استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الربيع العربي الثاني

السبت 20 أبريل 2019 07:04 ص

منذ 2013 كنت من أنصار التحليل الذي يقول إنه بسبب الارتفاع الكبير في تكلفة الحراك السياسي فإن احتمال حدوث موجة جديدة للربيع العربي منخفض جداً بل شبه مستحيل، بل وفي إحدى مقالاتي ذكرت أن أي توقع لربيع ثان يجب أن يتجاوز هذا الجيل الذي عاصر أحداث الربيع الأول وما نتج عنه من ثورات مضادة تمادت في القمع وسفك للدماء.

لكن الشعوب العربية أثبتت أنها عصية على الواقعية السياسية التي يفضل المحللون السياسيون من أمثالي التمسك بها في استشراف المستقبل، وخرجت مرة ثانية في عاصمتين عربيتين.

وعندما كتبت قبل أسابيع حول ما يعنيه هذا الحراك وضعت شروطاً لتطوره بأن تتكون الكتلة الحرجة من المتظاهرين وألا تكون ردة الفعل الأمنية حاسمة، وألا تعبث التدخلات الخارجية في ردة الفعل تجاهه.

حتى الآن يبدو أن ذلك تحقق في الحالتين الجزائرية والسودانية، تشكلت كتلة حرجة ضخمة جداً في البلدين وهناك استمرار وثبات على المطالب، في الجزائر استقال الرئيس وبدأ التحضير لمرحلة ما بعد تغيير رأس النظام.

وفي السودان بدأ الخناق يضيق على النظام ووصلت التظاهرات إلى مستوى لا يمكن معه احتواءها دون تعامل أمني عنيف وحاسم، وبموازاة ذلك بدأ حفتر تحركه في ليبيا نحو الغرب بغية السيطرة الكاملة على التراب الليبي وبدأت حملته بخسائر كبيرة أمام قوات المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق، كل هذه الأحداث تعلن بصراحة أن الموجة الثانية للربيع العربي بدأت بالفعل.

الربيع العربي الثاني لم يفقد الزخم الميداني ولكنه يأتي في ظروف إقليمية ودولية مختلفة لذلك نرى الحماس له ليس كما كان في الأول خارج العواصم التي تدور فيها رحاه.

المحور الإماراتي السعودي يعتبر نفسه أساس النظام العربي الجديد ويوفر الغطاء للأنظمة القمعية المتحالفة معه وينسق مع إدارة ترامب والكيان الصهيوني لفرض هذا الواقع الجديد ما يجعل ظهور هذه الثورات فجأة مربكاً بالنسبة لخططه.

ورغم أن هذا المحور هو التحدي الأبرز للحراك الثوري إلا أن حدوثه بهذا التزامن في عاصمتين لهما مواقف غير داعمة لهذا المحور بشكل مباشر وفي ظل أزمة يواجهها المحور بسبب تعطل مشروعه في اليمن وتداعيات مقتل خاشقجي جعلت ردة فعل المحور باهتة.

وهذا سمح للحراك أن يستمر ويتطور بشكل إيجابي، من الناحية الثانية فإن الدول الداعمة للحراك الثوري في الربيع الأول مثل قطر وتركيا باتت أقل حماساً في ظل الظروف الإقليمية المختلفة، ونتاج الربيع الأول والتحديات الداخلية والخارجية الجسيمة، وفي المحصلة فإن تراجع التدخل الخارجي لصالح أي طرف هو في الحقيقة من صالح الحراك الثوري.

في السودان يبدو أن الأمور تتجه للتصعيد خاصة مع تقارير تفيد بموقف محايد للقوات المسلحة حتى الآن وأن النظام لم يعد متماسكاً، ومع نجاح الحراك الجزائري في المعركة الأولى من خلال استقالة بوتفليقة تعزز الحراك الميداني في السودان بشكل يجعلنا نتوقع أن الأسابيع القادمة ستشهد تغييراً سياسياً هناك.

