هل يمكن أن نشهد مواجهة عسكرية بين الإمارات وإيران؟

الجمعة 15 فبراير 2019 03:02 ص

في أواخر الشهر الماضي، وجه وزير الخارجية الإيراني "محمد جواد ظريف" كلمات قوية ضد الإمارات العربية المتحدة، متهما أبوظبي بممارسة "نهج غير مقبول" تجاه الشركات الإيرانية العاملة في الإمارات.

وأشار "ظريف" أيضا إلى حرب اليمن، قائلا إن الإمارات ارتكبت "أخطاء استراتيجية وسياسية".

وفي أثناء قمة في عمان، في 31 يناير/كانون الثاني، مع نظرائه من الدول العربية الأخرى، أدان وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتية "أنور قرقاش" السلوك الإقليمي لإيران. وانتقد "التدخلات الإقليمية غير المقبولة" من قبل إيران وتركيا.

وتتبع هذه الخطابات العدائية بين دبلوماسيي إيران والإمارات سلسلة من الحوادث التي فاقمت التوترات في العلاقات بين أبوظبي وطهران، في الوقت الذي تعمل فيه إدارة "ترامب" على توحيد الدول العربية وراء تحالف معاد لإيران.

وأيدت أبوظبي، الإمارة التي تملي السياسة الخارجية للبلاد، بقوة انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة، وعقوبات واشنطن على طهران، وكانت من الداعمين الرئيسيين لإنشاء "ناتو عربي"، تماشيا مع رؤية البيت الأبيض لمواجهة التأثير الإيراني.

علاوة على ذلك، ومع انطلاق "القمة المناهضة لإيران" في بولندا، التي بدأت نهاية الأسبوع، تؤكد مشاركة الإمارات عزم أبوظبي على الاستمرار في وضع نفسها كداعم رئيسي للسياسة الخارجية العدوانية للإدارة الأمريكية ضد الجمهورية الإسلامية.

ويوضح تباطؤ التجارة الإماراتية الإيرانية كيف تغير أبوظبي من علاقة الإمارات متعددة الجوانب مع إيران، بتنسيق وثيق مع إدارة "ترامب".

وفي عام 2017، بلغ إجمالي صادرات الإمارات إلى إيران 17 مليار دولار، مع مرور معظم التجارة عن طريق دبي، الإمارة الأكثر تداولا مع إيران والتي تتمتع بروابط تجارية تاريخية مع بلاد فارس. ومع ذلك، فإن هذا الرقم ينخفض بشكل ملحوظ، يرجع السبب الرئيسي في ذلك إلى قرار الإدارة الأمريكية بإعادة فرض العقوبات على إيران، حيث تم إجبار العديد من الشركات الإيرانية على الخروج من دبي.

دبي تعاني

وبالتالي، تهرب إيران بتجارتها من دبي إلى أماكن أخرى، مثل عمان وقطر وتركيا. ولمثل هذا التطور دوره الكبير، ليس فقط في تغذية التوتر بين أبوظبي وطهران، ولكن أيضا بين أبوظبي ودبي.

وتحرص القيادة في دبي، التي نظرت منذ فترة طويلة إلى العلاقات بين الإمارات وإيران من خلال عدسة تجارية، على استيعاب طهران، لغرض الاستفادة من الفرص التجارية، على النقيض من أبوظبي التي تعتبر إيران تهديدا أمنيا في المقام الأول، أكثر حتى بكثير من الرياض.

ومع معاناة اقتصاد دبي من سياسات أبوظبي المناهضة لإيران، فضلا عن الحصار المفروض على قطر، فإن الديناميات الجيوسياسية الجديدة في المنطقة تقوض مصالح دبي.

وتتناقض السياسات المتبعة ضد إيران مع روح النخبة العميقة في دبي، حيث تتغلب المصالح التجارية دائما على العوامل المتعلقة بالسياسة والهويات الوطنية.

وبالنظر إلى المستقبل، تنطوي مثل هذه التوترات على إمكانات كبيرة لإذكاء قدر أكبر من الاحتكاك داخل الإمارة، والذي تم التأكيد عليه من قبل على "تويتر" من قبل نائب رئيس الدولة ورئيس الوزراء، حاكم دبي، الشيخ "محمد بن راشد آل مكتوم"، والذي تم فهمه على أنه إيماءة ضد "آل نهيان"، حكام أبوظبي.

وعبر "بن راشد" عن رفضه لسياسات أبوظبي في العديد من التغريدات، التي شددت على الحاجة لأن يكون "الالتزام فقط بالتركيز على الداخل والوطن وليس على الخارج"، وأن التاريخ سيقرر ما إذا كان الحكام العرب لديهم "إنجازات عظيمة تتحدث عنهم أم خطابات فارغة لا قيمة لكلماتها أو صفحاتها".

ومع ذلك، وعلى الرغم من مخاوف دبي بشأن الآثار والنتائج المترتبة على اتخاذ القرار في السياسة الخارجية لدولة الإمارات مؤخرا، تبقى سلطة تحديد سلوك الإمارات نفسها في المنطقة في يد أبوظبي.

وفي حين تنافست الإماراتان طويلا مع بعضهما البعض من أجل النفوذ والمكانة، فإن أبوظبي امتلكت اليد العليا منذ أن تدخلت لإنقاذ دبي بعد الانهيار المالي عام 2008، ومن ساعتها، أصبحت السلطة مركزة بشكل متزايد في أيدي ولي عهد أبوظبي.

