الجامعة العربية تتجه لإعادة نظام الأسد.. ما الذي يعنيه ذلك؟

الخميس 31 يناير 2019 12:01 م

بعد أعوام من الظلام الدبلوماسي بسبب الحرب الأهلية، قد يعود النظام السوري قريبا إلى النور، على الأقل مع جواره المباشر.

وشهدت الأسابيع الأخيرة تطورات دبلوماسية ملحوظة حيث أصبح "عمر البشير" أول رئيس دولة من جامعة الدول العربية يزور نظيره السوري في دمشق منذ بدء الصراع السوري قبل نحو 8 أعوام.

وقبل نهاية العام الماضي، 2018، أعادت الإمارات العربية المتحدة فتح سفارتها في دمشق بعد إغلاقها عام 2011. كما تفكر دول الجوار، مثل الأردن ولبنان، اللتين عانتا اقتصاديا وسياسيا من الصراع المتأجج في جوارهما، في كيفية وموعد استئناف العلاقات المتوترة مع سوريا.

لكن من بين أوضح الدلائل على أن مكانة سوريا في العالم العربي آخذة في التحسن هو احتمال أن تعيد جامعة الدول العربية حكومة "بشار الأسد" إلى حظيرتها، بعد 8 أعوام من تصويتها على طرد دمشق ردا على معاملتها الوحشية تجاه المعارضة في البلاد.

وفي الأشهر الأخيرة، قالت مصادر دبلوماسية لصحيفة "الغارديان" إن هناك توافقا في الآراء بين أعضاء الجامعة العربية، لا سيما دول الخليج العربية القوية والغنية، بأن قبول عودة سوريا إلى الحظيرة العربية هو الخيار الأفضل.

وقبل انعقاد القمة السنوية المقبلة في شهر مارس/آذار في تونس، قد نكون على وشك حدوث تحول كبير في الطريقة التي تتعامل بها دول المنطقة مع سوريا "الأسد".

الجامعة العربية

وكانت جامعة الدول العربية قد تأسست عام 1945 بتشكيل بريطاني، حيث ضمت مجموعة البلدان الناطقة بالعربية التي عملت لتحقيق أهداف اقتصادية وسياسية مشتركة.

غير أن الجامعة أصبحت سيئة السمعة بسبب ضعفها، ويعود ذلك جزئيا إلى أن قراراتها لا يتم تطبيقها إلا على الدول الأعضاء التي تقبل بالقرارات.

وربما لم تحقق الكتلة شيئا ملموسا منذ عام 1967، عندما أصدرت قرارات ضد التعاون مع (إسرائيل) في قمتها الرابعة. وكانت الخرطوم قد استضافت قمة عام 1967، بعد بضعة أشهر فقط من هزيمة (إسرائيل) لجيوش 6 دول عربية، وهو ما انعكس على اجتماع أعضاء الكتلة لفترة وجيزة حول عداوتهم المشتركة تجاه (إسرائيل). ولكن بعد 12 عاما، خرقت مصر صف الجامعة بالتوقيع على اتفاقية سلام مع (إسرائيل)، ما ألقى الضوء على القرارات الضعيفة للكتلة التي تم اختراقها مرة تلو الأخرى.

وكانت جامعة الدول العربية قد تم تصميمها لتوطيد الوحدة، لكن بدلا من ذلك، أصبحت منصة تفسح المجال للشقاق في المنطقة.

وكثيرا ما امتنعت الدول الأعضاء عن التصويت، وهو ما حدث أثناء القرار المتعلق بسوريا عام 2011، عندما صوتت لبنان واليمن وسوريا ضد الاقتراح، وامتنعت العراق عن التصويت.

وحتى عندما يتفق الأعضاء على القرارات، مثلما فعلوا في اجتماع في شرم الشيخ عام 2015، حين صوتوا لإنشاء قوة عسكرية مشتركة لمواجهة التطرف الإقليمي، لم تسفر مثل هذه الدعوات عن الكثير من العمل.

