صناعة الدفاع التركية.. الفرص والتحديات

الخميس 16 مايو 2019 01:05 م

لطالما كان بناء صناعة الدفاع التركية أولوية بالنسبة لحكومة الرئيس "رجب طيب أردوغان"، وقد أحرز تقدمًا كبيرًا حتى الآن.

وتعد تركيا الآن من أكبر 14 دولة مصدرة لمنتجات الدفاع في العالم، حيث تمثل حصتها 1% من إجمالي الصادرات العالمية، وفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام، ولكن على الرغم من نجاحها، تواجه الصناعة الآن مشاكل متنامية مع العديد من التحديات مثل هجرة الأدمغة وأزمة العملة، والاعتماد على الموردين الأجانب، والنزاعات السياسية الإقليمية مما قد تعيق فرص النمو في المستقبل.

وتعود الجهود المبذولة لبناء صناعة الدفاع التركية إلى السبعينيات. وفي عام 1974، على خلفية الأزمة القبرصية، فرضت واشنطن حظراً على الأسلحة على أنقرة، وبينما كانت تركيا تعتمد بالكامل تقريبًا على الناتو وغيره من المنتجين الأجانب لتزويد جيشها، فإنها وجدت نفسها فجأة في وضع غير مستقر.

وكان الموقف بمثابة دعوة لاستيقاظ للبلاد ونقطة تحول في تطوير صناعة الدفاع الوطنية حيث قررت السلطات التركية بناء قدرات البلاد بهدف تقليل اعتمادها على الموردين الأجانب وتلبية احتياجات القوات المسلحة محليًا.

مع نمو عدد شركات الدفاع، أنشأت الحكومة رئاسة الصناعات الدفاعية في عام 1985 لإعادة تنظيم القطاع. كانت مهمتها هي إرساء الأسس لصناعة دفاع حديثة وتحديث القوات المسلحة التركية. على الرغم من محدودية الموارد والعقبات الأخرى، فقد أثبتت نجاحها بشكل كبير، مما مكّن الصناعة من التطور بثبات على مدار الـ 34 عامًا الماضية.

إلا أن هذا القطاع لم ينطلق فعلاً إلا خلال العقد الماضي أو نحو ذلك، وكان النمو الكبير مدفوعًا بسياسات حكومية نشطة تهدف إلى ضمان اعتماد تركيا على نفسها وتعزيز صادراتها الصناعية. ووفقًا لرئاسة الصناعات الدفاعية، فقد ارتفع حجم مبيعات قطاع الدفاع والطيران التركي من 1.85 مليار دولار في عام 2006 إلى حوالي 6 مليارات دولار في عام 2016.

وبعبارة أخرى، زادت المبيعات ثلاث مرات في 10 سنوات فقط. وخلال نفس الفترة، ارتفعت صادرات القطاع من 487 مليون دولار إلى 1.67 مليار دولار. ومع ذلك، لمدة ثلاث سنوات متتالية في ذلك العقد - في الأعوام 2014 و 2015 و 2016 - لم تحطم الصادرات حاجز الـ 1.6 مليار دولار، مما أثار مخاوف بشأن استدامة النمو السريع للصناعة على المدى الطويل.

ولإعادة تنشيط القطاع وزيادة الصادرات، تبنت الحكومة تدابير تنظيمية جديدة، حيث نقلت العديد من هيئات صناعة الدفاع المحلية إلى مكتب الرئيس، بما في ذلك رئاسة الصناعات الدفاعية في عام 2017، ومؤسسة القوات المسلحة التركية، المسؤولة عن تطوير صناعة الأسلحة الوطنية وشراء الأسلحة والمركبات والمعدات.

ووفقًا للرئيس "أردوغان"، تم جلب مؤسسة الصناعات الدفاعية إلى مكتبه لتعزيز إمكاناته وتحسين تخصيص الموارد وكفاءتها. وكلفت الحكومة مراراً وتكراراً السلك الدبلوماسي بمهمة تسويق المعدات العسكرية التركية في الخارج وإيجاد أسواق جديدة لصادراتها الدفاعية.

