من هي؟ ما اسمها؟ هل حقا تعرضت للاغتصاب والقتل؟ هل تمت الجريمة داخل سكن الطالبات أم خارجه؟ لماذا لم يظهر أي من أهلها لنفي الرواية أو تأكيدها؟

تساؤلات عدة لازالت بلا إجابة وسط تضارب غريب في الروايات شهدته المدينة الجامعية للطالبات بجامعة الأزهر فرع أسيوط، حول اغتصاب وقتل إحدى الطالبات بعد اختطافها داخل المدينة، أو من داخل المدينة.. فحتى هذه التفصيلة الصغيرة، لا تزال محل جدل.

فالأحد، نظمت طالبات تظاهرة في المدينة الجامعية بأسيوط، احتجاجا على تعرض إحدى زميلاتهن للاغتصاب والقتل مؤخرا بينما كانت تذاكر في حديقة المدينة الجامعية الساعة السادسة عصرا، وفق روايتهن، وهي الرواية التي نفتها إدارة الجامعة بأسيوط من الأساس، قائلة إن الأمر كله مجرد شائعة، ولم تلق أي فتاة حتفها، ولا توجد أي طالبة مختفية.

بدأت القصة من مواقع التواصل الاجتماعي، بأن زميلات الطالبة التي لا توجد أي معلومات قطعية واضحة عن شخصها حتى الآن، تفاجأن بسماع صراخ واستغاثة، وبعد البحث عن مصدره، اكتشفن أنه يأتي من الزراعات، التي يقول البعض إنها مجاورة للمدينة الجامعية، ويقول آخرون إنها داخلها، وتقوم الإدارة بتأجيرها لمزارعين، يدخلون ويخرجون بحرية في المكان الذي يفترض به أن يكون سكنا آمنا للطالبات.

ووفقا لهذه الرواية، فقد تم العثور على الفتاة ملقاة على الأرض، في حالة إعياء شديد مع تمزق ملابسها بشكل يوحي بتعرضها للاغتصاب، وتم الاتصال بالشرطة، وخلال نقل الفتاة إلى المستشفى ماتت إثر نزيف حاد وهبوط في الدورة الدموية.

أما شهود هذه الرواية وفق ما هو متداول على وسائل التواصل الاجتماعي، فهم أحد الأساتذة، يدعى "سيد حسن الأزهري"، الذي نشر منشورا على "فيسبوك" عن الواقعة ثم حذفه، لتعرضه لضغوط، وكهربائي كان يجري إصلاحات داخل الجامعة، وبعض الطالبات الذي انتشر تسريب صوتي لمسؤول بالجامعة يهددهن إذا ما أثرن الموضوع.

وعلى النقيض تماما من تلك الرواية شككت وسائل إعلامية محسوبة على النظام المصري في رواية الطالبات، وتبنت وجهة نظر رسمية تنفي وقوع الحادثة من الأساس. 

المذيع المقرب من الأجهزة الأمنية، "أحمد موسى"، في برنامجه "على مسؤوليتي"، على فضائية "صدى البلد"، قال إنه أكد من 4 جهات - ليس من بينها الطالبة أو عائلتها - كذب الرواية: "أنا كلمت الأمن والداخلية والمحافظة والجامعة كلهم نفوا الموضوع وأنا تأكدت بطريقتي"، مدعياً أنها كانت تقضي إجازة مع عائلتها وعادت، ومتهما جماعة "الإخوان المسلمون" بإثارة "الشائعة".

المذيعة في فضائية "دي إم سي"، والمقربة من المخابرات العامة ومديرها، "إيمان الحصري"، أجرت مداخلة هاتفية في برنامج "مساء دي إم سي" مع مسؤولة المدينة الجامعية التي قالت إن "فتاة أصيبت بصرع، وعندما سمعت الطالبات الصوت اعتقدن أنها من المزارع ولكن تبين خلاف ذلك".

أما مدير إدارة الأمن بجامعة الأزهر فرع أسيوط، "عصمت محمد محمود"، فأكد أن الأمن قام بالبحث عن جميع الفتيات؛ فوجد أن هناك فتاة متغيبة تدعى "ن.ح.ح" منذ 48 ساعة، وبالفعل تحدثوا إلى أهلها وعلموا أنها في إجازة لديهم، وأنها انهارت عندما سمعت ما ترويه زميلاتها عنها.

ووصفت مديرية أمن أسيوط التظاهرات، بأن هدفها إثارة الرأي العام وإحداث شغب داخل جامعة الأزهر في أسيوط، قائلة إنه جرى مراجعة أسماء الطالبات بالمدينة الجامعية، وتبيّن عدم غياب أو اختفاء أي منهن.

وبالتزامن، انتشر على مواقع التواصل خبر القبض على الصحفية "آية حامد" التي نشرت القصة من بدايتها، ما دفع ناشطين إلى تدشين وسم "#بنت_الأزهر" الذي نافس لساعات قليلة على صدارة قائمة الأكثر تداولاً على موقع "تويتر" في مصر.

وتعليقا على هذا التضارب الفج في الأنباء حول الواقعة، قالت الباحثة الإعلامية "هبة زكريا" في تصريح خاص لـ"الخليج الجديد"، إنه "من المعتاد، في الأنظمة التي تغيب عنها الشفافية وحرية تداول المعلومات أن تتضارب الأنباء حول أنشطة الدولة وميزانياتها ومسؤوليها، أو حول التحقيقات في الوقائع الخاصة بالأفراد وتفاصيلها، لكن أن يصل التضارب وغياب المعلومة إلى وقوع الجريمة من عدمه، فهذا أمر غير مسبوق".

وتابعت: "فهذه الواقعة تتعلق بحياة شخص عادي، وتدور أحداثها في مكان عام، وفي ساعة متوسطة من اليوم.. فكيف يمكن أن تغيب أبسط تفاصيلها إلى هذه الدرجة، في عالم يوصف بأنه أصبح قرية صغيرة، لسهولة التواصل وتداول المعلومات فيه".

ولفتت "هبة" إلى بعد آخر قائلة: "ما بين تضارب الروايتين وغياب دليل ترجيحي لأي منهما، يبقى الغموض حول موقف الأهل، الذي يمكنه حسم الجدل لصالح إحدى الروايتين، والحقيقة أن غياب أي صوت للأهل يرجح وقوع الجريمة وحرصهم على عدم الإدلاء بأي تصريحات، حفاظا على سمعتهم وسمعة الضحية، وفق ما هو معروف من ثقافة أهالي الصعيد المحافظة".