ناشيونال إنترست: هل يمكن لتركيا موازنة تأثير إيران بالعراق؟

الاثنين 18 فبراير 2019 01:02 ص

في الأسابيع الأخيرة، أثار الانسحاب الوشيك لأمريكا من سوريا العديد من وجهات النظر المتضاربة حول تداعيات ذلك.

ومع ترك مهمة هزيمة تنظيم "الدولة" غير منتهية، يزعم البعض أن الفراغ الأمني ​​سيتم ملؤه بسرعة من قبل إيران وروسيا.

غير أن ما يتضح بشكل متزايد هو أنه بدلا من التخلي عن أهداف التحالف، تشير تحركات الرئيس "دونالد ترامب" إلى اتفاق من الباطن بشأن عمليات مكافحة الإرهاب مع تركيا.

ومن ناحية أخرى، سيمنح هذا التحالف تركيا فرصة أكبر لتوسيع نفوذها.

وكما قال الممثل السياسي لرجل الدين الشيعي "مقتدى الصدر"، "ضياء الأسدي"، على "تويتر": "هل تم تحويل مشروع الشرق الأوسط الأمريكي غير المنجز إلى عقد من الباطن؟ هل ما زلنا نحتفظ بالتاريخ المسجل للعثمانيين والصفويين معنا؟ فقد نحتاج مراجعته قريبا".

وبعبارة أخرى، بالنسبة للعديد من مراقبي الشرق الأوسط، تم ترك الساحة مرة أخرى لمتنافسين تاريخيين، وإذا كانت الإمبراطوريتان العثمانية والصفوية قد تنافستا في الماضي على الهيمنة على المنطقة، فقد تتنافس أنقرة وطهران اليوم على تلك الهيمنة من جديد.

ولا تعد الدعوات إلى مشاركة تركية أكبر في المنطقة جديدة، ومنذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003، جاءت معظم هذه الدعوات من الدول العربية المجاورة التي تخشى نفوذ إيران المتنامي.

لكن تلك النداءات تبددت إلى حد ما مع تدهور العلاقات بين تركيا ودول الخليج العربية، قبل أن يتجدد الاهتمام في الآونة الأخيرة بدور تركي أكبر، خاصة من المجتمعات السنية المهمشة في العراق.

لكن كيف سيحدث ذلك؟ لقد وجه الانسحاب من سوريا ضربة أخرى للنفوذ الأمريكي المتراجع في بغداد.

وفي هذه البيئة، يمكن، بل يجب، أن تضخم تركيا نفوذها في العراق، لكن من سيفوز "بالقلوب والعقول"؟ تركيا أم إيران؟

التأثير الإيراني.. تراجع أم نمو؟

تدعي التقارير أن نفوذ إيران في العراق يتضاءل، وتظهر بعض الدراسات الاستقصائية انخفاضا ملحوظا في المواقف المواتية لإيران بين الشيعة العراقيين.

وعلى سبيل المثال، وفقا لأحد الاستطلاعات، فقد دعم 88% من المشاركين في عام 2015 إيران، لكن هذا الرقم انخفض إلى 47% بحلول عام 2018.

ويرجع السبب الرئيسي لهذا الانخفاض إلى تصور أن الحكومة العراقية، التي تسيطر عليها أحزاب شيعية مدعومة من إيران، قد فشلت في تحسين مستويات المعيشة.

وبالإضافة إلى ذلك، فسر البعض النصر البرلماني الساحق للكتلة الصدرية، التي تعارض كل النفوذ الأجنبي في البلاد، كدليل على أن إيران تخسر نفوذها في العراق.

ومع ذلك، تشير تقارير أخرى إلى أن نفوذ إيران لم يزد فقط، بل أصبح وجودها الآن راسخا في العراق.

وفي كلتا الحالتين، يبدو أن هناك إجماعا على أن إيران قد هزمت الولايات المتحدة في معركة النفوذ في العراق.

وكما كتب أحد النقاد في "الجزيرة": "يعد انتصار إيران الأخير ضد الولايات المتحدة والسعودية في المشهد السياسي العراقي، أولا وقبل كل شيء، نتيجة الثقة التي بنتها في البلاد على مدى عقود".

