نيويورك تايمز: خطة الإمارات لتقويض مونديال قطر 2022

السبت 2 فبراير 2019 08:02 ص

كانت الرسالة قد وصلت إلى صندوق البريد الإلكتروني للمكاتب المسؤولة عن عرض قطر لاستضافة كأس العالم، في وقت حرج في صيف عام 2010، قبل أشهر فقط من اجتماع "الفيفا" لاختيار مضيف البطولة الكبرى لكرة القدم التي تقام كل 4 أعوام. وكان المرسل هو شركة "كورنرستون جلوبال أسوشييتس"، وهي شركة استشارية غير معروفة في لندن. وفي البريد الإلكتروني، وضع رئيس الشركة خطة لمساعدة قطر، الدولة الصغيرة الترابية الحارة، التي يقول الكثير من المراقبين إنها غير مناسبة لاستضافة حدث رياضي كبير، فضلا عن الحدث الرياضي الأهم والأكثر مشاهدة عالميا.

وقد رفض القطريون العرض، الذي كان واحدا من العديد من العروض المرفوضة التي وصلت في الصيف، وتحرك رئيس "كورنرستون" أيضا؛ فعلى مدى الأعوام القليلة التالية، واصل توجيه الانتقادات للإمارة وكأس العالم على حساباته النشطة في وسائل التواصل الاجتماعية.

ومنذ ذلك الحين لم تختف الانتقادات الموجهة لقطر؛ فعام تلو الآخر، هاجمت التقارير الإخبارية الإمارة، وشككت في ما إذا كانت مناسبة لاستضافة كأس العالم، وفي الطريقة التي فازت بها في التصويت، وكذا في معاملتها للعمال المهاجرين. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2017، تحولت نبرة التغطية إلى نذير شؤم عندما بثت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" تقارير على موقعها على شبكة الإنترنت وقناتها الإخبارية، تحذر بحدة من أن هناك "خطر سياسي متزايد قد يمنع قطر من استضافة كأس العالم عام 2020.

وقد خلقت المقالة الجدل لتخرج تقارير مشابهة في وسائل الإعلام البريطانية والدولية، وكلها تشير إلى نفس ما جاء في التقرير الأول: "هل كأس العالم لكرة القدم لعام 2022 في خطر؟". وقد أكد التقرير أن "الدبلوماسيين الغربيين قد صرحوا بشكل خاص أنهم لا يعرفون ما إذا كانت البطولة ستجري كما هو مخطط لها أم لا.

لكن الأمر الأكثر إثارة للاهتمام لم يكن خلاصات التقرير نفسها، بل مؤلفه، حيث كان وراء هذا التقرير شركة "كورنرستون جلوبال أسوشييتس" نفسها.

ورقة كأس العالم

وستكون بطولة كأس العالم 2022 أول بطولة يستضيفها العالم العربي، وكانت كرة القدم قد تحولت إلى قضية ساخنة منذ أن فازت قطر بحقوق الاستضافة. لكن في الأشهر الـ19 منذ أن بدأت المملكة العربية السعودية والعديد من الدول العربية الأخرى بمقاطعة عقابية ضد قطر المجاورة، أصبحت البطولة شيئا أكبر حيث تحولت إلى ورقة في لعبة النزاع الجيوسياسي الأوسع نطاقا الذي يجتاح الخليج. وفي هذه المعركة الرياضية الأصغر، يبدو أن الهدف هو إفساد البطولة، أو إفشالها، أو على الأقل إجبار دولة قطر الصغيرة على مشاركة الحدث مع خصومها السياسيين.

وقد أضاف النزاع بعدا جديدا إلى صناعة العلاقات العامة، حيث يمكن للخبراء الاستشاريين وغيرهم من المطلعين أن يكسبوا ملايين الدولارات مقابل جهودهم في تحويل الرأي العام لصالح الدول التي تمولهم، أو ضد منافسي تلك الدول. وفي بعض الأحيان، جذب ذلك العمل الخفي، الذي يتمثل في استغلال الوثائق المسربة والأسرار التي يتم تهامسها والولاءات المتغيرة، الصحفيين والمسؤولين الحكوميين، وحتى الرئيس "ترامب"، إلى المعركة. وأحيانا يتم الكشف عن تعقيدات الحملات فقط بعد تسرب معلومات من جانب أو آخر.