نزاع الجزر وتهديدات الإرهاب

وهناك علامة أخرى على تصاعد التوتر بين أبوظبي وطهران، وهو البيان الذي صدر أواخر الشهر الماضي من قبل قائد الحرس الثوري الإسلامي بشأن النزاع الإقليمي بين البلدين.

وأعلن اللواء "محمد علي جعفري" عزم إيران على الاحتفاظ بكل بوصة من الجزر المتنازع عليها، ووصفها بأنها "جزء لا يتجزأ من أراضي إيران".

وأكد أن "أبو موسى" هي قلب إيران في الخليج، وأن الحرس الثوري الإيراني ملتزم بتعزيز وجوده العسكري في الجزيرة المتنازع عليها.

ومن وجهة نظر أبوظبي، تعد هذه اللغة مثيرة للامتهان، نظرا لموقف الإمارات الذي يعتبر "أبو موسى" وطنب الكبرى" و"طنب الصغرى" جزرا إماراتية محتلة من قبل إيران، على الرغم من أن الإمارات لا تمارس السيادة على الجزر.

كما تسهم التطورات الأخيرة في اليمن، وعملية السلام الهشة في البلاد، في مسار التصادم الخطير بين أبوظبي وطهران.

وفي أواخر الشهر الماضي، أفادت وسائل الإعلام الإماراتية أن التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات في اليمن أسقط طائرة بدون طيار أطلقها الحوثيون فوق أبها، جنوب غرب المملكة العربية السعودية.

وجاء هذا الحادث بعد آخر مماثل في أبريل/نيسان أسقط فيه التحالف طائرتين بدون طيار شمال الحدود السعودية اليمنية.

ولا يقتصر التهديد الحوثي المتمثل في الطائرات بدون طيار على السعودية، حيث أعلن الحوثيون عن إطلاق طائرة بدون طيار فوق مطار أبوظبي الدولي في منتصف عام 2018، على الرغم من نفي الإمارات لذلك. 

ومن وجهة نظر الجمهورية الإسلامية، تشكل الإمارات تهديدا خطيرا إلى حد كبير، بسبب رعايتها المزعومة للإرهاب على الأراضي الإيرانية.

ولأعوام، أشارت طهران بإصبع الاتهام إلى أبوظبي والرياض، وعواصم أخرى، بعد أن شنت الجماعات السنية العربية المتطرفة، أو الكردية الانفصالية، هجمات قاتلة في الأقاليم الحدودية المضطربة في إيران، مثل خوزستان وسيستان وبلوشستان وكردستان الإيرانية.

واستهدف هجوم العام الماضي عرضا عسكريا إيرانيا في الأحواز وأسفر عن مقتل 29 شخصا، وأدى إلى إشعال خلاف دبلوماسي بين طهران وأبوظبي، بعد أن أعلن أحد السياسيين الإماراتيين البارزين أن هذه الحادثة لا ترقى إلى مستوى الإرهاب. كما استخدم "ظريف" وسائل التواصل الاجتماعي لإلقاء اللوم مباشرة على "الأنظمة الأجنبية" لرعايتها للهجوم.

الطريق غير واضح

ومع كل هذه المشاكل، وفي الوقت الذي تتبنى فيه الإمارات سياسة خارجية قوية تهدف إلى محو التصورات عن الإمارات كدولة خليجية سلبية، تتزايد المخاوف من انجرار الإمارات إلى مواجهة عسكرية مباشرة مع إيران، لكن على الرغم من الاحتكاك المتصاعد، يبدو التدخل العسكري غير محتمل، حيث من المرجح أن يقوم الطرفان بتقييم المواجهة العسكرية المحتملة كمغامرة مكلفة للغاية.

وبالنظر إلى حقيقة أن الاستثمارات الإيرانية في أبوظبي ودبي تصل إلى مئات الملايين، وربما المليارات حسب بعض المصادر، ستظل إيران مترددة في شن عمليات عسكرية مباشرة ضد الإمارات أو توجيه أي عمل عسكري ضد الأراضي الإماراتية.

وبالنسبة للإمارات، التي تجد نفسها في مستنقع في اليمن، فإن شن حرب ضد قوة عسكرية هائلة سيكون بمثابة خطأ كارثي. ويدل عدم قدرة التحالف العربي على تحقيق انتصار عسكري حاسم على المتمردين الحوثيين على مدى صعوبة فكرة انتصار الإمارات على إيران في حرب مباشرة.

وعلى الأرجح، سينطوي السيناريو الأكثر احتمالا على حرب تشمل إيران وخصومها الإقليميين في صراع أكبر تقوده الولايات المتحدة بدعم من أبوظبي والرياض والمنامة وتل أبيب.

وفي حين يبدو أن "ترامب" حريص على تجنب اندلاع حرب جديدة في الشرق الأوسط، إلا أن تأثير وزير الخارجية "مايك بومبيو"، ومستشار الأمن القومي "جون بولتون"، يدفع بسياسة واشنطن تجاه إيران في اتجاه يزيد من خطر المواجهة العسكرية.

ومع ذلك، إذا تجنبت الولايات المتحدة وإيران الدخول في مواجهة عسكرية فربما لن تواجه الإمارات وإيران بعضهما البعض بشكل مباشر. ولكن مع تصاعد التوترات في الخليج، تبقى المخاطر قائمة على كل حال.

المصدر | جورجيو كافييرو - إنسايد أرابيا

  كلمات مفتاحية

العلاقات الإماراتية الإيرانية المواجهة العسكرية التوترات الإقليمية إدارة ترامب دبي أبوظبي

إيران تؤكد مساعي الإمارات لتسوية الخلافات بين البلدين