وجلب عام 2018 العديد من التطورات الهامة على هذه الجبهة. وفقًا لتقرير صادر عن معهد ستوكهولم، فإن تركيا، المصنفة كـ"منتج ناشئ"، نجحت في تجاوز حاجز ملياري دولار من الصادرات. في الواقع، شهد قطاع الدفاع والفضاء أقوى نمو في الصادرات بين جميع الصناعات التركية في ذلك العام.

وحافظت الصناعة على هذا الاتجاه في أوائل عام 2019، مع ارتفاع الصادرات بنسبة 64.4% في يناير/كانون الثاني مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وعلى الرغم من التقدم المذهل الذي تم إحرازه خلال العقد الماضي، إلا أن القطاع ما زال أمامه طريق طويل للوصول إلى أهدافه.

أهداف طموحة

وتهدف الحكومة إلى "جعل صناعة الدفاع التركية مستقلة بنسبة 100% بحلول عام 2053، وزيادة طاقتها التصديرية إلى 50 مليار دولار، وأن يكون لديها ما لا يقل عن 10 شركات دفاع تركية من بين أكبر 100 شركة في العالم"، وهذا يتطلب جهدا كبيرا.

ويحذر "معهد استكهولم" من أن "سياسة نمو صادرات الأسلحة الطموحة يصعب تنفيذها على المدى الطويل؛ لا سيما أن التاريخ الحديث أظهر أن صادرات الأسلحة من قبل صغار المصدرين يمكن أن تتقلب بشكل كبير"، مستشهدا بأمثلة مثل السويد والبرازيل.

علاوة على ذلك، تحتاج تركيا أيضًا إلى التغلب على قائمة متزايدة من التحديات، بما في ذلك هجرة الأدمغة، والحاجة إلى أسواق جديدة واستثمارات ضخمة والاعتماد على المكونات الأجنبية، وانخفاض قيمة العملة المحلية. وترتبط المسألتان الأخيرتان ارتباطًا وثيقًا، حيث يتم الحصول على العديد من المكونات الرئيسية التي تعتمد عليها الصناعة من الخارج وتسعيرها بالعملات الأجنبية، مما يؤدي إلى زيادة التكاليف على المنتجين المحليين.

ويُعتقد أن هجرة الأدمغة تعمل ككابح للتنمية في بعض المناطق الحرجة فالغالبية العظمى من الناس الذين يغادرون هم من المهندسين الشباب الذين تلقوا تعليما عاليا، وغالبا ما يكون لديهم خبرة كبيرة. وفقًا لمسح رئاسة الصناعات الدفاعية، فقد ذكر العديد ممن غادروا القطاع وجود "فرصة محدودة للترقية والتقدم المهني" كسبب رئيسي، لهجرتهم يليه انخفاض الرواتب.

ويعد تأمين الاستثمار الذي تمس الحاجة إليه تحديا كبيرا آخر. وفي الحالات العادية، يمكن تحقيق ذلك عن طريق فتح القطاع أمام المستثمرين الأجانب، ولكن بالنظر إلى علاقة الصناعة بالأمن القومي، لا يبدو هذا خيارًا.

ومن المحتمل أن يشمل المستثمرون المهتمون الولايات المتحدة والدول الأوروبية وروسيا والصين، وقد تتسبب مصادر الأموال في الحد من استقلال تركيا الدفاعي.

وللتغلب على ذلك، أقامت تركيا شراكة مع قطر، وهي دولة صغيرة غنية تربطها بها علاقات قوية ولا تشكل تهديداً لأنقرة. ومن المتوقع أن تساعد هذه الشراكة في تأمين التمويل لتطوير صناعة الدفاع في أنقرة، من ناحية، مع تعزيز قدرات الدوحة الدفاعية، من ناحية أخرى، وبالتالي تعميق التحالف بين البلدين.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2018، وقع الرئيس "أردوغان" المرسوم رقم 481 الذي مهد الطريق لخصخصة مصنع الدبابات والناقلات، الذي ستديره شركة تركية قطرية لمدة 25 عامًا. وقد أثار القرار انتقادات واسعة النطاق، لكن "أردوغان" دافع عن هذه الخطوة، مشيرًا إلى القيمة المضافة المتوقعة التي تقدر بـ 5 مليارات دولار سنويًا وزيادة في الصادرات بقيمة مليار دولار، لا سيما إلى قطر. في حين أن مشاركة قطر يجب أن تعطي القطاع دفعة قوية، يبقى السؤال ما إذا كانت كافية لمساعدته على تحقيق أهدافه.