وفي حين قد تدعو الأقليات السنية المهمشة تركيا إلى المساعدة في تخفيف تأثير إيران، يبدو أن الأحزاب السياسية العراقية الأكثر نفوذا مستعدة لتحمل النفوذ الإيراني كبديل للهيمنة الأمريكية، وحتى الصدريين، على الرغم من الضجة التي يظهرونها، فهم ليسوا معادين لطهران كما يفترض البعض.

ومع ذلك، يبقى هناك خوف بين العراقيين من أن هذا التأثير الإيراني قد ينذر بمستقبل من التدخلات غير المحببة.

دبلوماسية وتعاون

وفي وسط هذا التشويش، تبقى تركيا في وضع جيد لتقديم دور مفيد عبر استبدال الولايات المتحدة المعادية بجار أقل عدوانية.

ووفقا لمصادر رفيعة المستوى في أنقرة، يتضمن جزء من الاتفاق الأمريكي التركي حول سوريا تفاهما بأن تركيا ستحاول مواجهة أجندة طهران التوسعية في المنطقة، ومع ذلك، قد تحقق الاستراتيجية التركية، التي تعتمد على التعاون الدبلوماسي والتجارب المفيدة، بدلا من المواجهة، أهدافا أكثر بكثير.

ويتفق السفير التركي السابق في العراق وإيران، "سليم كاروسمان أوغلو"، مع هذا الرأي.

ويقول "أوغلو": "تنطوي المطالبة بتوسيع دور أنقرة على مخاطر أمنية وسياسية أكبر.

ومن شأن هذا من أن يثير مخاوف إضافية في المنطقة تجاه تركيا، ولكن لمواجهة مثل هذا المناخ المناوئ، يجب على صناع القرار السياسيين في تركيا أن يستغلوا القوة الناعمة لتركيا، بدءا من العراق.

وفي بغداد، جرى قبول تركيا، وتم اعتبارها صادقة في دعم السيادة والوحدة السياسية في العراق.

وعلى عكس الغرباء الإقليميين، يُنظر إلى تركيا على أنها محايدة، وكبيرة بما يكفي لتكون ذات نفوذ، لكنها صغيرة بما يكفي لدرء شبهات الهيمنة.

ويحيط بالعراق عدد قليل من الأصدقاء والحلفاء، إن وجدوا، مقابل الكثير من العواصم المشبوهة التي تبحث عن التحالفات ذات المصلحة الذاتية.

وعلى النقيض، ليس لدى تركيا ما تخشاه من العراق أو جيرانه، كما أن نفوذ أنقرة المهم في المنطقة الأوسع يوفر دورا تحسد عليه كوسيط نزيه.

وعبر هذه الجهود الدبلوماسية، يمكن لتركيا أن تساعد في إعادة العراق إلى "الحظيرة الدولية".

وقد شهدت الأعوام الأخيرة زيادة إمكانيات أنقرة في لعب دور أكبر في الوساطة، حيث تجد نفسها إما في قلب أو في أطراف معظم صراعات العالم، سواء في البلقان أو سوريا أو العراق أو مصر أو ليبيا أو القوقاز.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عرض رئيس تركيا، "رجب طيب أردوغان"، لعب دور الوسيط في الأزمة الروسية الأوكرانية.

أما بالنسبة لإيران، فقد تحسنت العلاقات الدبلوماسية لتركيا معها على مدار العام الماضي، وقد مكن التعاون الوثيق في عملية أستانة، وإعفاء تركيا من الحظر على شراء النفط من إيران، مكن أنقرة من اكتساب نفوذ مع طهران، وبدلا من استراتيجية المواجهة الأمريكية الخطيرة، تقف تركيا في وضع أفضل لتعزيز نفوذها من خلال الحوار والتجارة.

وعلى العكس من ذلك، فقد يأتي الأمر بنتائج عكسية إذا اختارت تركيا لعب دور أكثر عدوانية في العراق.

