيات مصراتة والزنتان، والمجموعة الموالية للإسلاميين التي اعتمدت اسم «فجر ليبيا» في النهاية، وسيطرت على المطار وطرابلس وجزء كبير من وسط البلاد. وسواء تم الحفاظ على التوازن الهش بعد القذافي لمليشيات مصراتة والزنتان الميليشيات أم لا، فإننا لا يمكننا معرفة ذلك مطلقا. وعلى الأغلب الإجابة لا. ولكن «حفتر» ومصر والإمارات العربية المتحدة، مما لا شك فيه، وضعوا ليبيا على حافة الهاوية. وكان دافعهم هو التأكد من أن الطاغية في مصر له زميل طاغية يدير ليبيا الغنية بالنفط في الجوار.

ولا يخجل «حفتر» نفسه، وفقا لمصادر استخباراتية ليبية في طرابلس، من الاتجار بالبشر. وقد تحدث موقع «عربي 21» بالتفصيل عن القبائل المرتبطة بحفتر والطرق التي تديرها.

ويدعى مصدر أمني ، نقل عنه موقع عربي 21 ، يحمل اسم قبيلة التبو المتحالفة مع «حفتر»  بأنها تنشط في نقل الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين من الجنوب إلى الشمال، وذلك باستخدام الطرق التي تقع تحت حمايته. وفي الوقت الذي يتجه فيه حوالي 40% من تجارة البشر شمالا، فقد قال نفس المصدر إن 30% سافروا غربا من الحدود المصرية. وأضاف أن عددا من ضباط الجيش المصري يحصلون على حصة من هذه التجارة، تماما كما يفعلون مع أي تجارة في مصر.

«وأضاف أن كل شخص يدفع 100 دينار ليبي إلى مهربي أولاد علي على الجانب المصري، وذلك لنقلهم إلى بلدة امساعد الحدودية عبر شبكة تهريب يديرها ضباط في الجيش والمخابرات المصرية الذين يحصلون على عمولة عن كل مغترب يتم تهريبه».

لذلك؛ فإن نفس الشخصيات التي تدعمها «موجريني» والحكومات البريطانية والفرنسية والإيطالية متورطة في الاتجار بالبشر، فحتى «القذافي» نفسه استخدم الهجرة غير الشرعية كأداة للضغط على الاتحاد الأوروبي. وفي هذا الصدد لم يتغير شيء يذكر.

وبينما تتجه السفن البريطانية والألمانية وغيرها للقيام بدوريات على الساحل الليبي، فإن حلفائهم في مصر وليبيا يدفعون المهاجرين في البحر.

ماذا يحمل المستقبل لتدفقات المهاجرين؟ مصر نفسها تفقد استقرارها يوما بعد يوم. من حدودها مع قطاع غزة مرورا عبر شبه جزيرة سيناء دمر الجيش حوالي عشرة آلاف منزل المنازل، ما عزز العنف السياسي ضد الدولة الذي بات يحدث كل 90 دقيقة. وبما أن الصراع السياسي في مصر يزداد عسكرة أكثر وأكثر، في الوقت الذي يفقد فيه الملايين من المصريين الأمل في مستقبل اقتصادي أفضل، فإن أعداد المهاجرين الذين يسيرون على نفس ذلك الطريق البائس يمكنها أن تزيد فقط.

هناك مئات الآلاف من المهاجرين العرب اليوم، ولكن هناك الكثير من الملايين الأخرى ينتظرون.

  كلمات مفتاحية

ليبيا حفتر السيسي الانقلاب هجرة غير شرعية

العفو الدولية: مهمة إنقاذ المهاجرين يجب أن تقترب من سواحل ليبيا

الاتحاد الأوربي يناقش شن عملية عسكرية ضد المهربين في ليبيا

«الأمم المتحدة» تؤكد مصرع 800 مهاجر إثر غرق سفينتهم قبالة سواحل ليبيا

زعماء الاتحاد الأوروبي يدعون لمحادثات عاجلة بعد غرق 700 مهاجر قبالة ليبيا

«التليجراف»: الدولة الإسلامية يخطط لاستهداف سواحل أوروبا عبر ليبيا

وزير خارجية مصر: ليس هناك ما يدعو إطلاقا إلى تدخلنا بريا في ليبيا

«السيسي» يحذر الغرب من فوضى إقليمية عارمة بعودة «الإخوان» للحكم

«إيكونوميست»: قمع «السيسي» أسوأ من «مبارك»

هل ما زال «السيسي» يحتفظ بدعم كبار جنرالاته؟

«هيرست»: «السيسي» سيتحول لنقمة وسيفاجأ الغرب بأسوأ من سقوط الموصل

بابا الفاتيكان يدعو كل أسقفية أوروبية لإيواء عائلة من المهاجرين