حتى مع الدعم القطري، لا يزال العثور على أسواق تصدير جديدة صعباً. وشملت الأسواق الخمسة الأولى لمعدات صناعة الدفاع التركية في عام 2018 كل من الولايات المتحدة (726.7 مليون دولار) وألمانيا (226.1 مليون دولار) وعمان (153.4 مليون دولار) وقطر (83 مليون دولار) وهولندا (75 مليون دولار).

وعلى الرغم من أن تركيا دخلت أسواقًا جديدة في عام 2019، مثل غواتيمالا وجويانا وتنزانيا وترينيداد وتوباغو، فإن هذه القائمة لا تشمل أيًا من كبار مستوردي الأسلحة في العالم، مثل المملكة العربية السعودية والعراق ومصر. وسيكون الوصول إلى هذه الأسواق أمرًا حيويًا لضمان استدامة هذا القطاع على المدى الطويل، ولكن من المرجح أن يمثل المناخ السياسي الاستقطابي وتحديات السياسة الخارجية تحديًا لشركات الدفاع التركية.

تحديات السياسة

وتثبت السياسة أنها حجر عثرة رئيسي لهذا القطاع. ولا يميز العديد من العملاء الأجانب بين موقف الحكومة من قضايا السياسة الخارجية ومصالح شركات الدفاع التركية ككيانات خاصة. ونتيجة لذلك، لا تستطيع الشركات التركية التوسع في أسواق معينة، وغالبًا ما يتم تهميشها في منتديات الدفاع الإقليمية الكبرى.

وفي أعقاب الأزمة الخليجية في عام 2017، ألغت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة عدة عقود مع شركات الدفاع التركية نتيجة دعم الحكومة قطر. وربما تكون مشاركة تركيا في برنامج مقاتلات "إف - 35" مهددة من قبل السياسة كذلك.

ومع تصاعد التوترات بين أنقرة وواشنطن بشأن خطة تركيا للحصول على نظام الدفاع الصاروخي الروسي "إس - 400" يمكن أن يؤثر ذلك على شركات الدفاع التركية، التي تزود أجزاء بقيمة 12 مليار دولار لبرنامج تصنيع المقاتلة الأمريكية.

ويعني اعتماد الصناعة على المكونات الأجنبية التي تتطلب تراخيص التصدير يعني أنه حتى الصفقات الكبرى، مثل الاتفاق البالغ 1.5 مليار دولار 2018 مع باكستان لتزويدها بطائرات الهليكوبتر التركية "تي 129 أتاك"، يمكن أن تتعرض للخطر إذا تدهورت العلاقات مع الغرب.

وعلى الرغم من أن الحكومة لديها آمال كبيرة في صناعة الدفاع المحلية، ويبدو أنها تكرس الجهود لتحقيقها، إلا أن هناك عددًا من العقبات التي تقف في طريقها.

لم يتضح بعد كيف ستواجه الحكومة التحديات المتزايدة؛ ومع ذلك، يجب إعطاء الأولوية لوقف هجرة العقول وتأمين الاستثمارات اللازمة وتحييد العامل السياسي. وفي حين أن التغلب على هذه القضايا في فترة زمنية قصيرة نسبيًا قد يساعد القطاع على الاستمرار في النمو، فإن الفشل في القيام بذلك سوف يؤثر سلبًا على آفاقه وقد يؤدي إلى تقليص الأنشطة والطموحات.

المصدر | علي باكير- معهد الشرق الأوسط

  كلمات مفتاحية