وكما قال أحد السياسيين العراقيين المقربين من حزب الدعوة: "لن تجلس إيران بهدوء أبدا إذا قررت تركيا أن تلعب دورا رئيسيا في العراق. تتداخل إيران في العراق بشدة، ولديها العديد من الميليشيات الموالية في العراق، ويمكنها أن تلعب دورا حاسما إذا قررت الحكومة أن تكون محايدة في مثل هذه المنافسة بين تركيا وإيران".

وأضاف: "بما أن السلطة الرئيسية في أيدي الأغلبية الشيعية، فلن تجني تركيا سوى الخسائر المستمرة في العراق، سياسيا واقتصاديا، وربما حتى أمنيا، حيث يمكن تفعيل ورقة حزب العمال كوسيلة ضغط ضد تركيا".

وقد عكس "ضياء الأسدي"، الممثل السياسي لرجل الدين الشيعي "مقتدى الصدر"، نفس الرأي.

وقال: "سيكون من غير الحكمة انتهاج تركيا، الحكيمة عادة، سياسات خارجية عدوانية في المواجهة مع إيران أو أي دولة مجاورة. لكن ما يمكن لتركيا القيام به، وما هو متوقع منها، هو أن تعمل كوسيط وحل لمشكلة في منطقة مليئة بالمشاكل".

فرصة تجارية كبيرة

وتعد التجارة والاستثمار أيضا مجالين تستطيع فيهما تركيا أن تتنافس وتتعاون، فهي تتمتع بوجود كبير في صناعة البناء في العراق، وهناك طلب كبير على الإنشاءات الجديدة في المدن التي دمرها "تنظيم الدولة"، إلى جانب دور أنقرة المحتمل في مساعدة العراق للوصول إلى اقتصاد مزدهر.

وقد أشارت أنقرة بالفعل إلى استعدادها للمساعدة في إعادة الإعمار، على لسان وزير الخارجية التركي "مولود جاويش أوغلو"، الذي كشف عن حزمة ائتمانية بقيمة 5 مليارات دولار للشركات التركية العاملة في العراق.

ويعد سوق الدفاع مجال آخر للفرص، ومع انسحاب الولايات المتحدة بقواتها ودعمها المالي الضخم، ستحتاج قوات الأمن العراقية، التي لا تزال في طور النمو، إلى مجموعة كاملة من معدات جمع المعلومات الاستخباراتية والمركبات وأنظمة الأسلحة ومجموعة من المواد الأخرى التي يتفوق فيها الدفاع التركي، ويمكن للصناعة التركية أن تملأ الفراغ بجودة متكافئة وتكلفة أقل.

وفي الخدمات الدفاعية، يتمتع الجيش التركي بميزة واضحة، نظرا لأعوام من القتال ضد الإرهاب داخل تركيا، وبما أن قوات الأمن العراقية، خاصة قوات النخبة لمكافحة الإرهاب، ستحتاج إلى تدريب مستمر، فسوف يكون الخبراء العسكريون الأتراك قادرين على ملء الفراغ الذي سيتركه الأخصائيون الأمريكون.

والأهم من ذلك، أن توفير هذه القدرات الدفاعية للعراق قد يتم بطريقة لا تهدد المنطقة.

وفي الختام، يؤكد العديد من المحللين أن تركيا تمثل فرصة مثالية لاستبدال النفوذ الأمريكي المتدهور في العراق، مع تعزيز العلاقات مع إيران في نفس الوقت.

ويسمح لها موقعها الجغرافي، وثقلها الدبلوماسي، وتجارتها المتنامية، بتأكيد حسن النية، وتعزيز العلاقات مع بغداد ومعادلة نفوذ طهران نسبيا.

والأهم من ذلك، أنها يمكنها فعل ذلك عبر المنافسة والتعاون معا، دون قعقعة التهديدات الصاخبة، وبطريقة تؤدي إلى مزيد من الاستقرار والأمن، لصالح تركيا والعراق، وربما يصلح الأمر كنموذج لمشكلات أخرى في المستقبل.

المصدر | يوسف إرم | ناشيونال إنترست

  كلمات مفتاحية

النفوذ الإيراني النفوذ التركي التنافس التركي الإيراني الدولة العثمانية الدولة الصفوية

التقى الكاظمي والخنجر.. كواليس زيارة رئيس الاستخبارات التركية للعراق