العلاقات الخليجية الإيرانية بعد 40 عاما من الثورة الإٍسلامية

الاثنين 11 فبراير 2019 05:02 ص

كانت الثورة الإيرانية عام 1979، التي خرجت تحت شعار الدفاع عن المستضعفين والمظلومين، تهدف إلى إعادة هيكلة المجتمع والنظام السياسي في إيران، وأيضا في العالم الإسلامي.

وقد قامت الجمهورية الإسلامية المنشأة حديثا وقتها، والتي رفضت الانحياز إلى الولايات المتحدة أو الاتحاد السوفييتي في الحرب الباردة وفق شعار "لا شرقية ولا غربية"، قامت بوضع أسس نظام جيوسياسي جديد في الخليج والشرق الأوسط الأكبر.

ومن الناحية الجيوسياسية، قامت الثورة الإيرانية بتحويل الشرق الأوسط أكثر من أي حدث آخر في النصف الثاني من القرن العشرين.

وسرعان ما أنهت 2500 عام من الحكم الملكي الفارسي، كما وضعت نهاية استراتيجية "الركيزتين" الأمريكية التي اعتمدت حتى تلك اللحظة على علاقات وثيقة مع كل من الرياض وطهران، وقامت بتهميش نظام العراق البعثي، بهدف منع ظهور نظام موال لموسكو في الخليج العربي.

وكان الرئيس "ريتشارد نيكسون"، الذي أنشأت إدارته الاستراتيجية، كثيرا ما يطلق على إيران وتركيا و(إسرائيل) "فرقة الاستدعاء السريع" على طول محيط الدول العربية الغنية بالنفط.

بيد أن العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران تدهورت بشكل كبير بعد تأسيس الجمهورية الإسلامية، حيث انخرط الجانبان في عملية "شيطنة متبادلة"، حيث أدت أزمة الرهائن (1979 - 1981)، إلى عقود من انعدام الثقة بين واشنطن وطهران.

وسرعان ما علمت واشنطن أن استراتيجيتها فشلت في تفسير دور شرعية الحكومة في الحفاظ على استقرار النظام.

وقد انهارت هذه الشرعية والاستقرار وسط ثورة شعبية في أعقاب فشل الشاه في تنفيذ الإصلاحات الضرورية لتحسين حياة الطبقة الوسطى في إيران.

وعلى هذا النحو، أثبت اعتماد الولايات المتحدة السابق على إيران خلال السبعينات أنه سرعان ما أصبح نقطة ضعف رئيسية في سياستها الخارجية في الشرق الأوسط.

التأثير الإقليمي

وكان لآثار الثورة الإيرانية صداها في جميع أنحاء الخليج العربي، وسرعان ما كيفت دول الخليج العربية المتحالفة مع الغرب تصوراتها حول الأمن واستراتيجياتها لمواجهة التهديدات الإقليمية الجديدة.

وفي عام 1981، شكلت البحرين والكويت وعمان وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة "مجلس التعاون الخليجي"، بهدف رئيسي وهو حماية الأنظمة الملكية في الخليج.

وفي حين قد يعزى قرار إنشاء مجلس التعاون الخليجي جزئيا إلى الغزو السوفييتي لأفغانستان عام 1979، لكن خطاب النظام الإيراني الجديد وسلوكه هو الذي هز زعماء الخليج العرب بحق.

وكانت دول الخليج، التي لديها عدد كبير من السكان الشيعة، البحرين والكويت والعراق والسعودية، منزعجة بشكل خاص، وسرعان ما اتفقت دول منطقة الخليج العربي أنه سيكون أفضل لها أن تتبنى سياسات دفاعية موحدة ومنسقة، بدلا من محاولة السير وحدها.