وعندما تمت قرصنة مجموعة من رسائل البريد الإلكتروني لسفير الإمارات العربية المتحدة في واشنطن وتم تسريبها عام 2017، على سبيل المثال، كشف ذلك عن حملة تأثير واسعة ممولة من قبل حكومة الإمارات. وكانت أبوظبي تأمل في استخدام الصحفيين الأمريكيين ومراكز الأبحاث لإظهار تنظيم قطر لكأس العالم بشكل سلبي. وبعد ذلك بعام، أشار مقال في صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية إلى أن قطر كانت بارعة في هذه الأنواع من حملات الظل؛ حيث أظهرت تقارير الصحيفة أن قطر استأجرت شركة علاقات عامة أمريكية لتحطيم منافسيها في سباق تنظيم كأس العالم 2022 خلال حملتها للفوز باستضافة الحدث.

ونظرا لذلك، لم يكن تقرير "كورنرستون" حول قطر عام 2017 مفاجئا، لكن التوقيت كان مهما؛ حيث تم نشر تقرير "كورنرستون" ضد قطر، الذي نشرته هيئة الإذاعة البريطانية، بعد أشهر فقط من بدء الحصار الذي فرضته السعودية والإمارات على قطر. لكن اتساع نطاق وخصائص الحملة الرامية إلى إلحاق الضرر بتنظيم كأس العالم في قطر، التي ظهرت في الوثائق، تكشف عن وجود علاقات وثيقة بين شركة "كورنرستون" والأفراد والشركات في دولة الإمارات العربية المتحدة.

وتوضح إحدى وثائق "كورنرستون" -التي حصلت عليها نيويورك تايمز- خطة لإعداد تقرير يربط قطر بالإخوان المسلمين، وناقشت وثيقة أخرى عدة محاولات لوضع مقالات في وسائل الإعلام البريطانية قد تضر بسمعة قطر. ونجحت "كورنر ستون" في إقامة علاقة مع ناقد طويل الأمد لسجلات حقوق الإنسان في بعض الدول قبل أن يُطلب منه كتابة تقرير متشكك حول كأس العالم في قطر. وقد نفى الناقد، الصحفي والناشط "روري دوناجي"، أن يكون لـ"كورنرستون" أي دور في التأثير على استنتاجاته أو تغييرها، قائلا إن التقرير "مستقل عن أي أمر آخر".

ولكن بعد الهجمة الأولية للعناوين السلبية، وبعد التشكيك في حياد "كورنرستون"، غيرت "بي بي سي" النسخة الإلكترونية من التقرير، لتخفيف بعض المزاعم التي أدلت بها "كورنرستون". وقال متحدث باسم "بي بي سي" إنه من الممارسات المعتادة تحديث المقالات على مدار اليوم، وأنه "لم تكن هناك تصحيحات كبيرة".

مساعدة من الداخل

لكن رئيس "كورنرستون"، "غانم نسيبة"، ليس طرفا محايدا في النزاع الخليجي. وعلى الرغم من أنه قدم عرضا للمساعدة في تلميع سمعة قطر عام 2010، إلا أن "نسيبة" تربطه علاقات وثيقة مع نخبة الإمارات؛ حيث يعد قريبا لكل من وزير الدولة في الإمارات، وسفير البلاد لدى الأمم المتحدة.

وفي مقابلة مع صحيفة "التايمز" في لندن، أصر "نسيبة" على أنه كان يفضل دائما إقامة نهائيات كأس العالم في قطر، وشدد على أن الآراء الشخصية التي يشاركها في وسائل التواصل الاجتماعية لم تفسد العمل في التقارير التي تنتجها شركة "كورنرستون"، والتي أصر على أنها كانت غير ممولة من طرف ثالث. ومن غير الواضح من الذي دفع ثمن العمل الذي يركز على كأس العالم في قطر، ولكن هناك علاقة وثيقة بين "كورنرستون" والإمارات، ظهرت في المستندات التي شاهدتها صحيفة "التايمز"، بما في ذلك وثيقة تحويل بنكي بقيمة مليون دولار عام 2015، وقائمة عملاء منشورة على موقع الشركة على الويب.