وفي الواقع، أكد إعلان الجامعة نفسه بشأن التحالف العسكري على أن القوة لن تشارك في العمليات المناهضة للحوثيين في اليمن، وأن المشاركة ستكون اختيارية.

علاوة على ذلك، تختلف "القوة العسكرية العربية"، التي كان من المنتظر أن تقودها مصر، عن "التحالف الإسلامي" الذي تقوده السعودية لمواجهة "الإرهاب"، وكلاهما يختلف عن التحالف الاستراتيجي في الشرق الأوسط الذي تسعى إليه الولايات المتحدة.

وفي النهاية، غالبا ما تسلط قرارات الجامعة الضوء على انتشار تحالفات فرعية في الشرق الأوسط، مما يؤكد أن الجميع في المنطقة يختارون الذهاب في اتجاهات مختلفة.

وحتى المبادرات المباشرة نسبيا، التي تحدثت عن المساعدات الاقتصادية المشتركة ومشاريع التنمية الإقليمية، قد ثبت أنها صعبة.

وظهر دليل جديد على ذلك في الاجتماع الاقتصادي الاجتماعي الذي عقدته جامعة الدول العربية في بيروت، في يناير/كانون الثاني.

ودعت الجامعة للاجتماع لدعم عملية إعادة الإعمار في سوريا، وكذلك إعادة الإعمار والتنمية في زوايا أخرى مزقتها الحرب والفقر من العالم العربي. لكن بدلا من ذلك، غابت الكثير من الدول عن الخطاب الافتتاحي للرئيس اللبناني "ميشال عون".

إلى تونس

وبغض النظر عن هذه العقبات المألوفة، تبقى الجامعة هي الكيان السياسي الأول في العالم العربي. وما هو أكثر من ذلك، أنها مكان حاسم لتقديم الإشارات السياسية. وبغض النظر عما إذا كانت الجامعة ستعيد عضوية سوريا قبل القمة السنوية في تونس، يشير القرار إلى أن دول العالم العربي تحاول أن تقلب الصفحة على أعوام من الصراع الوحشي في البلاد. ويحمل مثل هذا التطور في طياته بعضا من الآثار الاقتصادية والسياسية التي من شأنها أن تغير المنطقة.

ومن الناحية السياسية، فإن القبول البطيء لسوريا سيشير علانية إلى أن دول الخليج العربية تتحول في كيفية تعاملها مع النظام السوري، التي تسعى الحكومات الخليجية وحكومات الدول العربية الأخرى إلى تقويضه منذ أعوام.

ومن خلال قبول سوريا مرة أخرى على طاولة الجامعة، تعترف هذه الدول بفشلها في جلب شخص آخر إلى السلطة خلاف "الأسد"، أولا لأن المعارضين الذين دعمتهم خسروا معركتهم ضد "الأسد" إلى حد كبير، وثانيا لأن خطتهم لدعم القوات السورية الديمقراطية انهارت في الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة تخطط لانسحابها من سوريا.

ولا يشير دعم دول مثل الإمارات والسعودية لعودة سوريا إلى الحظيرة العربية إلى سعادتهم ببقاء الحكومة الموالية لإيران في السلطة في دمشق، ولكن يعني هذا أنهم يعترفون بأن أفضل مسار للعمل هو العمل مع "الأسد"، في محاولة لفصله عن النفوذ الإيراني.

وبالنسبة للدول العربية التي تقع على الحدود مع سوريا، مثل الأردن ولبنان والعراق، فقد دمرت الحرب شبكات الشحن والتجارة المربحة التي ترغب هذه الحكومات في إعادة بنائها بسرعة.

ومن شأن إعادة سوريا إلى الجامعة أن يمكن بيروت من تعزيز تجارتها بشكل علني مع دمشق، بينما تستطيع بغداد وعمّان إحياء طرق النقل الطويلة التي لا تزال خاملة.

وبالنظر إلى أن الحرب قد أضافت ملايين اللاجئين السوريين إلى سكان كل من هذه الدول، تتلهف هذه الدول للاستفادة من الروابط مع سوريا إذا ما تم تأهيلها دبلوماسيا.