ومع ذلك، كانت الرياض حذرة في ردها الأولي على الزعماء الثوريين الجدد في طهران، على الرغم من أن نظام "الخميني" كان مزعجا بشدة، وقد أرسل الملك "خالد" عاهل السعودية الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي لتهنئة الحكومة الإيرانية الجديدة، وأصدر بيانا يدعم إنشاء الجمهورية الإسلامية "تمهيداً لمزيد من التقارب والتفاهم" بين المملكة العربية السعودية وإيران.

وعلى الرغم من العروض الأولية للملك السعودي، سرعان ما توترت العلاقات بين الرياض وطهران، وأدى اندلاع العنف المناهض للنظام في المملكة إلى جعل القيادة السعودية أكثر حذراً.

ففي البداية، استولى الأصوليون السنة على المسجد الحرام في مكة بقوة السلاح في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 1979، ودعوا إلى الإطاحة بأسرة "آل سعود".

وبعد أسبوعين فقط، أدت الانتفاضة المناهضة للحكومة في المنطقة الشرقية ذات الأغلبية الشيعية في المملكة إلى مقتل وإصابة شيعة سعوديين على أيدي قوات أمن الدولة.

ورأت القيادة السعودية يد إيران في الاضطرابات، وكذلك في محاولة الانقلاب الفاشلة ضد أسرة "آل خليفة" الحاكمة في البحرين، ومختلف أعمال العنف التي نفذتها الجماعات الشيعية في الكويت والسعودية خلال عقد الثمانينات.

وازداد توتر العلاقات بين الرياض وطهران في أعقاب المواجهات بين الحجاج الإيرانيين والشرطة السعودية خلال العديد من رحلات الحج في الثمانينات، وعلى الأخص عام 1987، عندما توفي 400 شخص وسط هذه الاشتباكات.

ومن وجهة نظر المملكة، كان هذا الاضطراب يشكل تهديدا كبيرا للشرعية الدينية لحكام آل سعود، ونتيجة مباشرة لتوصيف "الخميني" للحج باعتباره "مناسبة سياسية" بقدر ما هي "دينية".

وفي وقت لاحق، دعمت الرياض، ومعظم عواصم دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، العراق بعد غزوها لإيران عام 1980، حيث خاض البلدان ما أصبح أطول حرب تقليدية في القرن العشرين، ما ضمن استمرار العلاقات متوترة على مدى عقود بعد ذلك.

لكن التوترات بين الأنظمة الملكية في الجزيرة العربية وإيران لم تبدأ مع الثورة الإيرانية، أو الحرب الإيرانية العراقية، ففي العقد السابق لسقوط الشاه، كانت ممالك الخليج حذرة تجاه ما اعتبرته جهودا إيرانية لإنشاء هيمنة فارسية في المنطقة.

وقد غذى ذلك استيلاء طهران على 3 جزر إماراتية عام 1971، بالإضافة إلى مطالباتها بالسيادة على البحرين، بيد أن صعود "الخميني" أدى إلى إضافة بعد جديد؛ فقد تحولت إيران من مجرد تهديد استراتيجي إلى تهديد أيديولوجي وديني، ولاحقا إلى دولة معادية ملتزمة تماما بإثارة الفوضى في المجتمعات العربية.

واليوم، أصبح الرأي القائل بأن النظام الإيراني يشكل تهديدا خطيرا شائعا بين العديد من المسؤولين في دول مجلس التعاون الخليجي، خاصة في الرياض وأبوظبي والمنامة، ولا يزال هؤلاء يرون طهران كمصدر رئيسي لعدم الاستقرار الإقليمي.

وفي عام 2010، صرح سفير دولة الإمارات في واشنطن، "يوسف العتيبة"، أن "الإمارات هي الأكثر عرضة لخطر إيران من أي بلد في المنطقة حيث تستيقظ قواتنا العسكرية وتحلم وتتنفس وتأكل وتنام وهي ترى التهديد الإيراني".