وكان أحد مشاريع "كورنرستون" الأكثر طموحا منذ بدء الحصار الخليجي، والذي تم تصميمه في بداية العام الماضي، قد شمل التوصل إلى اتفاق بين "كورنرستون" و "مايك هولتزمان"، مسؤول العلاقات العامة البارز الذي عمل مع حملة قطر لاستضافة كأس عام 2022، للإفصاح عن معلومات ضارة حول عرض كأس العالم في مقابل دفع مليون دولار.

وردا على ذلك قال "نسيبة" إنه لا يستطيع مناقشة تفاصيل أي اجتماعات بما يشمل اجتماع في نيويورك جمعه مع "هولتزمان" ومحامي التشهير البارز، "بول تويد"، تمت الإشارة إليه في الوثائق.

ولكن بعد عدة أشهر من اجتماع نيويورك، رتب "تويد" لـ "نسيبة" لقاءا مع السياسي البريطاني "داميان كولينز". وكان "كولينز" ناقدا معروفا لتنظيم قطر لكأس العالم. وأكد "كولينز" أنه التقى بـ"نسيبة" في مايو/أيار الماضي. ووفقا لموجز ذلك الاجتماع في وثيقة "كورنرستون"، قام كل من "نسيبة" و"تويد" بتزويد "كولينز" بالمعلومات التي قدمها "هولتزمان" حول قطر، بما في ذلك ادعائه بأن عرض قطر كان قد اعتمد على مساعدة من شركة مكونة من عملاء سابقين في "سي آي إيه"، في محاولة لتقويض منافسيها الرئيسيين على حقوق الاستضافة.

كأس العالم تحت الحصار

وعلى الرغم من أعوام الدعاية السلبية، تمكنت قطر من مواجهة كل تحدٍ لاستضافتها لكأس العالم. ويستمر البناء في الملاعب الـ 8 التي تعتزم استخدامها في البطولة. وقد اكتمل واحد أو اثنين آخرين، بما في ذلك ملعب "لوسيل"، الذي سيستضيف حفل الافتتاح والنهائي، ووفقا للجنة المسؤولة عن المشروع، فإن الملعب "يكاد يكون كاملا"، لكن دفاع قطر عن استضافتها لكأس العالم 2022 لم ينته بعد.

ويستمر "نسيبة"، مؤسس "كورنرستون" في كونه منتقدا منتظما للبلاد على وسائل التواصل الاجتماعي. وفي مقابلة في نوفمبر/تشرين الثاني، ألمح إلى أنه قد يتم الكشف عن المزيد من المعلومات المدمرة حول قطر، حيث قال: "إذا خرج كل ما أعرفه لوسائل الإعلام، فسيكون لدى وسائل الإعلام 365 يوما من العناوين حول هذا الأمر".

ولا يزال هناك صراع وجودي أمام كأس العالم 2022 في الأفق؛ حيث أعرب رئيس "فيفا"، "جياني إنفانتينو"، عن دعمه لمقترح توسيع البطولة إلى 48 فريقا بدلا من 32. وسيكون هذا التغيير هدفا رئيسيا للسياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، لكن الأمر لن يتطلب موافقة القطريين فحسب، لكنه سيعني أن تتخلى الدوحة عن جوهرة تاجها، نظرا لأن حدثا يضم 48 فريقا سيكون تحديا لوجستيا لا يمكن التغلب عليه في قطر تقريبا، ما لم توافق على مشاركة حقوق الاستضافة مع جيرانها
ومع ذلك، فقد حاول "إنفانتينو" بيع الفكرة بحماس في رحلاته.

لكن مشاركة كأس العالم ليست الفكرة الوحيدة المقترحة. ففي الأسبوع الأول من يناير/كانون الثاني، نشر موقع على الإنترنت في أيرلندا الشمالية مقالا يتحدث عن إمكانية تحقيق "مكسب اقتصادي ضخم" لبريطانيا لو تم تجريد كأس العالم 2022 من قطر وانتقل إلى إنجلترا بدلا من ذلك.

وقد استند المقال تقريبا بشكل حصري إلى تقرير جمعته شركة استشارات إدارية مقرها لندن، وهي بالطبع "كورنرستون أسوشييتس".

المصدر | نيويورك تايمز

  كلمات مفتاحية

قطر كأس العالم 2020 الإمارات كونرستون أسوشيتس

تايمز: أموال إماراتية لنجمي كرة إنجليزيين لتشويه مونديال قطر