الإصلاح قصير المدى للعمالة في الإمارات يخلق مشاكل طويلة الأجل

الاثنين 4 فبراير 2019 10:02 ص

يتلاشى تدفق العمالة الأجنبية إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، مما يجعل قادة البلاد يتعاملون مع عملية موازنة صعبة: كيفية اجتذاب واستبقاء عدد كاف من العمال من الخارج للحفاظ على اقتصادهم دون إبعاد مواطنيهم.

وفي ظل سعيها لتعزيز سوق العمل لديها وضعت أبوظبي مجموعة من خطط التحفيز، إصلاحات التأشيرات وتغيير قانون الأعمال خلال العام الماضي. لكن هذه الحلول قد تزعج المواطنين الإماراتيين، الذين يرون المغتربين المقيمين لفترة طويلة كخطر يهدد نمط حياتهم ومكانتهم الاجتماعية المرتفعة. إن انزعاجهم يفتح الباب أمام تحول تاريخي في النظام السياسي المستقر عموما في البلاد.

الصورة الكبيرة

تقوم دول الخليج العربية بتعديل عقودها الاجتماعية بشكل ثابت للاستعداد لعصر من الطلب على النفط. يأتي هذا في وقت لن تكون ميزانياتها الوطنية قادرة على دعم الدول الريعية التقليدية في مجال الرعاية الاجتماعية، الأمر الذي قد يضغط عليها لخفض الإعانات المعنوية لسكانها الوطنيين. في محاولة للاستعداد وتأخير هذه الحقبة الوشيكة، تقوم دول الخليج العربي بتجربة إصلاحات اقتصادية واجتماعية مختلفة، بما في ذلك تعديلات على أسواق العمل التي قد تؤدي في نهاية المطاف إلى تغيير سياسي غير مقصود وعدم استقرار.

ماذا وراء تراجع سوق العمل؟

لعقود من الزمان، شكل الأجانب المغتربون حوالي 80% من السكان الإماراتيين. ويرجع ذلك إلى عدد السكان الأصليين في البلاد وإلى اقتصادها القوي (نسبة إلى العديد من نظرائها في الخليج العربي)، الأمر الذي يتطلب وجود مجمع عمل أكبر بكثير وأكثر تخصصًا مما يمكن للأقلية الإماراتية توفيره.

لبعض الوقت، توافد المغتربون الذين استوفوا هذه المطالب -بما في ذلك مهارات التحدث باللغة الإنجليزية والمؤهلات الجامعية المرموقة- إلى الإمارات من تلقاء أنفسهم. وقد كان هذا صحيحا بشكل خاص خلال الأزمة المالية العالمية في الفترة 2008-2009 عندما توافد العمال ذوو المهارة العالية الذين يلتمسون اللجوء من البلدان ذات الاقتصادات الضعيفة إلى دبي (حيث يوجد حوالي نصف الوظائف في البلاد). لكن العوامل التي جذبت العديد من المغتربين إلى البلاد، جفت إلى حد كبير، مما أدى إلى انخفاض في جاذبيتها للعمالة الأجنبية.

ويعني الانتعاش العالمي، أن معظم العمال يمكنهم العثور على وظائف جيدة واقتصادات قوية في الداخل. كما أثرت الأحداث السياسية الأخيرة بسمعة الإمارات التي كانت في يوم من الأيام هادئة وآمنة حيث وقعت عدة اعتقالات بارزة للمغتربين والسكان المحليين في أعقاب الربيع العربي، ومن ثم حصار قطر، والصراع المتزايد بين دول الخليج العربية وإيران.

لكن التحولات في الاقتصاد الإماراتي ربما تكون هي الأكثر مسؤولية عن طرد المغتربين. وهذا يشمل التعريف الأخير في يناير/كانون الثاني 2019 بضرائب القيمة المضافة، بالإضافة إلى زيادة رسوم الخدمات، وارتفاع تكاليف المعيشة، والمرتبات المنخفضة أو الراكدة؛ وكلها قد أثرت في رواتب العمال الأجانب الذين استدرجوا من قبل بوعد البلاد بانخفاض الأسعار وارتفاع الدخول.