ومن هذا المنظور، كان يجب أن تهتم جميع الدول العربية بالجهود الجماعية لمواجهة النفوذ المتنامي لإيران في العالم العربي، والمتمثل في دعمها لنظام "الأسد" في سوريا، والمتمردين الحوثيين في اليمن، و"حزب الله" في لبنان، وعدد لا يحصى من الميليشيات الشيعية في العراق.

الانقسامات الخليجية

ومع ذلك، حتى بعد مرور 40 عاما على الثورة، لا يزال مجلس التعاون الخليجي منقسما حول أهم القضايا في العلاقات العربية الإيرانية، وقد قبلت الكويت وعمان وقطر، نصف أعضاء المجلس، نشاط إيران ودورها كلاعب منطقي في المنطقة، لكن صناع القرار في البحرين والسعودية والإمارات ينظرون إلى الجمهورية الإسلامية كعدو يجب مواجهته بقوة.

علاوة على ذلك، قوضت التغييرات في النظام الجيوسياسي في شبه الجزيرة العربية، والتوترات داخل مجلس التعاون الخليجي، أكبر هدف للكتلة، متمثلا في "وحدة الخليج العربي" ضد إيران.

ولقد كانت العلاقات الإيرانية الدافئة والتعاونية مع قطر سببا مؤثرا في نزاع المجلس الخليجي، والحصار الدبلوماسي والاقتصادي لقطر، الذي بدأ في منتصف عام 2017.

وكانت دول الحصار، التي تضم البحرين ومصر والسعودية والإمارات، قد أصدرت 13 طلبا لقطر لتكون أساسا للمصالحة، وقد تطرق الطلب الأول إلى العلاقات الإيرانية القطرية، التي تعتبرها هذه الدول تهديدا لأمن دول مجلس التعاون الخليجي، وأصرت على أن تقوم الدوحة بتخفيض العلاقات الدبلوماسية مع طهران، وإغلاق البعثة الإيرانية في قطر، وطرد أعضاء الحرس الثوري الإسلامي، وإنهاء التعاون العسكري والاستخباراتي، والامتثال للجزاءات الأمريكية والدولية على التجارة الإيرانية.

لكن نتيجة للحصار، اضطرت قطر بشكل أساسي إلى تعميق علاقاتها مع إيران، وقد تحولت إلى جارتها الفارسية لتخفيف أثر الحصار، وتجنب الاستسلام لمطالب الحصار، والتي كان من شأنها أن تكلف قطر سيادتها.

واستعادت الدوحة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع إيران بعد فترة وجيزة من اندلاع الأزمة، بعد عام ونصف العام من سحب سفيرها للتعبير عن التضامن مع الرياض في الأزمة الإيرانية السعودية التي أعقبت إعدام رجل الدين الشيعي السعودي البارز "نمر النمر" عام 2016، وهو ما سلط الضوء على النهج العملي للإمارة في التعامل مع الحقائق الجديدة التي أوجدها الحصار.

وبكل بساطة، فهم القطريون أن العمل مع إيران على أساس براغماتي لمعالجة أهدافهم الاستراتيجية الحيوية هو خيارهم الوحيد، بغض النظر عن القضايا التي كانت في السابق مصدرا رئيسيا للاحتكاك، مثل الحرب السورية.

ومن وجهة نظر إيران، تمثل أزمة قطر فرصة لا تقدر بثمن لاستغلال الانقسامات داخل مجلس التعاون الخليجي.

وقد حافظت عمان على أفضل العلاقات مع إيران بين دول المجلس، ويعود قرب السلطنة من طهران إلى حياد مسقط وجهودها الدبلوماسية خلال الحرب العراقية الإيرانية، وكذلك الروابط الوثيقة بين الإيرانيين والعمانيين، التي تطورت خلال فترة حكم الشاه عندما ساعدت طهران السلطان "قابوس" في حربه ضد المتمردين الماركسيين في ظفار.