الجزائر من ناحيتها تقف على مفترق طرق، الجيش بلا شك يريد الحفاظ على مكتسباته من خلال التضحية بالحزب الحاكم ودائرة بوتفليقة، ولكن الشارع الجزائري لا يبدو مقتنعاً بما تم وما زال يطالب بزوال النظام لا رأسه فحسب.

المتظاهرون في السودان والجزائر استفادوا لا شك من التجربة المصرية بأن أي قبول بمكتسبات جزئية لن يكون إلا باباً خلفياً يعود منه النظام، ولكن التفاؤل يجب أن يكون حذراً فما زال السؤال قائماً في الحالتين حول المرحلة الانتقالية وقدرة النظامين على الصمود.

إذن كيف دخلت ليبيا على خط الربيع العربي الثاني؟

كانت خطة المحور الداعم للثورات المضادة دائماً هي سيطرة حفتر على ليبيا كاملة موحدة ولكن الخطة كان يتم تنفيذها بتأن فإما أن ينجح المحور في توظيف الصراعات بين الثوار في طرابلس أو أن يضعف كيان طرابلس تدريجياً فيتمكن حفتر من الالتفاف عليه بسهولة.

لكن أمرين رئيسيين تسببا في استعجال تنفيذ الخطة بهذا الشكل:

- الأول كان الحاجة إلى تحقيق انتصار سريع لحفتر قبل أن يزداد الضغط الدولي عليه للالتزام بنتائج الحوارات المختلفة،

- الأمر الثاني والأهم في تقديري هو الحراك في الجزائر ونجاحه، فهو من ناحية يمثل فرصة لحفتر عبر انشغال الجزائر وجيشها عن الوضع الليبي بسبب الأحداث الداخلية لكنه كذلك يمثل تهديداً فإعادة بعث الروح الثورية تمثل دافعاً لحكومة الوفاق وداعميها من المجموعات الثورية.

ويبدو أثر الجزائر والسودان واضحاً في رص الصفوف داخل ليبيا، كما أن حراك حفتر نفسه بهذا الشكل وفر منصة لجمع الكلمة مرة أخرى ونعلم يقيناً أن القوى الثورية الليبية لديها القدرة على ضبط الصف سريعاً في حال كان العدو واضحاً كما حدث إبان مقتل القذافي.

في حين يريد داعمو حفتر فرض الواقع على الأرض قبل أن تمثل الجزائر أو السودان نموذج نجاح للثورة يحرك في النفوس الليبية ضرورة التحرر من الانقسام في الغرب ومن حفتر في الشرق.

الربيع الثاني بات اليوم واقعاً، وأياً كانت مخرجاته لا يمكن إغفاله كلحظة تاريخية في ثلاث دول عربية كبيرة، وفي حال نجاح الحراك في أي منها فسيعني ذلك تغييراً حقيقياً في الموازين لصالح محور التغيير في العالم العربي.

قدم أمير قطر في مؤتمر البرلمانيين توصيفاً يمثل أزمة الواقع العربي بامتياز حين قال: "الشعوب عموماً تفضل الإصلاح التدريجي على المجازفة بهزات ثورية كبرى، لكن التغيير السلمي يعتمد على وجود نخب حاكمة تتفهم مطالب الناس، ولا تواجهها بنظريات المؤامرة والقمع وتقود عملية الإصلاح".

الفرصة ما زالت سانحة أمام الأنظمة العربية في أن تتنازل عن نموذج دولة القمع وتبدأ بإصلاحات حقيقية وعقود اجتماعية جديدة مع شعوبها، لا أحد يريد الفوضى ولا يمكن لأحد توقع عواقب سقوط الأنظمة السياسية ولكن ما لم تجد الشعوب آذاناً صاغية لدى الحكومات فإن التغيير واقع، حتى ولو توقع المحللون السياسيون مثل كاتب هذا المقال غير ذلك.

* د. ماجد محمد الأنصاري أستاذ الاجتماع السياسي بجامعة قطر

المصدر | الشرق القطرية

  كلمات مفتاحية