الموجة الأخيرة من الإصلاحات

ومع تجدد الإمدادات الوافدة من المغتربين، أظهرت سوق العمالة بوادر تباطؤ، مع ركود أو انخفاض أسعار سوق التجزئة، ومؤشر أرباب العمل المتعاقد، والانخفاضات في كل من نمو القطاع الخاص والإنفاق الاستهلاكي. لكن أبوظبي لديها القليل من الأدوات التي تمكنها من معالجة المشاكل الاقتصادية التي تبقي العمال الأجانب بعيدا. فهي لا تريد فقط استبعاد ضرائب ورسوم ضريبة القيمة المضافة المولدة للدخل، ولكنها لا تستطيع أيضا وقف ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية اليومية مع تطور الاقتصاد.

ونتيجة لذلك، ركزت الحكومة بدلا من ذلك على معالجة الحواجز اللوجيستية أمام العمالة التي أصبحت في متناول اليد من خلال إدخال العديد من إصلاحات سوق العمل على مدار العام الماضي. وفي الآونة الأخيرة، شملت هذه الإصلاحات تأشيرات 10 سنوات- وهي الأطول في تاريخ الإمارات- والتي بدأت الحكومة إصدارها في يناير 2019.

في عام 2018، غيرت الحكومة قواعدها للسماح للمتقاعدين الذين لديهم ما يكفي من الأصول بالبقاء في البلاد خلال 55 سنة (في حين كان المغتربون الأكبر سنا في السابق بحاجة إلى إعفاءات خاصة) ومددت الفترة التي يمكن للطلاب الذين يتخرجون من مدارسها وجامعاتها للعثور على عمل لمدة عام. بالإضافة إلى ذلك تسمح البلاد الآن للعمال الأجانب بتغيير وظائفهم دون الحاجة إلى مغادرة الإمارات العربية المتحدة؛ وهي هدية للمغتربين الذين وجدوا أن عملية تبديل الوظائف مرهقة.

رد الفعل الثقافي على المدى القصير

من الناحية النظرية، فإن العمال الأجانب الذين كانوا يتنقلون مرة واحدة بعد بضع سنوات فقط سيكون لديهم الآن فرصة أكبر "للتخلص من جذورهم" في الإمارات خاصة أولئك القادمين من الدول الفقيرة مثل الهند وباكستان وأجزاء أخرى من العالم العربي الفلبين، التي تشكل بالفعل غالبية سكان البلاد الأطول عمرًا. ومع ذلك، فإن هذا يخاطر بخرق العقد الاجتماعي للحكومة مع مجتمعها المحلي الإماراتي، والذي اعتمد جزئيا على المغتربين المقيمين في البلاد لفترة قصيرة فقط.

إن الإماراتيين الأصليين -الذين تمتعوا بعروض الرفاه الاجتماعي السخية التي دفعها اقتصاد البلاد القوي تقليديا منذ استقلال دولة الإمارات العربية المتحدة في عام 1971- سوف يرون الإصلاحات تهديدا ديمغرافيا واقتصاديا محتملا لوضعهم الاجتماعي المرتفع. ويبدو هؤلاء المقيمين في الإمارات الشمالية الأقل ثراء، بشكل خاص قلقين حول كيفية سماح النظام الحالي للعمال الأجانب "بخلع" وظائفهم. وهذا يعني أنه كلما زاد عدد الإصلاحات التي أدخلها المغتربين على المقيمين، مثل المقيمين الدائمين، زاد عدد المواطنين الإماراتيين الذين سيضغطون على حكومتهم للاستجابة.

على المدى القصير، من المرجح أن يؤدي رد الفعل هذا إلى قيام حكومة الإمارات بدراسة تعديل التأشيرات، مما يخلق حالة من عدم اليقين بشأن التغييرات التي ستظل والتي لن تتغير. كما يمكن أن يضغط على الحكومة لزيادة الإعانات الاقتصادية والامتيازات الثقافية، مثل المساعدات النقدية أو تأميم بعض فئات الوظائف، لضمان الحفاظ على الوضع الاجتماعي للمواطنين الإماراتيين. وقد نفذت السعودية المجاورة تدابير مماثلة كجزء من إصلاحاتها الخاصة لإعادة الهيكلة الاقتصادية في الرؤية 2030.

يمكن أن تبدأ أبوظبي في تطبيق تدابير من شأنها أن تمنع رسميا التعبير عن الثقافات الأجنبية أيضاً، مثل تقليص التسامح مع الإجازات المغتربة مثل عيد الميلاد، ومراقبة أكثر صرامة للملابس والسلوك في الأماكن العامة، ومعايير أكثر صرامة للغة والثقافة الإماراتية في المدارس الخاصة.