وتشترك سلطنة عمان أيضا في مضيق هرمز الاستراتيجي مع إيران، وقد سعت لفترة طويلة إلى إقامة علاقة مستقلة مع الجمهورية الإسلامية، وهو ما أثار الغضب في أبوظبي والرياض.

وتتضح هذه العلاقة الخاصة من خلال دور مسقط في استضافة محادثات سرية بين الدبلوماسيين الأمريكيين والإيرانيين في الفترة التي سبقت توقيع الاتفاق النووي الإيراني.

وتهدف عمان إلى العمل كجسر دبلوماسي بين إيران وأعضاء آخرين في مجلس التعاون الخليجي، فضلا عن حلفائهم الغربيين.

وعلى الرغم من هذه الأهداف، لا تزال الرياض وأبوظبي محبطتين بسبب ميل مسقط المزعوم للعلاقات مع إيران.

ويسلط رفض عمان والكويت وقطر الاحتفاء بانسحاب إدارة "ترامب" من الاتفاق النووي الإيراني الضوء على الانقسامات العميقة بين دول المجلس فيما يتعلق بطهران.

ومن الواضح أن المجلس يفتقر إلى القدرة على الدفع بشكل جماعي ضد سلوك طهران في كل من اليمن والشام بالنظر إلى تصورات أعضائه المتضاربة عن التهديد الذي تمثله الجمهورية الإسلامية.

وفي ضوء صعود إيران، والنزاعات الداخلية في مجلس التعاون الخليجي، ونفوذ واشنطن المتراجع في المنطقة، ترى كل من مسقط والدوحة أن أفضل خدمة لمصالحهما تتأتى من خلال الموازنة بين الرياض وطهران، بدلا من التوافق مع السعوديين فقط.

وببساطة، في هذه المرحلة، ينظر القطريون والعمانيون إلى بعض دول المجلس على أنها أكثر تهديدا من طهران.

وتغيبت عمان عن اجتماع تم عقده في نهاية يناير/كانون الثاني تناول فيه دبلوماسيون من السعودية والإمارات والبحرين ومصر والكويت أنشطة إيران وتركيا في سوريا، ويؤكد هذا الغياب عدم اهتمام مسقط بالمبادرات الإقليمية ضد الجمهورية الإسلامية أو تركيا.

ومع قيام السعودية والإمارات وإدارة "ترامب" بالضغط على المزيد من الدول العربية لتبني مواقف معادية لإيران، يتعين على الدول الأعضاء الأصغر في مجلس التعاون الخليجي اتخاذ قرارات دقيقة بشأن علاقاتهم مع إيران.

ويوضح الحصار القطري سياسات الرياض وأبوظبي القصرية، التي تهدف إلى مواجهة نفوذ إيران، فضلا عن تركيا، في المشهد السياسي والخليجي الأمني ​​في الخليج، الأمر الذي ترك الكويت وعمان خائفتين من أن يحصل لهما في يوم ما "ما حدث لقطر" من قبل الرياض وأبوظبي.

وبالتالي، تجد الدول الساحلية في غرب الخليج نفسها تحت ضغوط أكبر، وتواجه خطرا جسيما يتمثل في مواجهة عسكرية مباشرة بين إيران والسعودية، ولا يمكن تجاهل مثل هذا السيناريو في النهاية.

وعلى الرغم من أن طهران والرياض قد ينظران إلى نشوء حرب إيرانية - سعودية على أنها مكلفة وخطيرة، لكن خطر اندلاع مثل هذا الصراع يلوح في الأفق اليوم أكثر من أي وقت مضى منذ الثورة الإيرانية قبل 40 عاما.

المصدر | جورجيو كافييرو | معهد الشرق الأوسط

  كلمات مفتاحية

مجلس التعاون الخليجي العلاقات الخليجية الإيرانية حصار قطر الحرب العراقية الإيرانية

كيف أعاد عام 1979 تشكيل سياسة إيران والسعودية؟

الطائفية والأيديولوجية: حالة إيران والسعودية