وعلى نطاق أوسع، فإن إعادة سوريا إلى وضعها الطبيعي في الجامعة قد يؤدي إلى بدء مهمة إعادة الإعمار المكلفة. وعلى الرغم من أن عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والعقوبات الأخرى ستبقى على الأرجح ضد دمشق لأعوام مقبلة، ستواجه دول الخليج العربية قضايا قانونية وسياسية أقل في المشاركة في مشاريع إعادة الإعمار في سوريا وإعادة بناء شبكات التجارة، إذا اعترفت الجامعة بسيادة "الأسد".

وبالنسبة لمراكز التجارة والشحن، مثل الإمارات وقطر، فإن زيادة الشركاء التجاريين المتاحين أمر مفيد. وبالنسبة للدول العربية مثل السعودية، التي تعارض بشدة التعدي الإقليمي الإيراني، فإن إمكانية بناء علاقات اقتصادية إيجابية مع سوريا على المدى الطويل قد تكون جزءا من تحول استراتيجي للعمل مع حلفاء إيران العرب لمحاولة جذبهم إلى مدار الرياض.

وفي الواقع، بدأ منتقدو طهران العرب بالفعل في اتباع مثل هذه الاستراتيجية في العراق، حيث زادت الإمارات والكويت والسعودية استثماراتها المالية هناك، فضلا عن الأنشطة الإعلامية والتفاعلات بين الطوائف لتعزيز النفوذ على حساب الجمهورية الإسلامية.

ما وراء العالم العربي

لا يعني قرار الجامعة النهائي بالعمل مع سوريا بالضرورة أن بقية العالم سوف يفعل ذلك على الفور. وفي الواقع، يعد هذا العرض مناورة محفوفة بالمخاطر، لا سيما وأن الجهات الفاعلة مثل "الكونغرس" الأمريكي لا تزال ملتزمة بعزل "الأسد" اقتصاديا. وعلى الرغم من ذلك، فسوف يقلل تغير موقف الجامعة من بعض الحذر المحيط بالتعامل مع سوريا. واعترفت تركيا، على سبيل المثال، بأنها يجب أن تكون مستعدة للعمل مع "الأسد"، إذا فازت حكومته بالانتخابات.

وعلى الرغم من أن القوى الخارجية الرئيسية، مثل الولايات المتحدة وروسيا، قد لا تتفقان حول دعم الحكومة الحالية في سوريا، فإن كليهما يفهم فوائد تعاون جامعة الدول العربية بشكل أوثق.

وتسعى واشنطن جاهدة لتعزيز الوحدة بين حلفائها في الشرق الأوسط، بينما تبحث عن تحالف للمساعدة في تحمل عبء الاستقرار الإقليمي، وهو هدف أمريكي استراتيجي.

وسوف تستفيد روسيا أيضا، بطبيعة الحال، إذا احتضنت الجامعة سوريا مرة أخرى، بعد أن تدخلت موسكو دعما للأسد برأس المال السياسي والمال والمساعدات العسكرية.

وبعد ما يقرب من عقد من الحرب، أظهرت الحكومة السورية الحالية أنها ثابتة في موقعها.

وبالنسبة للكثيرين في العالم العربي، فإن استمرار حكم النظام السوري الحالي يحد من رغبتهم في رؤية حكومة أكثر مرونة في دمشق، ومع ذلك لم يعد هذا مرفوضا تماما كما كان عليه في السابق.

وإدراكا منها للحاجة للعمل مع "الأسد" بدلا من أن تكون ضده، يبدو أن جامعة الدول العربية مستعدة للترحيب بعودة سوريا إلى الحظيرة العربية. وبحسب ما تقرره الجامعة في النهاية، ستتحرك بقية دول العالم لتحذو حذوها.

  كلمات مفتاحية

جامعة الدول العربية الحرب السورية الدبلوماسية العربية نظام الأسد

أبو الغيط: لا توافق حول عودة سوريا للجامعة العربية‎

للمرة الأولى منذ ثورة سوريا.. الأسد يزور إيران ويلتقي خامنئي

مصر: تصريحات شكري عن عودة سوريا للجامعة العربية اجتزأت