المخاطر السياسية طويلة الأجل

ومع ذلك، فإن مثل هذه التنازلات قصيرة الأجل لن تذهب على الأرجح إلى الحد الكافي لنزع فتيل التوترات المتزايدة بين المغتربين والسكان المحليين الإماراتيين، مما يفتح المجال أمام تداعيات سياسية أكثر انتشارًا وأطول أجلا. وبغض النظر عما إذا كان المغتربون سيبقون في نهاية الأمر لفترات أطول، فإن مجرد التهديد بوجود المزيد من السكان الأجانب الدائمين سيستمر في تعميق الانقسامات بين الإمارات الغنية في أبوظبي ودبي في الجنوب والإمارات الخمس الأفقر في الشمال.

وقد يؤثر هذا بدوره على وظائف المجلس الوطني الاتحادي، الهيئة التشريعية للبلاد التي تم انتخابها جزئيا، ولكن غير التشريعية إلى حد كبير، والمؤسسة الفيدرالية الوحيدة التي يتم فيها تمثيل وجهات نظر الإمارات الشمالية الخمسة. ومع ضغوط السكان الأصليين داخل الإمارات، يمكن لأعضاء المجلس الوطني الاتحادي أن يطالبوا بمزيد من الرقابة ليس فقط على القواعد أو العمليات الخاصة بالتأشيرات، ولكن أيضا بقواعد وقضايا أخرى لا علاقة لها بإصلاح سوق العمل. وهذا من شأنه أن يقرب المجلس الوطني الاتحادي من سلطة اتحادية حقيقية، مما يشكل تحديا أكثر دوما للنظام السياسي الحالي للبلاد، والذي أعطى لفترة طويلة فسحة سخية لحكام دبي وأبو ظبي فيما يتعلق بالقرارات الوطنية.

وقد يؤدي تزايد الخلاف بين الشمال والجنوب إلى تقويض الافتراض القائل بأن خلافة البلد ستكون عبر انتقال سهل من المقرر أن يصعد ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد آل نهيان"، إلى الرئاسة بعد وفاة أخيه الأكبر "خليفة بن زايد آل نهيان". ومع ذلك، يجب على جميع حكام الإمارات السبع أن يوافقوا أولا على الخلافة، مما يمنح الإمارات الشمالية الأفقر وسيلة للتأثير على سلاسة ونتائجها (على الرغم من أنها بعيدة الاحتمال).

ومع ذلك، فإن قوات الأمن الإماراتية قادرة على قمع المعارضة الداخلية. لكن إلى متى وإلى أي مدى لا تزال هذه الأمور مجهولة. ومع ذلك، فإن التوترات بين الشمال والجنوب حول العمال المغتربين تولد قدرا من عدم اليقين ويمكن أن تجعل مستقبل الاستقرار السياسي للبلاد موضع تساؤل.

وبغض النظر عن دفع الإماراتيين إلى إصلاحات سوق العمل في أبوظبي، فلا مفر من حقيقة أن دولة الإمارات تعتمد على قوة عمل مغتربة للحفاظ على استقرارها الاقتصادي -وربما على الأرجح سيتعين على البلاد أن توازن بين إرادة مواطنيها وتأمين مكانها في اقتصاد معولم- وهي معضلة تواجهها العديد من البلدان في الوقت الذي تكتسب فيه الحركات القومية قوة جذب في جميع أنحاء العالم. ولكن في حالة الإمارات، فإن هذه محنة يمكن أن تغير من وضعها السياسي المحتمل، مما يخاطر بسمعتها كمكان مسالم للعيش وللقيام بأعمال تجارية في هذه العملية، وإذا حدث ذلك، فإنه قد يغير أيضا استراتيجية البلاد الإقليمية في أماكن مثل اليمن وقطر وإيران عن طريق تقويض قبضة أبو ظبي الحالية على السياسة الخارجية.

المصدر | ستراتفور

  كلمات مفتاحية

الإمارات أبوظبي دبي محمد بن زايد عمالة إصلاح

تعذيب وترحيل قسري.. انتهاكات بحق مهاجرين أفارقة في الإمارات